ادب وفن

أمسية شعرية – تشكيلية في المقهى الثقافي العراقي في لندن للشاعرين كريم النجار وناجي رحيم

لندن – طريق الشعب - خاص
أهلا وسهلا صديقاتي أصدقائي الأعزاء ..أنا يوسف الناصر على يميني مباشرة ناجي وكريم في الطرف ..أتعرفون ان الحكومة البريطانية قد قررت ألغاء صيغة التخاطب "ليديز اند جنتلمان" هذه العبارة التي يبدأ بها المذيعون "سيداتي سادتي" موادهم المذاعة .. ستلغى وتستبدل بعبارة "هلو أيفري بودي ..اهلا بالجميع" لأن هناك جنسا ثالثا.. فالكرة الآن في ملعب فيصل وعلي ..فبماذا سيخاطبان جمهور المقهى ..؟!
" ضحك متواصل من زبائن المقهى" لأفتتاحية الفنان يوسف لأمسية المقهى الجديدة التي أقيمت في صالة لندنية أخرى بعد أن أمتنعت الجهة التي تشرف على قاعة المقهى السابقة عن تأجيرها في ايام الآحاد.. ولندرة الصالات (ضئيلة الأجور) في لندن ..أصبحت آماسي المقهى على كف عفريت رأسمالي.. لكن على ما يبدو مثابرة شغيلة المقهى حسمت أمرها بالأنتقال الى صالة كنيسة في غرب لندن .. فكانت أمسية الجمعة 28 من تموز 2017.. وهاهو المقهى يواصل أماسيه .. ويستقبل زبائنه الذين يتابعونه :"وين ميروح ، وحبه سلوى للروح"..ولم يعد المدلل في "قهوة عزاوي " زعلانا فهناك من " يركض وراهم حافي وعبّيته ع جتافه".
هكذا ابتدأ الفنان التشكيلي يوسف الناصر أمسية المقهى الشعرية- التشكيلية وأضاف:" اولا أقول وهذه ملاحظة غير موجهة للمقهى الثقافي ، الذي يقوم بعمل رائع جدا لخدمة الثقافة العراقية والمثقفين العراقيين والثقافة والوطن العراقي عموما ..أنما ملاحظة عامة تنبع من واقع حالنا ، الذي لا نحسد عليه، فأني أشعر بالأسى حقيقة ، أن نقدم مبدعين أثنين مثل كريم وناجي في أمسية واحدة وفي عجالة مثل هذه ، كنت أتمنى كل واحد منهما أن يأخذ وقتا أطول ، وحتى أكثر من أمسية واحدة، خصوصا أنهما مقيمان في بلد آخر ،ولا نلتقي بهما كل يوم لكي نتعرف على نتاجهما ..لكن ما العمل فهذا واقع حالنا وطبعا ليس بي رغبة لتحويل أمسيتنا الى دراما ، بالعكس سنحتفي بهما ونفرح بمنجزهما الأبداعي.. عندما وصلتني رسالة من صديقي علي رفيق يطلب فيها تقديمي للأمسية كنت مسافرا.. ولم أعد سوى قبل يومين.. شرعت بالتحضير ففوجئت بالمواد المتوفرة عن كريم النجار وعن ناجي رحيم وهذا طبعا جاء بسبب غزارة نتاجهما.. وهنا لا أقصد بمساحة وكثرة هذا الأنتاج أنما أعني عمقه.. وهذا ما أوقعني بحيّرة من أمري : بماذا أقدمهما بهذه العجالة؟ المقهى الثقافي أتاح لي فرصة ممتازة الآن بحيث صرت على معرفة معقولة بشعر ناجي وحياته وكذلك شعر كريم وأبداعاته وكتاباته المنوعة وعمله الفني .. سأعمل على زيادة قراءاتي عنهما ..لأنهما أثارا أهتماما أكبر عندي .."
