ادب وفن

14 تموز ثورة ثقافية وجماهيرية / مصطفى عثمان

بدون شك ان ثورة 14 تموز 1958 المجيدة هي أعظم حدث تاريخي وسياسي في حياة مسيرة الشعب العراقي النضالي، لما فجرته من زلزال تحت اقدام السلطة الملكية البائدة والمستعمرين الطامعين والمتسلطين على رقاب الشعب العراقي وثرواته وخيراته وما حملته من أجندة وطنية سياسيه ومفاهيم انسانية واجتماعية واقتصادية، وأحدثت تحولات جذرية مؤثرة ليست في المجتمع العراقي فحسب بل في المنطقة والعالم أيضاً، لقد ارعبت الدوائر المخابراتية وأصابها الذهول بقيام الثورة ونجاحها السريع، ونزول الجماهير الشعبية المؤيدة الى الشوارع بكثافه لا تصدق تبارك الثورة.
وفي كل عام تمر علينا ذكرى ثورة 14 تموز الخالدة، ونستذكر بكل اعتزاز الشهيد عبدالكريم قاسم، والقوى الوطنية التقدمية التي مهدت للثورة وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي الذي ما أنفك ولا هدأ في يوم من الأيام من مقارعه النظام الملكي البائد العميل، فكانت التضحيات جسيمة وجليلة، ولا ننسى أولئك المناضلين الوطنيين الابطال الشجعان "فهد، يوسف سلمان" – "صارم، محمد حسين الشبيبي" – "حازم، زكي بسيم" الذين ارتقوا المشانق في "14- 15 - شباط 1949"، وهم يهتفون بحياة شعبهم وحزبهم، "الشيوعية أقوى من الموت، وأعلى من اعواد المشانق" ورسموا بدمائهم خارطة طريق العراق السياسي، وضحوا بحياتهم من اجل حريه شعبهم العراقي و استقلال الوطن الناجز، لقد كتب الكثيرون عن ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة وأسباب قيامها، والتآمر عليها، وألفت العشرات من المجلدات و الكتب والروايات والدراسات والاجتهادات والتحليلات الصحفية وتناولتها وسائل الاعلام و الباحثون و المفسرون، منذ نصف قرن و لحد الآن، ومن اهم اسباب قيام ثورة الرابع عشر من تموز هي:
أولا - احتلال الانكليز العراق ثلاث مرات سنة (1914 - 1917 - 1941) واستباحة اراضيه والهيمنة على ثرواته.
ثانياً - قيام ثورة اكتوبر الاشتراكية (1917) وانتشار افكارها.
ثالثا - قيام ثورة العشرين والمقاومة الوطنية.
رابعا - فرض معاهدة (1930) الجائرة.
خامسا - ثورة العشائر في الفرات الاوسط (1935)
سادسا - انقلاب بكر صدقي (1936) وتأثيره الايجابي على الساحة السياسية
سابعا - اضراب عمال شركة نفط كركوك مجزرة (كاور باغي -- 1946) وقتل منهم ستة عشر شخصا.
ثامنا - اطلاق الرصاص على عمال النفط في حديثة ( h3 – 1947 ) واستشهدت كوكبة منهم،
تاسعا - وثبة كانون الثاني (1948) الخالدة واسقاط معاهدة ( 1930 - بورتسموث ) الجائرة واسقاط حكومة صالح جبر العميلة.
عاشرا - انتفاضة تشرين المجيدة عام (1952) التي اسقطت حكومة مصطفى العمري وأقالت عميد كلية الصيدلة الدكتور يحيى الصافي، وعهدت الوزارة الى اللواء الركن نور الدين محمود، اطلق الرصاص على المتظاهرين وسقط عشرات القتلى والجرحى، واعتقل الالاف من السياسيين الوطنيين.
أحد عشر - قيام حكومة مصدق الوطنية وتأميم النفط عام (1951).
اثنا عشر - قيام الضباط الاحرار بثورة يوليو المصرية عام (1952) واسقاط الملكية وانعكاسها على العالم العربي.
ثلاثة عشر - تشكيل تنظيم الضباط الاحرار برئاسة عبدالكريم قاسم عام (1952).
اربعة عشر - اضراب عمال نفط البصرة عام (1953) المطالبة بحقوقهم.
خمسه عشر - انتفاضة عام (1956) تأييدا لتأميم قناة السويس وما افرزته من مشاعر وطنية.
ستة عشر - تشكيل جبهة الاتحاد الوطني عام (1957) من الحزب الشيوعي العراقي، الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الاستقلال، حزب البعث،
سبعة عشر - خيانة ملوك ورؤساء البلدان العربية في حربهم ضد القوات الصهيونية مما سبب خيبة امل في نفوس الضباط المشاركين في حرب فلسطين.
