ادب وفن

قراءة في القصيدة "الدجيلية" في ذكرى ميلاد الحزب الشيوعي* (2) / عبد العزيز لازم

إن الحركة الثورية التي تسعى إلى التغيير الجذري في واقع ا لحياة تشكّل إلهاما خلاقاً للإبداع الأدبي بمختلف أجناسه . فعندما انطلق التنظيم الأول للحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار من عام 1934 بمبادرة من الثوريين العراقيين بقيادة يوسف سلمان يوسف " فهد " انبثقت حركة عالية الحيوية من اجل التغيير الديمقراطي في المجتمع . بفضل ذلك تكوّن مركز ثقل سياسي واجتماعي يلف حوله صفوة الخلق الإبداعي لجمهور الشعراء والأدباء. فكان لابد للحزب الجديد أن يطلق رنينه الخاص وأساليب سرده المميزة ليتوافق مع أهدافه الكبرى المستمدة من أهداف الشعب بأغلبيته المظلومة، إنها الأسطورة تتكون من جديد . وكان الشعراء في المقدمة في استقبال الحدث .
القصيدة "الدجيلية " من مخلوقات زهير الدجيلي التي أخذت غذاءها من معاني الذكرى المتجددة . ونقول متجددة لأن القصيدة استعرضت كل السِفر الكفاحي للحزب معتمدة على ثوابت سلوكية ومضمونية عرف بها الشيوعيون ، لذلك استهل الشاعر قصيدته بعامل الزمن وثقله الممكن على ضمائر المريدين : " مهما يطول العمر وايصير الصبر محنه علينا / والزمن أردى زمن .." المنحى الذي تقمصته القصيدة يقوم على توضيح حجم الرداءة التي اتسمت بها الظروف التي وضع فيها الشيوعيون بسبب حجم أهدافهم ونوعيتها التي أرعبت الطغاة ذوي النوايا والأهداف الأنانية التي تخدم مصالح تتقاطع مع مصالح الشعب : "ومهما يصير الحكم بيدين النذل ما ينحمل ../ علّة ومرض بالبدن ../ ومهما حصل من عاصفات الدهر / في هذا الوطن .. ومهما يكن ." بعد ان تعدد القصيدة مظاهر الظلم و الاضطهاد التي رافقت نشاط الحزب توصلنا إلى نتيجة معاكسه لما يخطط له الطغاة قوامها : يبقى الشيوعي الأمل الموعود بعيون الشعب ../ مرسوم ، يتلالى بجبين الوطن .."
يقدم الدجيلي قصيدته الطويلة بثلاث أقسام اسماها الموال الأول والموال الثاني والموال الثالث وقسم رابع اسماه الوصية , وكأن زهيرا أراد تقسيمها على وزن الأربعة والثلاثين التي دأب الشيوعيون على ذكرها حين يتحدثون عن تاريخ ميلاد حزبهم ، فيقولون باعتزاز "عام أربعة وثلاثين " بل ان بعضهم يضع الرقم ضمن عنوانه الاليكتروني . فالمواوييل الثلاثة الأولى تناظر العقود الثلاثة ، اي الثلاثين من عمر القرن الماضي بينما تناظر "الوصية" السنين الأربعة المضافة إليها وهي قصيرة نسبيا . إن الشعر الشعبي الذي اكتسب جنسيته من اللغة الشعبية لا تتكون بنيته إلا بالغناء المباشر ، فهو هنا أشبه بالمغني الذي يحمل على أكتافه جميع الآلات الموسيقية ويدون على لسانه جميع الألحان التي يختار منها ما يشاء بالانسجام مع موضوعه الملقى على اسماع الناس . فعلى امتداد الموّالين الأول والثاني يهيمن الإيقاع الخارجي "النوني " . نقرأ في الموال الأول: "وشمسه منيرة في سماء الأدب والفن .. / ويبقى الرفيق الوفي للأحباب والأصحاب / ولكلمن يحب الوطن " يؤكد هذا الموّال على حقيقيتين رئيسيتين أولهما ضراوة المقاومة التي يبديها الحزب وأنصاره وثانيهما ارتباط الحزب بالوطن والناس. اما الموّال الثاني فيؤكد على الإصرار على البقاء والديمومة التي يمارسها الحزب انطلاقا من إخلاصه لقضية الشعب : " إيكذبون .. إحنه ننزرع بين الشجر والنخل / في كل جرف..في كل شارع وكل منزل ..إبكل المدن ../ إحنه الحقيقة الباقية مهما الكذب غيّر الواقع / والخديعة اتحكمت بالناس ."
بينما يمسك الجزء الثالث الذي اتخذ بنية " الهوسات الدجيلية " موضوعة الخديعة التي تحكمت بالناس فيوضح طبيعة المرحلة الجديدة من الصراع الراهن ، حين يظهر الطاغية الجديد : ( لا تفرح يبو محبس ، يبو كذيلة / ما ينتهي الحب اللي نغني له ...) ثم ينهي قول الارجوزة " الهوسة " بالأردودة ( ها ، اسمع يالعايب ..ها اسمع يالعايب / انت تدنج وإحنه انشيل الراس .. اسمع يالعايب ..) . وتمضي الهوسات الدجيلية ببناء الأقوال ثم الأردودات على ذات النسق بالتأكيد على ذات الطاغية الجديد بالارتباط مع صفحة جديدة من صفحات الوضع الكفاحي : (ها إسمع يالعايب .. ها إسمع يالعايب !/ انته الليل المظلم ، وإحنا الفجر الجاي عليك ../ إسمع يالعايب ..)
يتصاعد الخطاب الدجيلي ليختم غناءه بالقسم الرابع " الوصية " . في هذا القسم الختامي يحرص الشاعر على تقديم سرد الوقائع الكفاحية التي اجترحها المناضلون في كل مناطق الوطن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في العدد 154 السنة 78 الخميس 28/ آذار 2013