أمسية اليوم هي من جزئين الأول للشعر فسيقرأ ناجي قصائده وكريم ايضا والجزء الآخر مادة عن الرسم العراقي سيقدمها كريم مع عرض صور.. سيبدأ كريم بقراءة بعضا من قصائده.. وكريم يكتب النقد التشكيلي ، وشاعر ، وكان يدير موقع "أدب وفن" .. كريم دؤوب لا يكف عن العمل ، هو روح عراقية محتدمة، فنان وشاعر أصيل ، متوقد ومثابر لا يكل، متنوع وغزير الأنتاج،يكتب شعرا نادر المثال، وجدت بين قصائده واحدة تجمع بين الكلام واللون ، اعجبت بها لأن فيها الشعر والرسم، وتشي ان الذي كتبها رسام فهي قصيدة تنطوي على الرؤية والبصر ، دعوني أتلو عليكم شيئا منها:
أفكر بكِ
بالغربان وهي تنزع سوادها
بالنوارس البيضاء
وهي تسرح فوق دجلة
رغما عن مياهها التي طفت عليها جثث مجهولة
باللافتات الحمراء
يلوح بها رجل غارق بموجة سوداء
بالسواد الذي تتوشح به جدران بلدي
ويطيحُ بكِ أنتِ
أنتِ وحدك
حين تستبدلين الألوان الفاتحة بأشد سوادا منها.
الآن من أجل المزيد من شعر كريم أترككم معه ":
القى الشاعر كريم النجار مجموعة من قصائده من بينها :
الزُّجَاجُ الَّذِي تَهَشَّمَ
مِنْ نَافِذَتِي وَشُبَّاكُ بَابِكِ
لَنْ نُصْلِحَهُ قَرِيبًا
كُلَّمَا أَصْلَحْنَاهُ
سَقَطُ طَيْرِ جَرِيحٍ مِنْ شَظَايَاه
وَكُلَّمَا لُمْلِمْنَا رِيشَ الطَّائِرَ
يتَهَشُّمُ الزُّجَاجِ مَرَّةً أُخْرَى
لَا قُدْرَةً لَنَا بَعْدُ
أَنْ نَجْمَعَ الرِّيشَ وَالزُّجَاجَ
وَنُعِيدُ تَرْتِيبَ المَائِدَةِ
فَلِنَدَعْ الفَوْضَى
هِيَ وَحَدَّهَا
مِنْ تَحَكُّمٍ
حَيَاتِيٌّ
وَحَيَاتِكِ
***
لَنْ أَقَعَ فِي الخَطَأِ وَالتَّكْرَارُ مَرَّةً أُخْرَى
تَكْفِينِي حَيَاةٌ وَاحِدَةٌ
وَاحِدَةٌ
مِثْلَ نَفَسٍ عَمِيقٍ
فِي الحُقُولِ
*
هَذَا الحُلْمُ لِي
وَتِلْكَ اليَقْظَةُ لَكِ
مَحَالُّ أَنْ تَمْتَزِجَ الرُّؤْيَةُ بِالصَّدْمَةِ
دُونَ اِنْفِجَارٍ
*
سَتَقُولِينَ عَنِّي
إِنَّي رَجُلٌ لَا يُبَالِي بِشُؤُونِ الكَوْنِ
وَلَا بالتفاتةِ فَاتِنَةٌ مِنْ رَاكِبَةِ الدَّرَّاجَةِ
وَفُسْتَانِهَا يَتَلَوَّى فِي الهَوَاءِ
وَلَا بِجِسْرٍ يَنْفَتِحُ عَلَى الضِّفَّةِ الأُخْرَى
وَلَا بِالصُّوَرِ
يَلْتَقِطُهَا الأَصْدِقَاءُ بِرِحْلَاتِهِمْ السَّعِيدَةَ
وَلَا بِالمَاضِي
وَالحَاضِرِ الأَقْسَى
لَكِنَّكِ، حَتْمًا
تَرْتَعِشِينَ
حِينَ أَقْطِفُ القِبْلَةَ العَمِيقَةَ
مِنْ شَفَتَيْكِ الريانة
*
سَتَقْتُلُنِي.. تَقْتُلُنِي
حَتْمًا
هَذِهِ البَهْجَةُ الفَائِضَةُ
