ادب وفن

في «زهرة بابنج للعصفورة» الانسنة والقيم الجديدة / محسن ناصر الكناني

سبع وثلاثون قصة قصيرة جدا للأطفال، ضمتها المجموعة القصصية الموسومة «زهرة بابنج للعصفورة» للقاص العراقي طلال حسن، صدرت المجموعة عن «اتحاد الكتاب العرب» بـ 95 صفحة من القطع الصغير.
والقاص طلال حسن غني عن التعريف فهو قاص مجتهد منذ السبعينيات يواصل الكتابة للأطفال: قصصا ومسرحيات، وأغنى المكتبة العراقية والعربية بالعديد من المجموعات القصصية وفازت قصصه ومسرحياته في المسابقات المحلية والعربية.
في مجموعة (زهرة بابنج للعصفورة) قصص قصيرة جدا، لا تتجاوز كلماتها المائة كلمة وهو نمط صعب بلا شك اذ يعتمد على حدث واحد في الغالب ويحرص على ان يكون بسيطا يقود الى دلالة محددة، وتستبعد كل وصف لا يقدم شيئا لطريقة عرض الحدث ولا يضيف جديدا الى الدلالة المبتغاة من القصة حسب قول الناقد سمر روحي الفيصل.
وهذا النمط يحتاج إلى قاص متمكن من فنه يلجأ الى التكثيف والتركيز والترميز وهو نمط يبدو سهلا في الظاهر لكنه عسير وصعب في الكتابة لكون السهولة البادية للعيان من النوع السهل الممتنع.
التجربة أمام كاتب متمرس مثل طلال حسن تبدو ناجحة فقد قدم سبعا وثلاثين قصة قصيرة جدا (بأسلوب شائق يعتمد على المفارقة ورصد الثنائيات الموجودة ما بين الحيوانات بعامة)(1).
في عالم الطبيعة حيث فتح للأطفال أفقا ساحرا مأنوسا شفافا في حاضنة الطبيعة أم الإنسان الأول وبداية تاريخه حيث تتعايش الطيور والحيوانات. نجح القاص في إبداع عالم قائم على الانسنة والألفة بين اسرة الغابة وبث فيها قيما خيرة وافكاراً نبيلة تعزز من ثقة الطفل بوطنه وتراثه وعلومه عبر اسلوب تعبيري وادوات جمالية راقية ابعدتها عن التلقين والمباشرة وقربتها نحو الموحي والشاعري والخيالي مراعيا عمر الطفل ومداركه ومجساته وخياله وقاموسه اللغوي المناسب.
ويمكن الاقتراب من نص (زهرة بابنج للعصفورة) وعرضه امام القارئ لاستكمال لذة القراءة واستكشاف المخبوء والمدهش في النص.
(حل عيد الأم في الغابة وانهالت الهدايا أزهارا من كل نوع على الامهات). أهدى الخشف امه الغزالة زهرة نرجس وأهدى الحمل امه النعجة زهرة قرنفل وأهدى الشبل امه اللبوءة شقيقة حمراء.
اما الواقواق الصغير فقد قطف زهرة بابنج وقدمها هدية للعصفورة، فقالت العصفورة ايها الواقواق اهد هذه الزهرة لامك انا العصفورة.
ورد الواقواق الصغير قائلا: أنت أمي فقد حضنتيني بيضة ورعيتني صغيرا حتى كبرت هذه الزهرة هدية مني لك بمناسبة عيد الام، ارجوك خذيها).
ووسط تصفيق الجميع اخذت العصفورة زهرة البابنج وقالت بفرح اشكرك يا بني.
من قراءة النص القصير ذي الـ 85 كلمة «و17 فعلا: حل، انهال، قطف، قدم، رد، حضن، رعي، كبر، اشكرك» ينجح القاص في صنع مشهد عام هو الاحتفال بعيد الام في الغابة! وقد عمل الكاتب على خلق انسنة بان دعانا الى احتفالية، الطيور والحيوانات تقدم هدايا الى امهاتها في عيد الام في الغابة!
الطيور والحيوانات تقدم هدايا كما يفعل الإنسان مملكة الغابة تتحاور وتفرح وتقيم احتفالا كما يفعل الإنسان ويؤسسون لقيمة جديدة ان يهدوا الام هدايا ترتفع ومستوى الام في حياتهم، الكل يقدمون زهورا وما اجمل ما يقدمون والأم تستاهل كل الهدايا فالجنة تحت أقدامها والغابة طوع أمرها والأبناء يحيطونها فرحين في عيدها.
وحين يقدم الواقواق.. الطير الذي احتضنته العصفورة ورعته صغيرا حتى كبر هدية الى العصفورة شكرته واعتبرته ابنا لها تدلل على الفعل الكبير للتربية وشعوره بالامتنان لامومة العصفورة بالرغم من ان امه الوقواقة قد تركته في عش العصفورة ورحلت بعيدا. ان القيمة التي غرسها الكاتب في النص قد بثها بشكل غير مباشر بثها بلغة مأنوسة شاعرية معتمدا على الانسنة كعنصر إدهاش ومتعة وبالتالي يترك شحنة انفعالية لدى الطفل باكتساب قيمة جديدة يتأثر بها وينفعل معها ثم تفعل فعلها في توجيهه في الحياة نحو الأحسن والأرقى.
وقد كانت جل نصوص الكاتب تركز على بث قيم الخير ومحاربة الشر في عالم انسنة قريب من الطفل ممتع وجذاب ولغة فنية واساليب تعبيرية جديدة.