ادب وفن

"شالوم درويش وجهوده في فضاء المسرح العراقي" / نبيل عبد الأمير الربيعي

صدر حديثاً عن دار الصادق الثقافية في بابل, كتاب يحمل عنوان (شالوم درويش وجهوده في فضاء المسرح العراقي) لمؤلفه الباحث الأستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي.
يضم الكتاب (189) صفحة من القطع الوزيري، و مقدمة وستة فصول وملحقاً للمنجز القصصي لشالوم درويش.
ولد القاص شالوم درويش في قضاء علي الغربي بمحافظة العمارة ثم انتقلت عائلتهُ إلى بغداد بعد موت والده. واصل دراسته الابتدائية في مدرسة (راحيل شحمون), ثم أكمل الثانوية في أحد المدارس المسائية, وتخرج من كلية الحقوق سنة 1924, ثم أصبح سكرتيراً للطائفة اليهودية عام 1929 بعد استقالة الأديب أنور شاؤل منها, واستقال عام1944 ليتفرغ للمحاماة.
يبدو أن شالوم درويش العراقي المولد والنشأة كان متعدد المواهب، فقد سلط الدكتور الربيعي الضوء على نتاجه القصصي والشعري والمسرحي، فضلاً عن مسيرته السياسية خلاله حياته، فقد كتب في النقد المسرحي وهو لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، وهذا أمر يتوجب التوقف عنده لبيان موهبة هذا الرجل، وقد أغنى الربيعي بحثه بمعلومات نادرة كانت قد نشرت في صحيفة العراق آنذاك.
كان شالوم درويش يحمل الفكر اليساري، ومن المنتمين للحزب الوطني الديمقراطي بقيادة كامل الجادرجي عام1946, فكانت أكثر مقالاته تنشر في صحيفة الأهالي, وامتازت قصصه باعجاب الأدباء والقراء ومنها (أحرار وعبيد), فقد تأثر بمدرسة الواقعية الاشتراكية والتركيز في قصصه على الحدث ونجاحه في الحوار الاجتماعي وإمتاع القاري بصدق الأحداث وحبكته المشوقة.
انتخب درويش أوائل عام1947 لعضوية مجلس النواب مرشحاً عن الحزب الوطني الديمقراطي, ثم استقال احتجاجاً على زيف الانتخابات وفسادها, لكن معاداة النظام الملكي للوطنيين ولذوي التوجهات اليسارية واجراءات الحكومة الملكية المجحفة بحق الوطنيين وإعدام قادة الفكر اليساري, أدت بالأديب شالوم درويش الى الهروب عبر الحدود الإيرانية إلى إسرائيل عام 1950, بعد أن تفاقمت موجة الملاحقة والطرد لليهود العراقيين من الوظائف, وضاق المقام بأبناء الطائفة اليهودية في العراق. ولم ينفع الصبر على الحال فرحلوا عن أرض العراق.
أصدرت حكومة توفيق السويدي قانون إسقاط الجنسية عن الراغبين من اليهود العراقيين وتجميد أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
ونشر شالوم درويش مقالة بعنوان (خروجي من العراق) في 9\11\1975 في جريدة الأنباء المقدسية: (لماذا اخترت الخروج هرباً لا بطريق إسقاط الجنسية؟ ... لقد رأيت في تنازلي عن جنسيتي العراقية مسبة؟ لا.. أنا ورثت عراقيتي من آبائي وأجدادي كما ورثت صفات الدم الذي يجري في عروقي, فجنسيتي خلقت معي ولعلها خلقت قبلي).
عند استقراره في حيفا بعد الهروب من العراق عمل في المحاماة وانقطع عن كتابة القصة ثم عمل في (جريدة اليوم) الصادرة في تل أبيب وصحيفة (الأنباء) عام 1967 في زاوية (من ملفات المحاكم) ثم عاد لكتابة القصة باللغة العبرية.
كانت مجموعتهُ القصصية الأولى بعنوان (أحرار وعبيد الصادرة عام 1941 تتحدث عن شخصيات تعاني من مشكلات طبقية خاصة بها وذات نزعة تحليلية. وقد اختار أبطال قصصه اختياراً دقيقاً, وهذا ما يميزها باعتراف د . عبد الإله أحمد في كتابة (الأدب القصصي في العراق) الجزء الأول ص324. أما قصة (الحرمان) فتمثل الأزمة الحادة التي يمر بها الشباب الشرقي في تلك الفترة ومشاكلهُ الجنسية, إضافة إلى قصصهُ الأخرى :اليوم خمر, جبان, راسم أفندي, قافلة من الريف .
وقد أشار الباحث عبد الإله أحمد إلى ما تمتاز به قصة (قافلة من الريف) وموقعها المؤثر في نفوس قرائها للتصوير الرائع والبارع لأوضاع عائلة ريفية طيبة على قدر من السذاجة والبساطة, وهي تواجه المدينة لأول مرة. ويقول الباحث عبد الإله أحمد: (استطاع القاص أن يوفر لها قدراً من المحلية على نحو لا تخطئهُ عين القارئ... وهي محلية يبدو أن القاص كان حريصاً عليها حرصاً شديداً بحيث توفر لها لوازمها, ومنها استخدامه العامية في الحوار), على الرغم من الجانب الإنساني الذي يؤطرها. وهناك ملاحظات على جوانبها الفنية.
لكن انقطاع درويش الطويل عن كتابة القصة ومتابعة تطور القصة في العراق والعالم العربي, أساء لحساسيته الإبداعية في إحكام المعمار الفني ورسم الشخصيات, كما ان عدم التوازن في مبنى القصة يكاد أن يكون ملازماً لمعظم قصصه, فهو يطيل في المقدمات ويسرف في سرد التفاصيل لكي يصل إلى النهاية المفاجئة, الأمر الذي يفقدها التماسك ويسبغ عليها ثوباً مهلهلاً. كما تسمح لهُ أحياناً بالمبالغة في خلق مواقف ساخرة يطعم أسلوبهُ بحيوية وجاذبية. ثم وجهها نحو الواقعية وخلع من ثوب القصة القصيرة الرومانسية المبتذلة والبلاغة الوعظية, فقد كانت شخصيات درويش محبطة. وهو توخى التركيز عليها مما أدى إلى إدانته بالهامشية.
اعتمد مؤلف الكتاب الدكتور علي الربيعي على الكثير من المصادر المهمة الصادرة داخل العراق فضلاً عن الدوريات مثل جريدة العراق ومجلة الحاصد ومجلة الآداب البيروتية وجريدتي البلاد وبغداد. وقد أحصى الدكتور الربيعي نتاج درويش الأدبي الذي وصل إلى أكثر من (29) مطبوعا بين مسرحية وقصة قصيرة نشرها درويش في الصحف أعلاه.
الكتاب يعتبر مصدرا مهما واضافة الى المكتبة العراقية، وهو منجز متميز وقد انفرد الدكتور الربيعي به.