كُلُّ هَذَا الخِذْلَانِ وَأَنَا مُبْتَهِجٌ
الصَّوَاعِقُ وَوَمِيضُ الاِنْفِجَارَاتِ
الَّتِي تُحَدَّثُ فِي رَأْسِي
وَأَنَا مُبْتَهِجٌ
الجُنُونُ الَّذِي يُغَطِّي مزَارِعَ الأَرْضِ
وَيُحَوِّلُهَا لِبَرَارِيَّ قَاحِلَةٍ
الضَّوْءُ الَّذِي يَنْحَسِرُ كُلَّمَا زَحَفَتْ
جُيُوشُ الظَّلَامِ
يَبْهَجُنِي
صُرَاخُكُمْ وَصِرَاعُكُمْ
وَأَنَّين الثكالى
وَالفَوْضَى الخلاقّة الَّتِي يَهِبُهَا لَنَا العَمُّ سَامْ بِكَرَمِهِ المُعْتَادِ
تَبْهَجُنِي
وَيَبْهَجُنِي فِيكُمْ
أَنَّكُمْ تَسِيرُونَ نَحْوَ هَاوِيَةِ العَقْلِ
كَمَا فَعَلَتْهَا قُبَلُكُمْ
قَبْلَكُمْ مذُّ قُرُونٌ
ويعود يوسف الناصر على بدء فيقول انه نسيّ ان يقرأ شيئا أوصاه به فيصل وعلي ،وهو سيرة كريم النجار الذاتية ، فقرأ معرفا بكريم:
"كريم من مواليد الشامية 1960 وهو مقيم في هولندا منذ 1995،عضو رابطة الصحفيين الدولية، رأس تحرير صحيفة "البيت العراقي" في هولندا لسنوات 97-2002، وهو معد ومقدم برامج في اذاعة "المحبة" صوت المرأة العراقية في بغداد بين 2005- 2006 ، أسس موقع مجلة " أدب و فن " الألكتروني منذ عام 2006، رئيس تحرير مجلة "أدب فن" الثقافية، وله من الأصدارات "تلك المسلة البعيدة" وهي مجموعة شعرية عن دار " شمس "- القاهرة، أعد كتاب "شعراء عراقيون في هولندا" باللغتين العربية والهولندية عام 2002، نشر العديد من القصائد والمقالات الصحفية والنقدية في الصحف والمجلات العراقية والعربية منذ نهاية السبعينات من القرن المنصرم"
ثم أنتقل يوسف ليعّرف الشاعر ناجي رحيم فقال:
" قبل أن أعرفكم بناجي أقرأ لكم نصا له يمكن ان يعّرف بالافكار التي يطرحها بقصائده أذ يقول:
" أصحو في الشرقية، - يقصد محلة الشرقية - ، في الناصرية كلّ صباح وأنا في القطار الصاعد إلى روتردام حيث يوم من عمل، وجوه تجالسني، أصدقاء طفولة وصبا وأحداث، أرجع من العمل إلى البيت وهي معي، في البيت مساءً يبدأ صراعي، أشرب أم لا؟. أشرب، لا، الكبد متشمّع تمامًا، بعد فحوصات وتلفزة تركوا الأمر لي، اختر كيف تريد، واضح، في المساء يبدأ عدّ من نوع خاص، أقفز إلى سماوات وأهبط منها كي أصعد من جديد إلى ذكريات نائمة، أوقظها وأتحدّث مع وجوه أطبطب أحيانا على بيبان كي تفتح، أدخل إلى بيت الذكرى وأجالس أصدقائي الموتى، أحيانا تمتدّ الجلسة إلى الصباح، أخبرهم عادة أني أشرب كي يرفعوا هم أيضا كؤوسهم ونقرع معًا وجه عالم من زفت".
