ادب وفن

منى السبع في تغريدات سنونوة / ناهض الخياط

حين تصدر النصوص ببناها المختلفة عن روح لائبة بأفكارها الحرة، ومشاعرها المرهفة إزاء الحياة
 !
بعد مجموعتيها الشعريتين :"الأمل الجريح لسنة 2002 "، و"عراء الوسائد لسنة 2012". أصدرت الشاعرة منى السبع مجموعتها الشعرية الثالثة "تغريدات سنونوة" لسنة 2015.
تضم المجموعة تسعة وعشرين نصا بين قصيدة النثر، بما فيها الومضة، وقصيدتها الوحيدة الخاتمة "وأقول صبرا" بسبعة عشر بيتا، وبرغم أخطائها البسيطة في وزنها ولغتها، قد تكون من خروق الطباعة، أو غفلة طارئة، إلا أنها تؤشر بقوة إلى تمكنها من الشعر العمود. كما تفضي بنا إلى أن قصائدها تصدر عن موهبة مقتدرة.
ففي مستهل قصيدتها "وأقول صبرا" تقول:
أدري بكأس لا يطاق وأشرب
وعلى لظاك تجلدا أتقلب
وتدور بي دور الرحى وتبيحني لهناك أو لهنا أذل وأنهب
وأقول صبرا ربما لكنه
ما أن يزول الصعب يأتي الأصعب ُ
ولكن مع انسيابيتها يصدنا البيت الرابع باختلال وزنه هكذا :
أعدالة يا صاحبي أنوء تحت
قطاف حقلي الهيلمان وأسغبُ
لقد انحرف الوزن في قولها "أنوء تحت". وثمة هنّات أخرى في نسيجها.
تصدر قصائدها هنا عن روح لائبة بأفكارها الجريئة الملتزمة بكل ما تراه معاديا ومشوها للحياة، مؤكدة بها على ما للمرأة من دور مائز في حلبات الصراع. ويتضح ذلك جليا في قصائدها السبعة : مطاولة \ ما زلنا نحلم \ الليلة المليون بعد الألف \ بوابة الحياة \ حياة \ قصيدة \ فوضى الجمال.
ففي قصيدتها الأولى ( مطاولة) تقول :
انتظرني أيها التراب
لنرى
إينا الأبهى
أنا المشرئبة بأشرعتي
برغم انكساراتها
أم أنت ؟
وفي قصائدها الستة الأخرى تحلّق الشاعرة بخيالها ورؤيتها في عالم الأنوثة الرحب بآفاقه ونجومه من النسوة اللائي كتب التاريخ أسماءهن في صحفه رموزا للحكمة والذكاء، ومآثر النضال والانتماء، تخاطب الشاعرة بهن نفسها، فتقول :
أقمار في طريق الوصول
فليرتدِ رأسك جناحيه
وتتهرأ ضفائرك بمشابك الريح \ قصيدتها "أبواب الحياة".
فهل يصح القول لنا أن مناجاتها هنا، تتردد بين حروف عنوانها "تغريدات سنونوة" الذي يمنح بدلالته حدسا لقارئه بما تتضمنه نصوص مجموعتها، فالتغريد لا يبتعد عن الشعر بتأثير موسيقاه وإيقاعات بنيته، وهو الطافح ببوحه وشجنه الصادق في حبها لوطنها، والدفاع عنه، والحنين إليه، فالسنونو هو الطائر الصغير الجميل الذي لا ينسى عشه الذي بناه، ويظل ملتصقا به مهما طال غيابه عنه. وهل يمكننا، أيضا، أن نجعل من قصيدتها "أبواب الحياة" عنوانا لمجموعتها، لكونها تنفتح على رؤى وأفكار ومشاعر ملونة بعالم طفولتها، و ما رأته الشاعرة من البهجة في حياتها هنا وهناك، سيما مشاهد الطبيعة ومناظرها الساحرة، وما يقابل هذا الجمال من قبح وشر وجهل وغباء في خضم صراعها المتواصل مع مظاهر البؤس والتخلف، وبواعث الأسى والألم في ما تسمع عنه، وما تراه، وهي تشد من عزمها بأفكارها، ونقاء روحها، وبذكرياتها الجميلة عن أمسها البعيد:
يعود إصرار تلك الصغيرة
وهي تركض خلف فراشات حديقة الذاكرة
وهي الآن في تأملات موهبتها، وما يجنده لها الشعر من قواه!