ادب وفن

شولوخوف يتحدث عن شولوخوف / د. فالح الحمراني

ميخائيل ميخائيلوفيتش الابن الأصغر للأديب ميخائيل شوخولوف (1905 ـ 1984) الحائز على جائزة نوبل عن روايته "الدون الهادئ"، عالم وفيلسوف وإستاذ جامعة وناشط اجتماعي ترأس صندوق شولوخوف المهتم بميراث الكاتب المشهور ومستشارا لمتحفه، وهو مؤلف للعديد من الأعمال ونال العديد من الاوسمة، وعاش لآخر ايامه قدر ابيه وتفاعل مع قضايا العصر والمجتمع الذي عايشه.
توفي شولوخوف الابن في 21 اكتوبر 2013 . نشرت "الصحيفة الادبية" "ليتيراتورنايا غازيتا" الصادرة بموسكو، في عددها الأخير آخر حديث صحفي ادلى به قبيل وفاته، وكرسه لأبيه انسانا واديبا والذي عاش في زمن صعب وانتج اعمالا خالدة، جعلت منه شخصية عصر كامل تدور حولها الكثير من الاساطير والاختلاقات، وربما الحقائق. اضافة الى ان المادة هامة من جهة التعرف على عالم الاديب ومختبره الحياتي والابداعي للمساعدة على فهم اعماله والعثور على تأويل مناسب لها.المادة هذه قائمة على ردود شوخولوف الابن على أسئلة الصحيفة:
ـ الناس يريدون ان يسمعوا عن شولوخوف أشياء غير عادية، بيد انه كان انسانا عاديا لم يتميز عن الاخرين بشئ، باستثناء حينما كان يجلس خلف طاولة الكتابة.
وعى ميخائيل شولوخوف ان اباه اديب، وهو يسمع من الاخرين المحيطين عنه. ولم ير ان شوخولوف يكتب مذكرات شخصية للتاريخ، ولمستقبل مؤلفاته. فلقد كانت لديه ذاكرة قوية ليس فقط للأحداث الكبرى، ولكن للأحداث الصغيرة، ومظهر الناس، وتغيرات الطبيعة.
وكان شولوخوف الأب يذهب إلى طاولة العمل بدون سابق انذار ملمحا بذلك للمحيطين به بانه، بحاجة للهدوء وان يلتزموا السكينة وعدم ازعاجه لفترة زمنية محددة.
ولم يشرع مؤلف الدون الهادئ كتابة أعماله بوضع خطة مسبقة لها. ولم نلاحظ من اية نقطة يبدأ العمل، اوبالاحرى ان خطة العمل تترتب في رأسه ومن ثم يجلس أمام الطاولة ويسكب كل شئ على الورقة. ولم يذهب شولوخوف بنفسه الى الارشيف الحكومي لإستقاء المعلومات الخاصة باعماله، واذا ما احتاج الى وثائق خاصة، فانه يطلب من الجهات المعنية ان ترسل له الوثائق المطلوبة.
وقد أتاحت له علاقاته بالمحرر الادبي لصحيفة البرافدا الناطقة باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، بالحصول على المواد والكتب المطلوبة لإعماله الادبية. بينما بقى الارشيف الذي كان بحاجة ماسة له لروايته " المدافعون عن الوطن" مُغلقا امامه، وكان من الصعب عليه الكتابة عن الحقائق وعن العمليات العسكرية من دون معرفة كافة التفاصيل، وعانى كثيرا بسبب ذلك.
شوخولوف الأب لم يحب أوساط أدباء موسكو، وتحدث عنهم كوصوليين ومدبري دسائس. وهم كذلك بالفعل. وتجري بينهم عملية غريبة حيث يتجمع فريق من الادباء ويتبنى فكرة ما، ومن اجل تلك الفكرة يتشاحنون ويتعاركون ويرمي احدهم الاخر بالسجن، ولحد التصفية الجسدية. لقد سئم شولوخوف من وسط ادباء موسكو.
