ادب وفن

نصف قرن على استشهاد الثوري العظيم جيفارا نشأتُ مع أناس رائعين

(أليدا جيفارا مارش) هي ابنة تشي جيفارا من زوجته أليدا مارش. تعمل طبيبة أطفال في مستشفى وليام سولرللأطفال في العاصمة هافانا، وتعطي دروسا في المدرسة الأمريكية-اللاتينية للطب وفي مدرسة ابتدائية للأطفال المعاقين، وبوصفها عضوا في الحزب الشيوعي الكوبي فإنها غالبا ما تشارك في النقاشات السياسية في أنحاء العالم. عملت كطبيبة أطفال في أنغولا والإكوادور ونيكاراغوا وفنزويلا، وعملت بشكل وثيق مع مركز دراسات تشي جيفارا الذي تديره أمها. أجريت هذه المقابلة في السفارة الكوبية في بروكسل أواخر 2016.
سؤال:
بعد عيد ميلاد فيدل كاسترو التسعين عادت وسائل الإعلام الغربية الى المزاعم القديمة عن التناقض بينه وبين تشي على أساس انتقاد أبيك للاتحاد السوفييتي. أنت معتادة على هذه التحريفات وكذلك البعض منا في الغرب، ولكن هل علقت على هذه الادعاءات وهل ناقشتها مع فيدل؟
أليدا:
عندما التقى فيدل وأبي في مكسيكو انضم أبي الى الحملة الكوبية بشرط أنه إذا انتصرت الثورة وبقي هو على قيد الحياة يمكنه أن يذهب في طريقه. بعد انتصار الثورة أصبح أبي واحدا من أكثر الناس أهمية في تكوين المجتمع الاشتراكي الكوبي، ولكن انقضت السنين وأبي الذي هدّه مرض الربو أخذ يفكر أنه ربما لم يبق لديه من الوقت لتطبيق ونشر تجربته في حرب العصابات. بدأ يستكشف الإمكانيات في الأرجنتين ولكن الظروف لم تكن مهيأة نظرا للدعم القليل. ثم أطلعه كاسترو على طلب للمساعدة من قبل حركة تحرير الكونغو، فبعد قتل باتريس لومومبا كان الوضع هناك خطيرا مع محاولة الجيش البلجيكي استعادة السيطرة على البلاد، وهكذا اضطر الثوار الكونغو ليون الى طلب المساعدة من الثورة الكوبية، وكان والدي سعيدا بالذهاب الى هناك فتوجه الى الكونغو على رأس لواء من المتطوعين الكوبيين، وما أن اختفى والدي من المشهد العام حتى أخذ سياسيو العالم الرأسمالي ووسائل الإعلام ينشرون تخميناتهم مثل حصول خلاف بين فيدل وتشي وما الى ذلك.
هذا الموضوع طرقته أنا شخصيا مع فيدل. سألته: «أخبرني يا عم حول الخلاف الذي يبدو أنه حدث بينك وبين أبي» فضحك وأخبرني عن خلاف واحد حدث بينهما عندما كانا في السجن بالمكسيك، فقد أبلغ فيدل جميع الرفاق في السجن بأن لا يكشفوا شيئا من تنظيمهم للسلطات المكسيكية. قال لي: «وما تظنين أن أباك فعل؟ هو لم يخبرهم فقط بأنه شيوعي بل وبدأ يناقش شخصية ستالين مع أحد الحراس، فكانت النتيجة أنه الوحيد الذي أبقوه في السجن بتهمة شيوعي مؤيد للسوفييت في حين أطلقوا سراحنا جميعا» وماذا فعل فيدل؟ دافع عن أبي ورفض الخروج من السجن إلا معه. قال لي: «ماذا بمقدوري أن أفعل؟ عندما ذهبت لاصطحابه أدركت أن أباك لم يكن بمقدوره أن يكذب بخصوص هويته السياسية، حتى ولو كلفه ذلك حياته، ومهما كان المرء بارعا في النقاش لن يستطيع أن يقنعه بالعكس». هذا هو نوع الخلاف الذي كان يمكن أن يحدث بينهما، وفي الوقتنفسه، سارا في طريقهما المشترك على أحسن ما يرام، فهما يتشاطران المبادئ و المُثل نفسها.
دامت العملية الأفريقية ثمانية أشهر. الوثائق التي طبعناها عبر السنين تبين أن فيدل وأبي كانا يتبادلان النصح والمشورة خلال هذه الأشهر الصعبة وأن القوات تلقت كل دعم ممكن من هافانا. تشكل الحزب الشيوعي الكوبي رسميا في العام 1965. عندما حل الوقت لإعلان أسماء أعضاء اللجنة المركزية كان من الضروري أن يُقدم للشعب الكوبي تفسير لعدم وجود اسم أبي بين الأسماء وهو واحد من أهم أعمدة الثورة، فشعر فيدل بأنه ملزم بأن يقرأ رسالة أبي الوداعية. بعد أن غادر الكونغو بقي في براغ حيث أراد أن يخطط لمشروعه في أمريكا اللاتينية. لم يكن يريد العودة الى كوبا بعد توديعه للشعب الكوبي، وفي النهاية عاد سرا الى كوبا لأن فيدل أقنعه بأن كوبا يمكنها أن تقدم له أفضل الظروف لتحضيراته، وبقي عدة أشهر في مكان سري بكوبا حيث هيأ هو وآخرون أنفسهم للمشروع البوليفي، وكان فيدل مشتركا في هذه التحضيرات بجميع مراحلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* الثقافة الجديدة العدد 392- 393