ادب وفن

ليلى العثمان.. وحرفة الشقاء والسعادة / علي عطا

في كتابها "أنفض عني الغبار… سيرة حياة كاتبة" تعود الكاتبة ليلى العثمان إلى منابع الكتابة، بما فيها أسى الطفولة وسطوة الأب، والتسامح المبكر في الكويت مع الاختلاف، قبل أن يبرز تحدي التطرف في الكتابة حتى ولو كان ثمن ذلك السجن.
وتختتم العثمان كتابها بـعبارة "ولم تنته الحياة بعد". في الاستهلال؛ فقرة من رواية عبدالحميد بن هدوقة "غداً يوم آخر": "إن قصة حياتي أعز من حياتي. إنها عزيزة عليّ إلى درجة أنني أود أن أضعها في يد كل عابر".
بدأت ليلى العثمان النشر في الصحف منذ عام 1965 في القضايا الأدبية والاجتماعية، وصدرت مجموعتها القصصية الأولى بعنوان "امرأة في إناء" عام 1976. وصدرت روايتها الأولى "المرأة والقط" في عام 1985. تقدم نجمة إدريس للكتاب باعتباره؛ "إضافة مهمة إلى أدب السيرة الذاتية في منطقتنا، حيث ندرة هذا اللون من الكتابة، وإن وجدت فعلى استحياء وتردد؛ ولعلّ هذه البادرة تنفض الغبار عن القرائح المتمكنة وتؤسس لهذا الأدب الشائق".
العثمان رأت أنّ الأمر يظلّ في نطاق الكتابة التي هي "حرفة الشقاء والسعادة؛ سرير الحرير والشوك". وتضيف: "في كثير من الأحيان أحس أن الكتابة هي أمي وأبي اللذان لا بد أن أخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وهي أولادي والاستعمار الذي لا أناهضه ولا أقوم بثورة ضده، وهي الرجل الذي أحب، ومهما عذّبني أتوق إليه، وإن هجرَني بحثتُ عنه، وإن مللتُ منه طلّقته عناداً؛ ثم عدتُ إليه قبل أن تنتهي شهور العِدة".
إنها تقدم في هذا العمل أيضاً سيرة للكتابة انطلاقاً من سؤال وجّهته إلى نفسها: "ما الذي أوقعني في شراك الكتابة"؟
وهي تواصل هنا مسيرة بدأتها قبل خمسة عقود تقريباً. ويرتبط كتاب "انفض عني الغبار" بكتابين آخرين في السيرة أيضاً هما: "بلا قيود… دعوني أتكلم" و"المحاكمة… مقطع من سيرة الواقع".
وبالطبع ينبغي أن ننتظر البقيّة بعدما اختتمت كتابها الجديد قائلةً: "لم تنته الحياة بعد". وبعدما كتبت: "اليوم وأنا أتأمل نفسي، بعد كل هذا العمر، أفتخر بأن معاناتي كامرأة وأم، لم تكن أقل من معاناتي ككاتبة، لقد تساوى عندي حب الاثنين، فأخلصت لكليهما، ونجحت في تحقيق ما حلمت به "كم أتمنى لو ظلّ أبي حيّاً ليفخر بي".
في الفصل الأول وعنوانه "الصورة"، تتساءل ليلى العثمان: "لماذا بعد كل هذه السنوات أقرر أن أنفض غباري وأكتب؟ هل لأنني كبرتُ وأخشى أن يأتي الموتُ فجأة فأدفن في قبر مظلم يغطيه التراب"؟ وتضيف: "لقد خزّنتُ واقعي، وأشعر الآن أنني مثقلة بسنوات عمرٍ التهمت الكتابةُ نصفه". وفي فصل عنوانه "رواية المحاكمة"؛ تتطرق العثمان إلى أنه في عام 1996؛ "قام أربعةٌ مِن الذين ينتمون إلى الجماعات السلفية برفع دعوى ضدي في المحكمة يتهمونني فيه بنشر كتبٍ تدعو إلى الرذيلة، وتحث على الفسق والفجور. استمرت المحاكمة أربع سنوات وحين صدر الحكم بسجني مدة شهرين مع الشغل والنفاذ، كنتُ حينها في بيروت. قال لي صوتٌ من داخلي: أكتبي. لا شيء غير الكتابة منقذ وشاف". وهكذا ولد كتاب "المحاكمة مقطع من سيرة الواقع"، الذي منعته الرقابة في الكويت، كما منعت الذي صدر لي قبله أثناء المحاكمة: رواية "العصعص"، والمجموعة القصصية "يحدث كل ليلة". وهي أهدت ذلك الكتاب إلى الأربعة الذين رفعوا ضدها الدعوى؛ "لأن تلك الدعوى ساهمت في دفعي إلى الكتابة". الأسى على ما آل إليه الحال، يبرز في موضع آخر من تلك السيرة، إذ تقول العثمان: "كنتُ محظوظة يوم بدأتُ النشر في الصحافة عام 1965، فقد كان مجتمعي آنذاك منفتحاً يتنفس هواء الحرية. مجتمع آمن بالمرأة وحقها في التعليم والعمل والتعبير عن ذاتها ومشاعرها بصوت صريح وجريء. لقد كتبتُ في فضاءات رحبة متحررة من كل قيد، ونشرتُ كلّ ما كتبتُه في الصحف اليومية والمجلات، وكان جريئاً، فلم يعترض أحدٌ حينها، ولم يكن للرقابة أي سلطة".