مدارات

كولومبيا.. الشرطة تهاجم مقر الشيوعي وقوى يسارية أخرى / عادل محمد

قامت الشرطة الكولومبية في ليلة الاثنين الفائت (وفق التوقيت المحلي) باقتحام مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكولومبي في العاصمة بوغوتا. وجاء في تصريح للحزب، ان الشرطة اعتقلت حارس المقر عمر خافيير بوستوس بحجة حيازة أسلحة غير مشروعة، ونقلته الى احد مراكزها. وكانت الشرطة قد أهانته وعاملته بقسوة متناهية، وبعد الإفراج عنه من قبل المحكمة المختصة قام ضباط الشرطة بضربه والاعتداء عليه. ومن جانبه طالب الحزب الشيوعي بالتحقيق بملابسات الحادث.
ولم يكن اقتحام مقر الشيوعي حالة منفردة، بل يأتي في سياق حملة قمع ضد قوى المعارضة اليسارية العلنية. وقد تزامن حادث اعتقال الناشط الشيوعي، مع عقد تحالف "المسيرة الوطنية"، الذي يساهم الحزب الشيوعي في قيادته، مؤتمرا صحفيا لفضح الملاحقات السياسية. وكانت الحصيلة التي قدمها المتحدث باسم التحالف، وتابعها الصحفيون مخيفة: منذ تأسيس التحالف في 12 نيسان 2012 تم اغتيال 28 من أعضائه، أكثرهم خلال السنة الفائتة، وفي الرابع من الشهر الحالي، تم تعذيب جيوفاني لايتون ودوريس فاييخو، وقتلهما في منزلهما في محافظة شوكو الشمالية.
ومازال ثلاثة أعضاء من قيادة تحالف "المسيرة الوطنية" في المعتقلات الحكومية وهم كل من النقابي هوبر بالستروس، وبلمار مادرو نيرا، والبروفسور الجامعي فرانسسكو تولوسا، بتهمة ممارسة "التمرد"، أو "التمرد الخطر". وهي الحجة القانونية، لاتهام النشطاء اليساريين، بالارتباط مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، والتي ما تزال محظورة.
ويأخذ الاضطهاد السياسي أشكالا أخرى، اتهامات وادعاءات بلا أدلة ضد التحالف اليساري عبر وسائل الإعلام، وممارسة التهديد الدائم ضده، فضلا عن إقالة البرلمانيين المنتخبين كما في حالة السناتور السابق بيداد كوردوبا، التي تحدثت في المؤتمر الصحفي. ونظرا لعدم وجود فرص حقيقية لممارسة النشاط السياسي في العلن، هناك مؤشرات لحل التحالف، بهدف ضمان سلامة أعضائه وناشطيه. ونقلت وسائل الإعلام أنباء عن لقاء، جرى في الأيام الفائتة، بين الرئيس الكولومبي مانوئيل سانتوسن وممثلين عن قوى اليسار، للحديث بشأن مفاوضات السلام. وستعقد في ?لأيام المقبلة لقاءات مماثلة لمناقشة ما يتعرض له تحالف "المسيرة الوطنية".
وقرئ في المؤتمر الصحفي تصريح للقادة المعتقلين، شددوا فيه على أهمية التحالف في الفترة التي ستعقب إنهاء النزاع المسلح. واعتقل تولوسا في الرابع من الشهر الحالي، وحسب جريدة "الهيرالدو"، فان التهمة الموجهة إليه هي عضوية القوات المسلحة الثورية (فارك)، وكونه المتحدث باسم جناحها العسكري. وجاء في نداء للتضامن مع المعتقلين نشر على مواقع الانترنيت: "ومرة أخرى تبرهن الحكومة على طبيعة سعيها الحقيقي من اجل السلام، عبر المهاجمة والملاحقة الشديدة للحركات الاجتماعية في كولومبيا"، في إشارة الى مفاوضات السلام الجارية في العا?مة الكوبية هافانا بين وفد حكومي، وآخر يمثل (فارك).
وفي الخامس والعشرين من آب الفائت، اعتقل هوبر بالستروس، وهو نائب رئيس نقابة الزراعيين وقد اتهمته النيابة العامة بتمويل الإرهاب، وزعمت النيابة العامة ان معلومات مخزونة على حاسبات اثنين من قادة (فارك)، الذين قتلا مؤخرا. أما قيادة النقابات، وتحالف اليسار، فترجع اعتقاله لدوره المتميز في إضراب للعمال الزراعيين استمر ثلاثة أسابيع، والذي بدأ قبل أيام من عملية الاعتقال، وقال كارلوس لوسانو من تحالف "المسيرة الوطنية، بعد يوم من اعتقال رفيقه: "نحن نعتقد أن اعتقال بالستروسن، جاء انتقاما منه، لكونه احد أهم قادة الإضراب"?
وفي الوقت الذي تتفاوض فيه الحكومة مع ممثلي (فارك) في هافانا بشأن شكل ومحتوى المشاركة السياسية، وحق المعارضة في ممارسة النشاط العلني، تستمر الحرب ضد قوى اليسار العلنية، بشكل يعود بالذاكرة الى عمليات التصفية ضد حزب "الاتحاد الوطني"،الذي تأسس، كتنظيم علني في نهاية الثمانينيات، بعد مفاوضات جرت حينها بين (فارك) والحكومة. ولكن أعضاء الحزب الجديد صاروا هدفا لحملة وحشية شاركت فيها المليشيات، قوات الأمن، وعصابات المخدرات. وتحدثت التقديرات عن استشهاد خمسة آلاف ناشط، في غضون سنوات قليلة بتهمة انتمائهم لحزب الاتحاد ا?وطني. ويبدو ان الحكومة الحالية لم تغادر تقاليد سابقاتها في اعتماد الموت وسيلة لمنع قوى اليسار من الوصول بالطرق السلمية الى الحكم، وهو أمر متوقع اليوم في ظل نجاحات اليسار المتحققة في بلدان القارة الأخرى.