ناجي: ستبكيني.
يوسف: أنت الذي كتبت هذا.. الذي استغربه انه كنت أقرأ قليلا لناجي..مما كان يصح لي بالصدفة نصا له..لا أدعي أني أقرأ كل شيء..لكن الذي أثارني مقالة كتبتها عنه ريم غنايم ( كاتبة فلسطينية) قربتني من نصوصه فقد كتبت شيئا دقيقا ومباشرا تقول "أنه لا يساوم ليكسب القراء..يدوّن الألم بفظاعة..يطلق العنان لعصبية واسعة الخيال..ينقضّ على اليومي الجلف.. بجلافة.. وعلى الموت الفظ .. بفظاظة.. لا يتصالح كثيرا مع العالم.. شاعر غاضب يعود لمنابع الحزن العميقة في ذاكرته..يشتم ويبصق على العالم دون أن يبالي...." طبعا أترك التقييم للأصدقاء النقاد فانا لست منهم .. والان قبل ان أدعوه ليقرأ اليكم شيئا من سيرته:
ولد ناجي في مدينة الناصرية سنة 1961، ينتمي الى ما يعرف عراقيا بجيل الثمانينات، لكنه لم يكن فاعلا في ذلك الجيل الشعري، كما يؤكد هو نفسه.. في تلك الفترة، اكتفى بمتابعة المشهد الأدبي والشعري في العاصمة، وفي مدينته الناصرية كان يلتقي بمجموعة من الأصدقاء الشعراء ، بعضهم ما زال على قيد الكتابة ، كانوا يلتقون في أيام الأجازات العسكرية، يقرأون لبعضهم ما يكتبونه في المقاهي والحانات ، مرة واحدة يتيمة أشترك في أمسية شعرية في الناصري في 1989، الكثير من الخسارات غلفت مجرى حياته ، في هذا يشترك مع الملايين من العراقيين، سجن في عام 79 في دائرة أمن الناصرية ، لأنتمائه لخلية شيوعية، أمضى في الجندية ست سنوات كسائق عجلة " أيفا " ينقل العتاد والجثث، عقوبات.. غيابات.. وضيم عراقي مغمس بألوان خاصة، قد لا تعرفها أغلب بلدان العالم..في 1991 هرب الى خارج العراق، بعد أجهاض أنتفاضة آذار التي حفرت في تاريخ العراق الحالي، هرب ليحل والألاف في سجن الصحراء السعودية ، في مخيمي الرمضاوية ورفحا، لثلاث سنوات، ثم حصل على ملاذ في هولندا، عن طريق الأمم المتحدة، حيث مازال يعيش فيها 20 عاما، درس فيها علم الأجتماع لست سنوات، على مستويين متوسط وعال، عمل بعدها وما زال في مؤسسات هولندية متخصصة في الشؤون الأجتماعية ، يكتب ناجي كأنه يحمل توقا سرياليا على أيقاظ وقت دفن في مكان ما في روحه، العالم ، الفقد، الوقت، الدوار ، السجال ، الكائنات ، الشجرة التي ماتت، وهو شاهد عيان، صدرت له بالعربية ثلاث مجموعات شعرية : " حيث الطفولة نائمة " في 2005 كتب على غلافها الشاعر فاضل العزاوي كلمة فيها، ( الجدير بالذكر ان العزاوي كتب كتابا عن جيل الستينيات اسماه "الروح الحية" انا هنا أقترح على العزاوي ان يكتب كتابا عن جيلي السبعينات والثمانينات يسميه الروح الملتهبة او الساخطة او المحترقة فقد كتب الكثير عن الجيل الذي سبقهما ..هذا مجرد أقتراح ) ثم أصدر ناجي "سجائر لا يعرفها العزيز بودلير" عام 2015 وفي العام الماضي صدر له 2016 كتابه الثالث " لست ممتعضا من دفق السرد ".. قدم له المبدع صلاح فائق ، وله كتابات شعرية أخرى لم تنشر بعد ، وبالهولندية صدرت له مجموعة شعرية واحدة بعنوان " لكل الفصول " عام 2005 وذلك بعد فوز ثلاثة نصوص له بجائزة شعرية (متواضعة) كما يصفها هو.. ولا أطيل عليكم أكثر ..أنتم الآن مع ناجي :