استلهم شولوخوف معارفه بالتاريخ والتقاليد والعلاقات اليومية واللغة التصورية والامثال واغاني القوقاز من خلال التعاطي مع محيطه الواسع، وعرف الكثير من القوقاز انفسهم الذين كانوا يتحدثون عن مصاعبهم بروح من الدعابة، وعرف بصورة جيدة الاغاني القوقازية وكانت لديه كثير من موسوعات الامثال والحكم، ولكنه لم يحب الاقتباس من الاخرين.ونادرا ما كان يقتبس عبارات من اعماله اثناء حديثه.
كان يراقب العملية الادبية في البلاد، ويقرأ بسرعة كبيرة، ولكن حينما كان يقرأ كل ما يقع بيده فانه يقرا بامعان ومع ذلك بسرعة، وقرأ معاصريه من الادباء مثل تفاردوفسكي وسيمينوف وابراموف وبيلوف واستافيف وراسبوتين. لقد قرأ لكل هذا الرعيل بمتعة كبيرة واعاد قراءتهم وامتدحهم. ومن ثم اطلقوا عليهم " القرويين"، (لانهم تناولوا مشاكل القرية السوفياتية والفلاحين).
لم يهتم شولوخوف بجمع أرشيفه والحفاظ عليه، وحرقَ الكثير من اوراقه واعتنى فقط بجزء من الارشيف. ويصعب القول بان لديه بعد الحرب العالمية الثانية كان ارشيفا بالمعنى الدقيق للكلمة كانت لديه في الصناديق حزم بعشر او اثنتي عشرة صفحة، على الاغلب مخطوطات، ولكن لايمكن القول ان لديه ارشيف وانه جمعه ورتبه.
وتتذكر أرملته بأنه كان يخجل من كل ذلك، وحينما شرع بجمع مخطوطاته كان يقول لها " ماذا تفعلين فسيعرف بعد ذلك احد الاصدقاء ويقول انظر الى شوخولوف انه يثمن نفسه بنفسه يجمع ارشيفا"وحينا راحو يتهمونه بمختلف الكبائر (في إشارة الى تهمة انتحاله رواية الدون الهادئ) فانه وافق مع ارملته، وبدا يكتب كل شئ بيده ومن ثم تقوم هي بطبعه والاحتفاظ به، ولم يعترض في هذه الحالة. ومن المؤسف ان يكون كل هذا قد ضاع إبان الحرب العالمية الثانية. انه ايضا لغز!.
ان القول بان الكسندر سولجينيتسين ( الذي تبنى مزاعم انتحال رواية الدون الهادئ) نغص حياة شولوخوف عار من الصحة، وانه اعطى رايا حسنا بقصصه " يوم من حياة ايفان دينيسوفتس" و" فناء ماتريونا". وحبنما ظهر الكلام الفارغ في باريس ( مجموعة من المقالات التي تشكك بان يكون شولوخوف هو مؤلف رواية الدون الهادئ) وكتب سولجينيتسين مقدمة له، عرف شولوخوف بصدور مثل هذا الكتاب، واكتفى بالقول للشخص الذي عرض عليه مضمون المقدمة التي كتبها سولجينيتسن :" ما يبغي غريب الاطوار، هذا".
ان مقولة شولوخوف الشهيرة:" ان قدر الاديب مأساوي" تنطبق تماما عليه. والكلام لا يدور عن حياته المعيشية، وانما حول مصيره الادبي. والحملة التي تعرض لها مازالت سارية لحد يومنا هذا. ولسبب ما كانوا مستعدين وبكل سرور " للقضاء عليه" ان وسط ادباء موسكو لم يشعر نحوه بالحب، وكان يكن له نفس المشاعر.
لقد جرى تفسير الكثير من المحن التي تعرض لها شولوخوف بالحسد، ولكن كما قال هو ان " كلمة حسد لا تفسر شيئا. لهذا فان مقوله " قدر الاديب المأساوي" توافق شولوخوف.