ادب وفن

"خبزة فقره" والنهج الدلالي الثوري الانساني / سفاح عبد الكريم

تلويحة لابد منها أولاً
لا غبار على وجهك المبتسم بصباحات الطيبة والثورة والجمال وكأني أراك في ربيع العمر تحت ابجديات اخترتها لنا جميعاً نحن أحبة الشعر والولاء وحينما تمنحنا اشتهائك "خبزة فقره" كنت حسناُ في اختيارك وأنت تزهو في ذاكرة الناس والوطن شاعراً غارقاً في حبك لهم وكأنك جندياً في سوح قتالهم وسواترها، إن الغناء عندك له شداءه وطيبته فهو أنت في يقظة الشعر والحياة والانسانية، لم تفتعل الاشياء فانت وسيط ماهر استطاع ان يلقي بالوان اشعته البنفسجية لا تقبل التوقيع مرتين فالشعر وابداعه هاجس استمديت من واقعهما دروساً اضافت المصداقية للشعراء المبدعين فانت محدث في اللغة الاولى قرأت تفاصيلها وطاوعتها لمصالحتك التي انتهجتها وأوفيت لها منسجماً مع جيل آل على نفسه ان يكون مؤثراً في المشهد الثقافي العراقي. وأنت في قصائد المجموعة الشعرية "خبز فقره" بهيكلية قصائدها المتنوعة اعطيت درساً ومعنى ومنحت طلاسمك لكل من اراد من التضحية والمحبة سبيلاً فاغرائك للمتلقي جاء من عدم التوسل وانما من اكتمال المقدرة في الانماء والاسترخاء والفداء من اجل قضية آمنت بها اولاً.
"تعال او شوفني تلگاني هايم بيك
بسمّلي ابرضابك يلّمُاك اشفاي...
تعال واخذ من صبري طلاسم سوگ
والبسهه إعله صبرك واصدگ إشويه
مفتاح الفرح ضاع ابزمن منحوس،..
وكثير هي الصيحات التي نتلمسها فقد سعى الشاعر "طه التميمي" في مشروعه أن يكون واحد من السائرين في طرق الشعر لمحبته واصالته وان تطشرت مسبحته فانه يستطيع من جمعها في خيط لا تستهلكها الحركة لخرزها فهو وإن وصل عده الى الشواهيل استطاع بحسابه وعده ان يجمع الشتات دون ملل او كلل وانما تعنيه المشاهد، ووضع لها الحلول المناسبة بعد عرضها وهذه من مهمات وقصديات شعر الكلام في الكلمة والمعرفة.
أطير إويه الهواجس فوگ ريح إبساط
وأحسب خرز سبحه العمر عد إمحاط
ها بعدك ترف تسحرني لو صديت..،
واتچتف دليلي اچتاف لمّ إگماط
يلبيك الگي روحي اشعطلك.. شلهاك!؟
وجروحي ابصدودك ما رهمها إخياط..
ان المشاهدات والقراءات لهذه المجموعة تنبئك عن شاعر له أرث من تجربة شعرية كان امتدادها من الوهج السبعيني عبوراً الى زمن كان التواجد ضروري لايصال ذلك النمط الشعري والدلالي الذي عرف به. جمعتني الصدفة في ندوة شعرية اعدت لي في محافظة بابل في التسعينيات من قبل الصديق الشاعر طارق حسين وبضيافة جمعية الشعراء الشعبيين حينها تجددت به اواصر المحبة والزمالة والألفة حيث قرأته قبل هذا في صحيفة الراصد والمجتمع والوركاء. والشاعر طه التميمي له وجد واحد- يصافح الاشياء ببراءته وينتفض حينما يجد ان الاكف لا تمتد للصداقة والحميمية والشمل ونبذ للطائفية. كانت إطلاقة الرحمة بشعره صوب الفرقة والعزلة- ومن سفره وغربته لا يجد عزلته كما كان ناطقاً باسم الانسان التي عادت الى وطنها بلهفتها المعهودة الى ذلك الأرث والحنين الى الوطن.
قابلتني او گالت احزر منهي آنه..!؟
فاجئتني ابصوتها الچن مو غريب..
او من صفنتي بادرت تحچي ابأمانه
امنين أعرفك!؟.. ليك إجيت او جايبه اوياي قصائد.. تحچي عن قصة هوانه
اشلون تنساني عسنك ما نسيت.