ثلاثة نتقاطر دوما
لنلتقي ثلاثة
ثلاثة وغبّ كل منعطف
نلوك دبيب الأيام
عراة شوق نلتقي
ثلاثة في قعر حانة
نعبّ الوقت أغنياتِ دفء
وأمواج فكرة
والآن وبين كل هذا الحشد
أين تلمحُ وجهَك
عبق هو المكان بوجوه لست تعرفها
ووجوه من أحببت تزدحم على الطاولة
الذكريات تزدحم هي الأخرى
فأين تلمح وجهك؟
وبعد حين سيأتي النادل
يمسح طاولة غصّت بالبقايا
انت تنظر وفي قلبك النشيج
تراقب عمرا ينبض
ووجهين يحدقان
وستخرج
تخرج
تخرج وحدك كما أتيت.
وقد أستمع الحضور من ناجي رحيم قصائد عديدة قابلها بارتياح وأصغاء وتصفيق.
يوسف الناصر: انا أعترف ان أسم ناجي رحيم لم يكن من ضمن الأسماء الأولى للشعراء الذين أقرأ لهم ..الآن هذا الشيء قد تغير تماما .. شكرا لأصدقائي في المقهى الثقافي الذين منحوني فرصة هذا التقديم..
اما الجزء الثاني من الأمسية فقد قدم له الفنان يوسف :
سيقدم المبدع كريم النجار عرضا سريعا عن الحركة التشكيلية العراقية يرافقه عرض سلايدات للوحات ..الكل يعرف ان الحركة الفنية العراقية تمر باكبر تحدي تعرضت له خلال تاريخها الحديث ، فهي تتعرض لحصار متعمد، هناك من يتعمد او بغفلة او عن جهل لتهديم الحركة التشكيلية العراقية ومحو تاريخها عبر: محاصرة الفنانين ، تقليص دور العرض ، أهمال وتسفيه المدارس الفنية كمعهد الفنون واكاديمية الفنون الجميلة ، منح شهادات كبيرة بدون أساس علمي حقيقي لأساتذة في الفن .. محاربة وتحجيم منافذ وواجهات الفن ، وطبعا لا أستثني الأشكال الفنية الأخرى كالمسرح والموسيقى والرقص والسينما .
كريم النجار : الذي سأطرحه هو قراءات في المشهد التشكيلي العراقي عن تاريخ الأسى والأغتراب ، وهو ليس محاضرة بالمفهوم السائد..بدئا أنوه الى ان الموضوع الذي أطرحه الان هو جزء من كتاب أسعى لأصداره قريبا .
من نافل القول نشير بان الفنان بهذا الكون يسعى الى الحرية ، كغيره من المشتغلين في الحقول الأبداعية ، والى التمرد والمغامرة ، واكتشاف عالمه الذي يريد ان يضع بصمته الخاصة عليه.. أو أضافة شيء جديد ومختلف على صعيد التجربة والكينونة.. لكن الفاجعة التي سنتحدث عنها ، وبالتأكيد أخص القول عن ما تعرضت له الحركة التشكيلية العراقية من أسى وغياب .. وأغتراب وتشويه للكثير من ملامحها وهذه مفارقة غريبة فرغم فتوة وحداثة وبنائها المتين الذي سعى الرواد لترسيخه ..تعرض الى شرخ وعسف كبير أستمر لحد اللحظة.