لقد لعبت الاحزاب الوطنية دورا رئيسا دؤوبا بتوعية الجماهير ضد الهيمنة الاستعمارية والسلطة العميلة، ان التناقضات الاجتماعية والهزات والانتفاضات العنيفة التي شهدتها البلاد، والنضالات والتضحيات ودماء الشهداء لن تمر دون حساب، حتى جاءت ثورة الرابع عشر من تموز الظافرة، واعلنت الجمهورية والغيت الملكية، ورغم قصر مدة بقائها الا أنها انجزت الكثير وأهم ما انجزته:
• الخروج من حلف بغداد الاستعماري.
• تشريع قانون الاصلاح الزراعي وتوزيع الاراضي على الفلاحين وتحديد الملكية.
• تشريع قانون الاحوال الشخصية رقم ( 188) سنه ( 1959 ).
• فك الدينار العراقي من هيمنه الاسترليني.
• اطلاق سراح السجناء السياسيين واعادتهم الى وظائفهم.
• الغاء مرسوم اسقاط الجنسية عن العراقيين.
• زيادة رواتب الموظفين والعمال.
• تطبيق قانون الضمان الاجتماعي.
• استعادة اموال العراقيين من شركات النفط الاحتكارية وصدور قانون رقم ( 80 - 1961 ).
• الاستيلاء على الاراضي غير المستثمرة من قبل شركات النفط.
• الخروج من الاتحاد الهاشمي.
• تشجيع راس المال الوطني.
• هدم الصرائف التي يسكنها الفلاحون الهاربون من ظلم الاقطاع وبناء مدينه الثورة، الصدر حاليا.
• توزيع الاف قطع الاراضي السكنية في ضواحي بغداد على الموظفين واصحاب الدخل المحدود وتقديم المساعدة لهم.
• تخفيض ايجارات البيوت السكنية والمحلات التجارية.
• فتح ابواب الاستيراد و التصدير للجميع.
• حمايه الصناعة الوطنية امام المنافسة الاجنبية.
• تصنيع البلد بمصانع استهلاكية وتشغيل الايدي العاملة.
• توسيع الخدمات الصحية المجانية وتطويرها.
• فتح معاهد للأيتام المشردين.
• اجازة المنظمات المهنية وتأسيس النقابات والجمعيات الفلاحية.
• تحديد يوم العمل بثماني ساعات.
• تأسيس جامعة بغداد برئاسة العالم الدكتور عبدالجبار عبدالله وارسال بعثات دراسية للتخصص.
• تشكيل نواة جيش التحرير الفلسطيني.
• الانفتاح السياسي نحو بناء علاقات متكافئة مع بلدان العالم المتحرر ومنظمومة الدول الاشتراكية السابقة والانضمام الى منظمة دول عدم الانحياز.
وغيرها من الانجازات وهي كثيرة.
ويبقى عزيزي القارئ الكريم من حقك ان تسأل عن سبب اغتيال الثورة والتآمر عليها.
ان كل حدث او ثورة لها انعكاسها على مساحة الواقع، وتأثيرها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والاقليمي والعالمي، إذ ان لكل فعل رد فعل، ولا تستثنى الظروف الموضوعية المحيطة بها، ويستطيع السياسي النبيه ان يشخصها ويضع لها الحلول المناسبة بدءاً من فرط عقد جبهة الاتحاد الوطني والخلافات بين القوى السياسية والاعتداء على حياة قائد الثورة في شارع الرشيد، ثم ان عبدالكريم قاسم عسكري وطني، وليس سياسي محترف لذلك لم يقم بتطهير اجهزة الدولة من العناصر الرجعية العميلة وخاصة الاجهزة الأمنية، اضافة إلى ذلك هناك اصحاب النفوذ الرأسمالي و علاقاتهم بالجهات الاستعمارية والاقطاعيين والشيوخ وشركات النفط وعملائهم والجواسيس الذين تضررت مصالحهم وقرروا العمل لإسقاط الثورة بأي ثمن، حيث ان جمال عبد الناصر قد اتفق مع الضباط العراقيين القوميين وقادة حزب البعث المرتبطين مع المخابرات البريطانية والامريكية على التعاون والتنسيق لإسقاط الثورة ومدهم بالمال والسلاح والاعلام، فقد اعترف علي صالح السعدي امين سر القيادة لحزب البعث أن انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963هو من صنع الامريكان حيث يقول "اننا جئنا بقطار امريكي وافرغنا حمولتنا في بغداد" حيث ان معظم المتآمرين كانوا يستلمون مبالغ طائلة من السفارات الأجنبية كما جاء في مذكرات بعضهم.