ادب وفن

صناع الملوك "اختراع الشرق الأوسط الحديث" / عطا عباس

الكتاب حديث التأليف والترجمة نسبيا فقد ظهر في نيويورك عام 2008 بجهد مؤلفيه كارل ماير وشارين بلير، وصدرت ترجمته العربية في القاهرة على يد د . فاطمة نصر عام 2010 .
وهو اجمالا رصد تاريخي لمنطقة الشرق الاوسط، يمزج السيرة الذاتية لخمسة عشر "مخترعا!" شكّلوا منطقة تمتد من جنوب أفريقيا الى إيران والعراق، مرورا بجزيرة العرب وساحل المتوسط وبلدانه الرئيسة: مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن.. العصيّ على التكوين حتى اللحظة!
هنا كان مركز عمل "المخترعين" ونوعيته:
رسم خرائط و"ابتداع دول وملوك محليين أو مستوردين" وإقرار حدود هشة، لا تزال متفجرة للآن... الكتاب بخمسة عشر فصلا، كعدد الشخصيات المنتقاة والحاسمة كما يرى المؤلفان والتي وقعت عليها (مهمة نشر قيم حضارية!) في منطقة مضطربة، وهي مهمة كما أرى تمثل صدى خافتا وبائسا لمثيلتها التي تحّمل وزرها عدد من المستشرقين، الطامحين والأفاقين، قبل أفول نجم الإمبراطوريات وملوكها!
غطى الكتاب زمنا يفوق القرن وربع القرن، امتد من شخصيته الاولى اللورد كرومر (1841 - 1917) والذي كان "مزيجا من السلطة الكولونيالية والكفاءة الاستثنائية" كحاكم مطلق لمصر وقامع بلا رحمة "لتمرد اهل السودان" وانتهاء بأحد أعمدة المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن بول وولفوتيز المولود عام 1943 والموصوف بـ"الشخص الذي يعرف أكثر ما يجب والمتحمس خفيض الصوت" و "الملاك الذي يفكر كوحش"! وقد اختبره العراقيون حقا لا كوحش فقط، بل كمهندس لحكم الطوائف الماثل للآن في بغداد وكقاتل بارد الأعصاب أيضا! وبين هذين تمتد سيرة و"إنجازات" ثلاث عشرة شخصية أخرى، مزجوا عملهم بين الهواية والتجسس واشعال الفتن والقمع وتفتيت خلافة عثمانية متعفنة وإعطاء وعود للحرية بلا عدد وعقد معاهدات استرقاقية في الجوهر وادارة بلدان تمتد على مساحة قارتين بمستشارين في غرف بلا واجهات أو في فنادق (سان جيرمان) في بيروت والذي قال عنه مالكه يوما: "إن زبائني يديرون العالم من شرفاته!"
وستمر علينا حتما وجوه ويلسون وبيرسي كوكس ومارك سايكس وغلوب باشا ولورنس العرب والمستشرق الرحالة فيلبي الذي التقى الملك عبد العزيز بن سعود اول مرة عام 1919 ليصبح أحد مستشاريه النافذين بعد اشهار اسلامه طبعا وغيرهم...
في الكتاب لا نطالع الا وجهي امرأتين فارقتين: فلورا شو، الصحفية البريطانية الجامحة التي اتخذت من فندق سمير أميس في القاهرة مقرا لها قبل أن "تبتدع اسما لدولة أفريقية ستعرف لاحقا بـ"نيجيريا"! و غرترود بيل أو "الخاتون" في عرف العراقيين وملكتهم غير المتوجة لسنين! وهي ما أراها الأكثر إثارة في تشكيل العراق الحديث أو "الكتلة البدائية من القبائل والتي يجب تشكيل امة عراقية جديدة منها" على حد وصفها...
كانت مهمتها كما تقول في إحدى رسائلها: "إنشاء أسرة مالكة يمكن ارسال ابنائها الى مدرسة "هارو" للنخبة في لندن وكلية ساند هيرست العسكرية مثل ابناء الاسر الإنكليزية الحاكمة"... وقد نجحت في ذلك الى حد كبير: أسهمت في استيراد ملك، وصممت علم وشعار نبالة خاص وسترة ملكية ونشيد وطني تأخر قليلا!
وقد حانت لحظة إنجازها الأهم في الساعة السادسة من مساء 23 آب 1921، حين توج الملك فيصل الأول، وفي شارع مترب امام سراي الحكومة "العثمانية سابقا" ملكا أول للعراق الحديث، ولكن بعلامتين فارقتين: فيما كان عرشه قد صنع على عجل من صناديق خشبية لعلب بيرة فارغة... أنشدت وعزفت الفرقة العسكرية نشيد صاحب الجلالة الملك الانكليزي جورج الخامس: "ليحفظ الله الملك" نظراٌ لعدم إنجاز "الخاتون" مس بيل نشيدنا الوطني بعد"!