مدارات

تجربة "الاتحاد في سبيل وحدة الشعب" في البرتغال ودروسها / د. صالح ياسر

في عام 1985 جرت في البرتغال انتخابات برلمانية ومحلية، وشارك الحزب الشيوعي البرتغالي فيها، ضمن تكتل القوى اليسارية وأطلق عليه في حينه تسمية (الاتحاد في سبيل وحدة الشعب). وارتباطا بالتحضيرات للانتخابات في بلادنا وتشكيل "التحالف المدني الديمقراطي" وبهدف الاستفادة من التجارب الأخرى في مختلف البلدان نعرض هنا تجربة هذا التحالف.
تشكل (الاتحاد في سبيل وحدة لشعب) في عام 1978 من الحزب الشيوعي البرتغالي وحزب الحركة الديمقراطية البرتغالية للجان الانتخابية الديمقراطية. ومن قبل، أي منذ عام 1976 عملت الجبهة الانتخابية في سبيل وحدة الشعب التي كان الشيوعيون البرتغاليون في قوامها يقدمون مع القوى المتعاونة قوائم مشتركة في انتخابات هيئات السلطة المحلية. ولكن الحياة برهنت على انه من اجل حل القضايا المحلية الملموسة لا يكفي فقط توفر التفاهم بين الأحزاب السياسية. فكل الأحزاب في البرتغال كانت تضم بالإجمال حوالي نصف مليون شخص (كان منهم أكثر من 200 ألف أعضاء في الحزب الشيوعي البرتغالي)، ولا يشارك غالبية الناس في نشاطها. والانكى من ذلك، فإن العديد من الناس انتسبوا الى هذا الحزب أو ذاك بالمصادفة، خلافا لمصالحهم الطبقية الموضوعية، وهو ما يماثل الوضع بعد 2003.
وعليه، فان (الاتحاد في سبيل وحدة الشعب) تم التخطيط له في حينه باعتباره نوعا من الأساس الحقوقي لوحدة عريضة للأوساط المدافعة عن المكتسبات الديمقراطية، بما في ذلك أثناء الترشيح للانتخابات وان الذين هم على استعداد للتعاون مع الشيوعيين والقوى اليسارية ولكن لا يريدون الدخول في قائمة المرشحين المقدمة باسم الحزب الشيوعي البرتغالي يستطيعون الاشتراك في الانتخابات كمرشحين عن الاتحاد. وحوالي نصفهم، كقاعدة، مستقلون هذا اضافة الى أناس يؤيدون الحزب الاشتراكي البرتغالي وغيره من الأحزاب. أما أهداف الاتحاد الأساسية فقد سجلت في اتفاقية التأسيس كالآتي:
-التأييد على الصعيدين الوطني والمحلي للسياسة التي تستجيب لروح ونص دستور الجمهورية.
ومن المفيد التذكير هنا أن الدستور البرتغالي لا يقتصر على تحديد مؤسسات سلطة الدولة وتثبيت الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، بل وسجلت فيه مكاسب اجتماعية واقتصادية لثورة نيسان (ابريل) 1974، كالتأميم والإصلاح الزراعي ورقابة الشغيلة في الإنتاج والطابع الديمقراطي للسلطة المحلية وحقوق المنظمات الجماهيرية ودورها.
-النضال من اجل حل القضايا الملحة التي تواجه السكان.
تقديم القوائم المشتركة في الانتخابات، فيما إذا اتخذت الأحزاب المكونة للاتحاد مثل هذا القرار.
ساهم (الاتحاد في سبيل وحدة الشعب) بقسط معين في تحقيق وحدة القوى الديمقراطية، من غير أن يكون شكلا استثنائيا ولا حاسما لهذه الوحدة. هذا، ولم يقترح الحزب الشيوعي البرتغالي أبدا سياسة بديلة وتشكيل حكومة على أساس الحزب الشيوعي البرتغالي والحركة الديمقراطية البرتغالية. وبالتالي، لم يكن للاتحاد طابع جبهة شعبية أو تكتل يدعي سلطة سياسية. بل هو آلية للتعاون من اجل الإدارة الفعالة للهيئات المحلية حيث كان الاتحاد يتمتع بالأغلبية، أو من اجل الدفاع عن مصالح الجماهير الشعبية، وهذا بحد ذاته ليس بالقليل. إن غالبية الذين صوتوا لصالح الاتحاد هم من العمال والفلاحين. ولكنه كان يتمتع بتأييد ممثلي الشرائح الأخرى التي لها مصلحة في تحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية. واستطاع الاتحاد تعزيز نفوذ الحزب الشيوعي البرتغالي بين الجماهير غير البروليتارية، لا سيما وان الحزب كان القوة الأكثر نفوذا وتنظيما داخل الاتحاد والتي كانت تضطلع بدور توحيدي فيه، وتعاون الشيوعيون بصورة وثيقة مع ممثلي الأحزاب الأخرى الداخلة فيه. وفي هيئات السلطة المحلية نشأت أشكال دائمة للتعاون بين النواب (مثلا في إطار لجان التنسيق).
لقد اتسع مجال نشاط الاتحاد منذ عام 1979 اتساعا ملحوظا، فأخذ يقدم قوائم خاصة بمرشحيه في الانتخابات لمجلس الجمهورية. ومنذ عام 1983، بدأت الحركة الايكولوجية حزب الخضر -، التي لا تنتسب الى الاتحاد رسميا، تقدم مرشحا لها الى البرلمان ضمن قوائم الاتحاد. والحق يقال إن وظائف الاتحاد كانت تنتهي عند مستوى البرلمان بعد الانتخابات من حيث الأساس، لأن الشيوعيين والحركة الديمقراطية البرتغالية اللجان الانتخابية الديمقراطية كانا يشكلان كتلتين برلمانيتين مستقلتين. وبطبيعة الحال، كانت الاتصالات تتم بينهم في مجلس الجمهورية أيضا، ولكن طابعها لم يكن ثابتا وواسعا كما هو الأمر في المستوى المحلي.