وسرد كريم المسار الأبداعي للفنانين العراقيين وممارستهم لمختلف المدارس والمذاهب الفنية وتجاربهم التجديدية والتجريبية وجاء على ذكر الرواد وسعيهم للدراسة في الخارج وتأسيس المعاهد الفنية في العراق وتجمعاتهم في جماعات فنية ..وكان ذاك أستعراضا توثيقيا وتحليلا ، تابعه الحضور بأنتباه شديد.
ثم جاء على ذكر الهجرة القسرية التي أضطر اليها مجمو عة من الفنانين أواخر السبعينات جراء ممارسات النظام الدكتاتوري القمعية " حين بدأت عملية تبعيث مؤسسات التعليم وكان التركيز الأكثر على معهد واكاديمية الفنون الجميلة بحيث لا يقبل اي طالب متقدم اذا لم يكن عضوا في حزب البعث " وأسس النظام " مهرجان معرض الحزب منذ عام 1975 حتى سقوط نظامه ، وهنا تجدر الأشارة الى ان هذا المهرجان المفتعل ما هو الا سرقة فكرة من الحزب الشيوعي العراقي الذي أقام معرضا عام 1974 وكان هو المعرض الاول والأخير لعدم سماح البعثيين لهم "
وهنا تحدث كريم عن الصراع الايديولوجي الذي مارسه النظام ضد خصومه وفي مقدمتهم اليسار "هو الذي قصم ظهر الحركة التشكيلية وأثر على فنانين كثيرين" حيث هاجر بعضهم وتعرض من بقى منهم الى الملاحقات والتضييقات والأعتقال وحتى الأعدام ..لكنه توقف عند ثلاثة اسماء منهم ..أولهم الفنان محمد مهر الدين الذي عاش القلق والغربة وعبر عنهما في نتاجه الفني و"كان كالمرجل الذي يغلي في الداخل ويفيض بالالم المكبوت من دون صراخ".ثم تناول مصير الفنان فائق حسين وغربته المبكرة ورحيله المفاجىء وهو الذي لم تدرس تجربته كما يجب فقد كان متعدد الاهتمامات وهو من جماعة المجددين التي أسسوها عام 1965وكانت له رؤيا معاصرة ميزته عن مجايليه الأكاديميين وهاجر مبكرا في 1969 نحو أسبانيا والتي أوصلته الى امريكا وهو شاعر صدر له ديوان بالأسبانية وعمل في المركز الثقافي العربي في اسبانيا وأصيب بسكتة قلبية اودت بحياته قبل شهر من سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003.. ثم تحدث عن الفنان الثالث الأرمني العراقي الراحل أرداش كافيان صاحب الروح المتفردة الحية والذاكرة العميقة والذي امتعنا طوال عقود من الزمان بالتطلع نحو اشتغالاته المتعددة الأدبية والفنية وهو شاعر نشر الكثير من القصائد في فرنسا وهو مهندس هجر العمارة .
تحدث كريم عن الفنانين الثلاثة وعرض على الشاشة بعض ما توفر من اعمالهم الفنية وقدم قراءاته لأعمالهم وارتباطها بأفكارهم اليسارية والتي تطرح قضايا شعبهم وأتى بالذكر على ما تعرضوا اليه من تضييق وسجن وتعذيب وعسف أضطرهم الى مغادرة الوطن مكرهين .
ضاق وقت الأمسية ولم يسمح للمقهى ان يمارس ما اعتاد عليه في فسح المجال للحوار وتقديم الحضور لمداخلاتهم وتساؤلاتهم ..فالأمسية كانت غنية لكنها طرحت موضوعات عديدة وقراءات ممتعة ومفيدة.. وجد المقهى وجمهوره الحاجة الماسة لمواصلتها في أمسيات قادمة.