ادب وفن

مظلتان لشخص واحد .. فوزي كريم ... وأنا / مقداد مسعود

اليوم 5/ 10/ 2017 ،همسني جاك بريفير (هذا يوم لايستحقهُ رب العمل) فعلا أنه خريف البصرة : أجمل خريف في العالم بشهادة الرّحالة بارسنز وهو يتأمل شط العرب في 1772
واصلنا نزهتنا أنا ومعي، في مكتبات العشار ..ياللمصادفة الباذخة ..!! في ضحى 21/ 9/ 2012: يدي التي تنسى كثيرا.. وهي تتصفح الكتب في مكتبة ( الفكر المعاصر ) عثرتْ على كنزٍ كان ينتظرني منذ نصف قرن : حدثني عنه معلمي الأول شقيقي، فقيد الحركة الوطنية العراقية محمد مسعود، وهو يلمحني أغادر مكتبة (دار الكتاب) في شارع الوطن ، شتاء 1974، أتأبط كتباً كنت قد أشتريتها للتو من ضمنها (من تاريخ الحركات السرية في الإسلام) تأليف بندلي جوزي..تلك الليلة أسهب معلمي في الحديث عن كتاب (حكمة الأديان الحية) تأليف جوزيف كاير وحين أشتريتُ الكتاب في 21/ 9/ 2012 والتهمته تماما في فجر 23/ 9/ كنت أسمع الكتاب بصوت شقيقي وكان صوته مركبة ً فضائية وحين انتهيت من الكتاب، صليتُ ركعتين أهديتها إلى روحه ِ...
اليوم 5/ 10/ 2017في المكتبة ذاتها، عثرت على كتاب انتزع من مكتبتي في تلك السنوات السود 1979..وهو من الكتب التي اشتريتها في سنة الإصدار، يومها كانت وزارة الاعلام العراقية اسبوعيا تضخ كتبا جديدة وتصل البصرة سريعا ..الكتاب الذي أسعدني اليوم، هو (من الغربة حتى وعي الغربة) للشاعر فوزي كريم، تاريخ الإصدار 1972/ سلسلة الثقافة العامة/ كتاب الجماهير (13) من هذه السلسلة الرائعة قرأتُ كتاب الناقد عبد الجبار عباس عن الشاعر السياب وكتاب ابتسام مرهون الصفار عن أبي تمام – على ذمة ذاكرتي - ...
كتاب (من الغربة حتى وعي الغربة ) للشاعر والناقد فوزي كريم : أحتاجه جدا وأنا متقوس ٌ منذ سنوات على دراسة أطروحاته النقدية الضرورية في (ثياب الأمبراطور ) و( تهافت الستينين) ..قبل أيام أشتريتُ كتابين جديدين له فأنشددت ُ لأطروحاته الدقيقة (شاعر المتاهة وشاعر الراية) و(القلب المفكّر/ القصيدة تغني ولكنها تفكّر أيضا ) الكتابان من أصدار دار المتوسط 2017.. مازلت أواصل قراءة أعماله الشعرية بجزئيها وكذلك كتابه المدهش (الفضائل الموسيقية ) :(الموسيقى والشعر)(الموسيقى والرسم) ..أما كتابه (يوميات الكابوس) فهو أقرب للكتابة الاعلامية الجميلة ..وعن كتابه (عودة الكاردينا) كتبتُ مقالة ونضدتها في كتابي النقدي البكر( الأذن العصية واللسان المقطوع)..
فوزي كريم ألتقيتُه مرتين بسرعة الومض في زيارتين له إلى البصرة في مربدين ..تبادلنا حوارا مقتضبا وسط ضجيج ودوي أروقة النادي الثقافي النفطي ...
أعود إلى كتابه النقدي الأول(من الغربة حتى وعي الغربة) كعادته الآن، يشتغل على التراث الشعري (معلقة لبيد / ملاحظات في التجربة الفنية) ..يرى في الجواهري(معاصر بحق ولكنه يقف بحدود المعاصرة الكلاسية التي تنتمي الى مرحلة انهيار ادبي شامل لبناء ضخم كان فيما مضى يشكل وجها حقيقيا / 61) رؤية جريئة متفردة /متمردة على المؤتلف آنذاك 1969وفوزي كريم يرى في تمرد الشاعر الزهاوي (تواطىء غير واضح، لانه يقف مع الفكر بلا روح ولا حياة ../62) ويعود إلى الجواهري فيضيف (كان شعر الجواهري يشكل رحى هائلة تدور(بعمومها) على قطبها (الخاص) .ان بين الخاص والعام رابطة مثيرة. وعبر علاقتهما نستطيع أن نشخص حركة النمو في شاعريته (منذ العشرينات حتى نهاية الخمسينات).. ومن ص179 إلى ص 272 : نهاية الكتاب..نكتشف الوجه الآخر لفوزي كريم (مدخل في مصادر دراسة القصة القصيرة في العراق) فهو يتناول قصص: سركون بولص، عبد المجيد لطفي، ديزي الأمير، جميل كاظم مناف، عبد الرحمن الربيعي، محمد خضير، جليل القيسي، فهد الأسدي...إلخ .. للأسف لم يتكرر هذا الاشتغال النقدي الحيوي في القص العراقي ضمن دراسات الشاعر والناقد فوزي كريم..
النص الذي كنت أشتاقه دوما وأقرأ بين الحين والآخر هو(حيث يصير المضمون شكلا) مايزال هذا النص الباذخ يسحرني ، حتى هذه اللحظة وأنا أكتب هذه الاسطر عن كتاب (من الغربة حتى وعي الغربة) للشاعر والناقد فوزي كريم ..
أسألني : هل عثرتُ على كتاب ٍ أحبني وأحببته ؟! أم على صديق ٍ حميمٍ بادلني الثقة والفرح والسلالم وهدأة الأخضر..يالسعادتي بأفراحي وهي صغيرة جدا مثل حبات النمنم التي تشبه آمالي ..وهي تصيبني دوما بالثراء اللانهائي ...