ادب وفن

"الحب وأشياؤه الأخرى" مكاشفات الأنثى الشاعرة / عبد علي حسن

لم تكن موجهات النقد النسوي ودراسات الجنوسة والجينثوية المرافقة لنقد ما بعد الحداثة الذي أطاح بالثنائيات الضدية ومنها ثنائية الرجل/ المرأة ، الا محاولات للوصول الى المناطق البعيدة في تكوين الانثى الثقافي والاجتماعي بِعدِّها كائنا يرزح تحت اكراهات المجتمع الأبوي/ البطريركي ، والتوصل الى تأكيد السمات الانثوية في النص الابداعي ، وهذا يعني ان مدار التقييم سيكون حول النص الذي تبدعه الأنثى تحديدا دون الذكر. ولعل ميلنا الى هذه التسمية هو الرجوع الى اصل الخلق "من ذكر وانثى" كما أن حصر الاهتمام بالنص الأنثوي سيجعلنا قريبين من طريقة واسلوب وافكار الانثى في المجتمع خاصة في المجتمعات القائمة على عد الانثى في الدرجة الثانية، و نعتقد أن فرقا ثقافيا كرسته جملة من الخطابات المتراكمة التي وضعت الانثى خارج التصنيف البيولوجي مؤكدة على الفارق الثقافي، اذن.. هنالك سعي لدراسة منجز الانثى الابداعي وفق دراسات تكشف عن وجود سمات انثوية فارقة تتبدى في الاسلوب وتأويل الواقع واللغة وسواها من الاركان التي يقوم عليها النص الابداعي ، ووفق ذلك ستكون قراءتنا لمجموعة "الحب واشياؤه الأخرى" للشاعرة العراقية حذام يوسف طاهر الصادرة عن دار سطور للطباعة والنشر والتوزيع ط اولى 2015.
سنعتمد عنوان المجموعة مدخلا وعتبة مهمة لتقييم وكشف السمات الانثوية التي هيمنت على مجريات التجربة في نصوص المجموعة التي كتبت وفق موجهات قصيدة النثر على الرغم من العديد من المفاصل المهمة قد غابت عن نصوص المجموعة، نقول ذلك لأن هنالك تحققا شعريا تبدى في جملة من المظاهر الاسلوبية واللغوية مكنت النصوص من تجاوز التبسيط التعبيري في النثر الى الشعري المتحقق في أغلب النصوص عبر الومض الخاتم للنص ، فالعنوان يشكل فضاء دلالي متسع تتحرك فيه نصوص المجموعة ، فالتجربة العاطفية تعد من التجارب الأساسية المكونة لشخصية الانثى ، ولعل علاقتها بكل ما يحيط بها يحتكم الى ملابسات هذه التجربة بنجاحها واخفاقها ، ولا نغالي اذا ما قلنا بأن هذه التجربة هي القضية الكبرى في حياة الانثى لاستكمال دورها الحياتي عبر مراحل حياتها المختلفة ، ولعل هذا التوصل تؤكده هيمنة تجربة "الحب" على موجهات نصوص المجموعة ، كما ان أي اخفاق في نجاح هذه التجربة يرجع الى طبيعة وضع الانثى في مجتمع يعد الحب واحدا من التابوهات التي ليس للأنثى حرية ممارسته على الضد من حرية الذكر وتبرير كل ممارساته بهذا الشأن انما هو امر طبيعي بما في ذلك خياناته المتكررة مع اناث أخريات غير امرأته ، وإزاء ذلك فإن بنية الانتظار والشوق للحبيب يبرره البعد عنه وعدم وجود فرص اللقاء المتكررة ، لتبقى الانثى في حالة هيام دائم وعذاب يبعد عنها فرصة معرفتها الكاملة بالحبيب ليظل الشوق والرغبة هما القاسم المشترك لهذه العلاقة ، لقد تبدى ذلك في مجموعة نصوص المجموعة على نحو يستبطن تلك العلاقة للكشف عن الجانب الجمالي المتمثل في بساطة الاسلوب واختيار المفردات وصياغة الجمل الشعرية وفق لغة شفيفة تعكس مقدارا من شغف الانثى وانشغالاتها العاطفية ويمكن ملاحظة ذلك في المقاطع التالية :--
"اشعر بالأسف
عندما أتذكر
ان جسدي اشتاق اليك كثيرا
اشعر بالأسف
لأني عندما كنت معك
لم أكن أنا .........النص".
فالذات الشاعرة في المقطع الآنف تفصح عن حالة اللا رضى عن النفس لأنها كانت طوع عاطفة بريئة صادقة في مقابل جحود ما أو هجر لا يتناسب والعطاء الذي قدمته روحيا كان او جسديا.. ومثل هذا الوضع يتكرر في اغلب نصوص المجموعة التي تجاوزت الـ "50" نصا قصيرا ، ولعل بنية الفقد تشكل بنية مهيمنة امتثلت الى الوظيفة الإفهامية/ الخطابية ، فقد كان الخطاب الشعري موجها الى الآخر بِعدِّه الطرف الموازي للذات الشاعرة التي تضخ المزيد من المشاعر الصادقة ازاء تجربتها التي احتلت الموقع الاساس في تكوينها الإنساني ، وإزاء ذلك فإنها تبحث عن رجل يماثل شخصية ابيها في الحنان والمحبة "هل لي بروح مثل روحك".
وتقترب تجربة بعض النصوص من المفهوم الصوفي للحب وتقرن هذه التجربة الانسانية بتجربة العشق الإلهي "كل يحاول الوصول
وكل يحلم بالقبلة الاولى
لكننا مسحوبان لمحراب الحب
لكننا لم ندرك
معنى أن الله محبة".
أو "ياااااااااكلي
يااااااااااااا سر أسراري
عبثا أتحاشاك".
فقد جرى في المقطعين الآنفين تناص وترحيل لمفاهيم العشق الصوفي للارتفاع بمستوى التجربة من الحسي الى الحدسي ، كما وتقرن النصوص تجربة الحب بقضية الوطن لتكون هذه التجربة في منطقة اكبر وأشمل لتتخذ وضعا انسانيا يكشف عن علاقة الذات بالموضوع.
"هتفنا طويلا تحت نصب الحرية
لم نتحرر الى الآن
من شتم الآخر......".
وعلى مستوى بنائية النصوص فإن هنالك نزوعا لاستثمار الهاجس الشعري الذي تشكل عبر بنى المجاز والاستعارة والتشبيه فضلا عن جعل اللغة النثرية متعالية عن نمطها وفاعليتها الاستهلاكية صوب تخليق فضاء ينزاح عن المألوف والمتوقع الى منطقة أكثر عمقا واقترابا من شعرية اللغة والواقع والمعنى باعتبار ان تلك النصوص تقع في منطقة قصيدة النثر التي تتطلب فضاء آخر يتعلق حرية اكبر ومجانية ، فالنصوص قد تمكنت من تحقيق خاصية الاختزال والتكثيف واعتماد المفارقة التي تختم بها النصوص مكرسة بنية الإدهاش والمغايرة.
لقد اسهمت نصوص ديوان "الحب واشياؤه الأخرى" للشاعرة حذام يوسف طاهر برفد المشهد الشعري النسوي العراقي بدفق جديد كرس امتلاك الشاعرة حريتها التعبيرية في تجاوز اكراهات وتابوهات كثيرة تحول دون التعرف على مكنونات الانثى كذات شاعرة.