ادب وفن

"اناء الفاكهة" أنموذجا .. فيصل لعيبي وتجربته في الفن التشكيلي العراقي / قراءة: داود سلمان الشويلي

"لن تكون حياة الناس عادلة إلا إذا كانت طافحة بالجمال"
رامبرانت
للفاكهة دور كبير في الحياة، وفي فن التشكيل. وقد عرفت الفاكهة منذ ان خلق الانسان كمادة غذائية، ثم صارت علامة للأسر الغنية لغلاء سعرها حتى بات الملوك واصحاب الرئاسات عبر التاريخ كما يظهرون في الرسوم والكتابات التي وصلتنا وهم مستلقون في الفراش وعلى جنبهم الايمن يتناولون ثمرات الفاكهة، او حبات العنب، بكل فرح وانشراح.
وقد استلهم الفنانون الفاكهة، او انائها المملوء بها في لوحاتهم التشكيلية لسببين: اما لتشكيل لوحة فنية تعبر عن جمالية الفاكهة ووضعياتها، وبهذا اصبحت لدينا مدرسة تستخدم الفاكهة بتشكيلات متنوعة في لوحات تشكيلية ندعوها "حياة صامتة" وقد اشتهر فنانون كثر بذلك في العالم، أو لتكون ثيمة في اللوحة التشكيلية يعبر بها الفنان عن رأيه، أو يرمز بها عن شيء يحاول ان يغيبه في لوحته تلك.
الفنان فيصل لعيبي واحد من الفنانين المقتدرين الذين استخدموا اناء الفاكهة كثيرا في لوحاتهم، ليس من باب الترف التشكيلي، ولا ان تكون لوحته تلك من لوحات "steel life الحياة الصامتة" وانما كان يعبر من خلالها عن شيء يضمره داخل تكوينات تلك اللوحة، ويرمز به عن هاجس ما في شعوره، وقد كان الشعر العربي القديم وحكاياتنا الشعبية يمتلئ بهذا الهاجس الذي اصبحت التورية اسلوبا له عند التحدث به.
ان محتويات اناء الفاكهة الذي استخدمه الفنان لعيبي، وهو على شكل نصف دائرة تنتصب على قاعدة، وكما يظهر في اللوحة التشكيلية التي رسمها الفنان له، هذه المحتويات هي عنقودين من العنب الابيض والاسود، ثمرة تفاح، ثمرة برتقال، ثمرة رمان، شيف رقي، اوراق شجر الفاكهة، وقد يضيف لهذه المحتويات في الاناء المستخدم في اللوحات ثمرة الموز.
ان الخطاب التشكيلي للفنان لعيبي المؤثث بالفاكهة، او انائها، يأتي معبرا عن الحالة الارستقراطية التي تعيشها الفتاة، وكما وصفها الشاعر امرؤ القيس حين قال:
وكشح لطيف كالجديل مخصر وساق كأنبوبِ السقي المُذلل
وَتَعْطو برخَصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنّهُ أساريعُ ظبي أو مساويكُ إسحلِ
تُضيء الظلامَ بالعشاء كأنها منارة ممسى راهب متبتل
وَتُضْحي فَتِيتُ المِسكِ فوق فراشها نؤومُ الضُّحى لم تَنْتَطِقْ عن تَفضُّلِ
فوصفها بـ "نؤوم الضحى" لأرستقراطيتها وعيشتها الهنية.
وكذلك فان "إناء الفاكهة" يأتي في ذلك الخطاب على ثلاثة مستويات تشكيلية، رمزية وتعبيرية، هي:
1 – مستوى جمالي في خطابه التشكيلي الذي نقل الحياة العامة للناس، كما في لوحة " المقهى - 2016 "، او في لوحة " الشاب والناركيلة " او في لوحة "الفتاة مع سماور الشاي" اذ استخدم اناء الفاكهة كحالة جمالية في اللوحة مع مجموعة الاواني على الرفوف، وهذا ما يقرأه المتلقي العادي للوحة، الا ان المتلقي النبيه يقرأ شيئا غير ذلك، انه يقرأ في لوحة " المقهى - 2016 "ما يضمره الفنان خلف هذا الترتيب في اللوحة، إذ وضع هذا الاناء على الرف بين رأسي الشاب البغدادي الذي يشرب الناركيلة، الذي يفوح رجولة و فحولة، والمرأة المتسولة التي يقف خلفها ابنها، ونحن كمتلقين نقرأ ما يضمره الفنان على ان الشاب يحمل هاجسا جنسيا تجاه المرأة، لما فيه من عنفوان الرجولة التي وضعها الفنان فيه. - او ليرمز ويعبر الفنان بإناء الفاكهة في لوحاته التشكيلية عن الحالة الجنسية التي تحلم بها الفتاة المستلقية، حيث تروي تلك اللوحات حكايات شعبية، او اشعارا قديمة، او بعض الاغاني.