ان قتراب الشاعر للمكنونات تحكي بلغة متحضرة تنهل من المنطق اشياءها تظهر المعنى من النطق ولا تبتعد عن الموروث في اغلب الاحيان من التكلم الدلالي المنطقي دون الذهاب الى عالم الخيال المرعب الذي فتح طرقاً لا يتحمل ازاءها البعض من المتلقين الذين تعود الى لغة المباشرة في الكلام حتى دون الارتماس في المثل او الحكاية الشعبية- وان تنوع في بحور الكتابة الشعرية الا انه يبدو امتعاضاً مع اللغة المحكاة (اللهجة) دون الارتماس في متشنجات حجرية لا يمكن ان تحلو للبعض فهو أي الشاعر صاحب تجربته أوصلته الى التخلص من التكلسات وتعتمد الوضوح مع الاحتفاظ بنكهة الشعر الاصيل. وبشمعة فرحه التي لا تنطفي في ذاكرة مريديه.
ليل او شمعه، اوصفنة شاعر.. چان ايساهر حس ابدمعه..
نزلت من جفن الاحساس
او راد ايقارن بين ادموعه ادمع الشمعه.. او شنهو اليذبح حزن الناس
فهو الداعية الذي لا تصافح ايديه أكف السراق والمنافقين الغارقين بدماء الشعوب. ان الارضية التي يقف عليها الشاعر صلبة لا ينقصها سوى البستاني الذي يروي بذور معرفته لتكن ازهاراً وشموعاً "تناصر الضعفاء وترفض الايادي التي تسرق قوت الشعب واحياناً يصفق لها المنتفع منها.
ما جامل منافق والنفاق اشكال،
او من احچي الحقيقه گالوا تنافق
ولكم يا نفاق او سوّد الله اوجوه..
چف أبيض تعوفه او تنتخب سارق
اگول الناس تچذب لو أنا الچذاب
او ياهو امتحن نفسه ومنها مو واثق!؟
انها صيحات ازدهرت بها هذه المجموعة الشعرية وتميز بخصوصيتها وباغلب مضامينها -هي هموم عراقيه- ومعاناة يراد منها فك الابواب لاجيال تعرّق جبينها خجلاً من وقع الزمن المنحرف. فانا أتفق مع المعنى وضوحاً في خبز فقره ومتلذذاً لبعض الانهاليات الشعرية التي تفصح عن وجه الشاعر.
حط ماي او ملح لو شفت حيّة بيت..
وأمن ما تضرك هاي بالفطره
او گالوا عن حرامي م ايخون الزاد، من ياكل ابيتك يحفظ العشره."
الشاعر ينهل من فكره المتبنى معان كثيره وقف أفني عمره لاجلها- من أيار.. الى كل الثورات كان متفاعلاً يستنهض الهمم ويبدو رغبته مسروراً في خلق صور واقعية دعت ذائقة المتلقي الى احتضانها- ومن حزنه الشفيف بنى لمملكته اشكالاً كان الشعر فيها رائداً يشحذ تراكيبه وصوره من شاعر متمكن في صنعته مع الوقوف احياناً عن محطات سردية تكمل مشواره في الفصح عن مكنوناته واسراره التي لا يرغب دفنها دون وجود الحل لها من قبل فاعل الصنعه والمتلقي معاً فالديمقراطية اسلوب محبب في الحوار. وباجتماع قصائده الواحد والثلاثون كان فارساً يسلك الطرق الواعدة في الاتجاه الصحيح دون صراخ وضجيج مع رفضه لكل الكراسي التي لا تبني مجداً غير الاخلاص لحراسها المعدمون الذين ضاقت بهم الارض واستمدوا حياتهم من تجارب نضالية بشتى صنوفها.
والشاعر طه التميمي معطاء لهذه الشريحة وغيور في حب وطنه وان هدوءه في الاماكن التي يستقرها لا يعني ارتضاءات للكثير من النشازات التي يزخر بها وطننا المضاع الملقى على قارعة الطريق يأن من جراحاته ليحفز فيه وبنا الرغبة للحضور والنطق بالصور الجمالية والمعطيات والاهميات التي تربينا عليها وأينعت فيه وبنا الشعر والثقافات التي تصب في مصلحته وبالشيطان الذي احتمى به أبا احمد التميمي وهو الشعر الذي تأبطه اينما حل ورحل الذي قال فيه:
شيطان هذا الشعر فهرس اسنيني أبرحه
او چف الزمن دارني قصتي اصبحت واضحه
من ضيمي يا سامعي او جرحي او منو جارحه
سبعين من العمر او سبعه ابنشد طافحه
تحية لهذا الرجل الكبير سناً وعطاء ومن محبيك ومجايليك الدعوة في طيلة العمر ومزيداً من الشعر والمحبة والعطاء والابداع.