2 - مستوى رامز الى الجنس في لوحات تضم فتاة وفتى واقف خلف الستارة متلصصا عليها، مثل اللوحة التي صدرها ببيت شعري يقول:
"يا ناعساً رقدت عيونه/ مضناك لا تهدا جفونه
حمل الهوى لك كلـــه/ ان لم تعنه فمــن يعينه"
او ان يضعهما في وضعية جنسية ما، والحلم الذي يحلمان به وهو الوصول الى حالة النشوة الجنسية، كما في اللوحة التي صدرها ببيت شعري يقول:
مولايَ وروحي في يدهِ/ قد ضيّعها سَلِمـَـــتْ يدهُ
ناقوسُ القلبِ يـــــدّقُ لهُ/ وحنايا الأضلعِ معبــــدهُ.
وكذلك في اللوحة التي صدرها بقول ابن حيوس الشعري:
"فِعْلُ المُدامِ ولونها ومذاقها/ في مقلتيه ووجنتيه وريقه".
3 – مستوى ثالث في لوحات كثيرة ضمت فتاة مستلقية في وضعية ارستقراطية لا يغطيها سوى قطعة قماش تلفها على وسطها، مع اناء الفاكهة، او ثمرة واحدة من الفاكهة، كما في اللوحة التي صدرها بعبارة تقول:
عن العشّاق سألوني وأنا في العشقِ لا أفهمْ!؟
***
وضع الفنان الفتاة والفتى ضمن كادر تشكيلي يضم الريازة البغدادية، وما اشتهر منها وهي الاقواس كما في لوحة فنية أخرى.
***
في اللوحات التي يستخدم فيها الفنان فاكهة التفاح، وهي فاكهة تحمل رمزا جنسيا ورد في اسطورة آدم وحواء، إذ نجد اللوحة قد اشتملت على فتاة مستلقية وبجانبها ثمرة تفاح، او ان تحمل بيدها هذه الثمرة التي اختارتها من الاناء، او ان الثمرة هذه تصاحبها ثمرة الرمان، وهي في حكاياتنا الشعبية ذات رمز جنسي ايضا، وكذلك رمز لاستمرارية النوع، فقد ضمت اللوحات هذه فتى وفتاة في وضعية جنسية معينة، او ان ثمرة التفاح هذه قد خرجت من اناء الفاكهة فيما يتلصص على الفتاة المستلقية فتى من خلف الستار، والاثنان يحلمان بالجنس.
ان تنوعات استخدام ثمرة التفاح في اللوحات التشكيلية للفنان لعيبي تعطي رسالة مؤداها انه خطاب تشكيلي متمكن وقادر فنيا وتعبيريا، ويستطيع ان يستخدم أي مفردة تشكيلية بحرفية وفنية في آن واحد، و هذه الرسالة هي رسالة تتوافق فيها الادوات التعبيرية مع الادوات الفكرية للفنان في هذا المجال.
في اللوحات التي استخدم فيها الفنان لعيبي الوحدة التشكيلية " اناء الفاكهة "او" ثمرة الفاكهة فقط "، قام بتلوين هذه الوحدة ليبرزها الى المتلقي ليس كوحدة جمالية فحسب وانما وحدة ترمز وتعبر عن شيء ما.
***
ومن الملاحظ في الخطاب التشكيلي للفنان انه رسم الفتاة وهي مكتنزة الجسد، وهذا يأتي تعبيرا عما يطلبه الرجل من جمالية جسد المرأة، وقد تحدثنا عن ذلك في دراسة لنا نشرت في جريدة " الحقيقة " عن الفنانة عاليا الوهاب بعنوان "المرأة البدينة بين الشعر و الفن التشكيلي. .. الخطاب التشكيلي لجمال المرأة البدينة... الفنانة عالية الوهاب أنموذجا" إذ بينا مواصفات جمال المرأة التي يبحث عنها الرجل الشرقي والعربي على الخصوص، ومن هذه المواصفات واهمها هو اكتناز الجسد كما ورد في الشعر العربي القديم خاصة واللوحات التشكيلية للفنانة الوهاب، والفنان لعيبي لم يخرج على حدود هذه المواصفات الجمالية.