هذا، وكانت تجري في الهيئات المحلية، في إطار الاتحاد وعلى أساس تنظيمي ثابت، دراسة القضايا الملحة والبحث فيها بصورة مشتركة. وكان الهدف من ذلك هو تقريب وجهات النظر وضمان الوحدة عن طريق النقاش العلني الصريح.
وكان الحزب الشيوعي البرتغالي يتوخى إقامة علاقات تعاون مع جميع النواب بغض النظر عن آرائهم الإيديولوجية، بمن فيهم غير المنتسبين الى الاتحاد ولكن المستعدين للنضال من اجل حل القضايا الملحة والتطور التقدمي.
والحال إن النظام الحزبي في البرتغال قد تكون بعد ثورة ابريل (نيسان) 1974. فما عدا الحزب الشيوعي البرتغالي الذي تأسس في عام 1921 والحزب الاشتراكي الذي تأسس في ألمانيا الاتحادية عام 1973، نشأت باقي الأحزاب بعد 25 نيسان (ابريل) 1974، علما بأن حتى أكثرها رجعية ادعت ديماغوجيا بأنها اشتراكية ديمقراطية أو ذات ميول وسطية !!. أما الوضع الداخلي في هذه الأحزاب فلم يكن قد استقر بعد وكانت سياسات قياداتها تهدف الى بعث رأسمالية الدولة الاحتكارية التابعة للإمبريالية. ومع ذلك كان يجري " غليان " دائم واصطدام بين الطموحات الشخصية والمذاهب والتيارات. وساعد ذلك كله الشيوعيين البرتغاليين على البحث عن التفاهم مع الأعضاء العاديين لتلك الأحزاب، بغض النظر عن استياء القيادات. وتأكدت، في الممارسة، صحة موضوعة الحزب الشيوعي البرتغالي القائلة بأن حدود الأحزاب السياسية لا تتفق تماما في البرتغال مع حدود الطبقات والشرائح الاجتماعية التي تمثل مصالحها، وان الحزب كان يأخذ بنظر الاعتبار هذا الواقع في سياسة التحالفات.
ومقابل ذلك طوّر نواب الاتحاد، من جانبهم، التعاون مع النقابات ومختلف لجان الشغيلة (ومنها التي تعمل في الأحياء السكنية) وجمعيات صيانة التاريخ والثقافة والمجموعات الدينية واتحادات أنصار حماية البيئة الطبيعية. وفي الوقت نفسه لم يسعَ الاتحاد الى توسيع قوامه عن طريق انتساب المنظمات الاجتماعية الشكلي له، لأن ذلك كان سيشوه أهدافه وجوهره.
وفي الوقت نفسه، اتسعت أفاق للتعاون والحوار بين القوى الديمقراطية بعد انتخابات الرئاسة التي جرت في يناير (كانون الثاني) عام 1986. وكانت حصيلة المعركة من اجل منصب الرئيس هي هزيمة صنيعة القوى اليمينية المتطرفة وانتخاب زعيم الحزب الاشتراكي السابق (ماريو سواريش) رئيسا للدولة. وهذا الانتصار حتمته أصوات الشيوعيين والقوى الديمقراطية الأخرى.
عمل الحزب الشيوعي البرتغالي بنشاط من أجل تعزيز (الاتحاد في سبيل وحدة الشعب) على أساس احترام المبادئ البرنامجية واصالة المنظمات المنتسبة إليه وتعزيز وحدة الجماهير الكادحة. وسعى الحزب في الوقت نفسه الى استخدام كل إمكانية للتقرب من الأوساط التقدمية وبعض الشخصيات الديمقراطية خارج الاتحاد. إن تجربة النضال ضد الفاشية ومن اجل التحولات التقدمية ودفاعا عن مكتسبات ثورة نيسان (ابريل) عام 1974 تؤكد إن العمل التوحيدي الصبور، الوثيق الارتباط بنضال الجماهير المتعاظم والمساعدة على تطوره، سوف يعطي ثماره في نهاية المطاف. وهذا درس مفيد للقوى الديمقراطية والمدنية في العراق ونحن على أبواب معركة الانتخابات التي يتوقف عليها مستقبل بلادنا والوجهة التي يتخذها.

الدروس المستخلصة

1. في ظروف التحولات العاصفة في بلادنا تقترب حدود الأحزاب السياسية من الوضع السائد في البرتعال آنذاك، حيث لا تتفق مع حدود الطبقات والشرائح الاجتماعية التي تمثل مصالحها. ويعني ذلك أن لا ينظر الى الجماهير باعتبارها كتلة صوانية منحوتة من الصخر لا يمكن تغيير مواقفها، بل على العكس هناك إمكانية للتأثير على قطاعات منها وكسبها الى مشروع التحالف المدني الديمقراطي. ولكن هذا يفترض بلورة شعارات وبرامج ملموسة قادرة على اجتذاب الناس الى مشروع التغيير الذي يسعى التحالف الى تحقيقه. ومنعا لأي التباس فان الأولوية في النشاط يجب أن تكون أولا لعوائل وأصدقاء وأنصار القوى المدنية والديمقراطية واليسارية وللجماهير الشعبية المتضررة فعلا من سياسات القوى المتنفذة، وللمترددين وممن لم يحددوا خياراتهم، لأسباب عديدة.
2. التعاون على صعيد الهيئات المحلية ضروري ومطلوب.
3. بالإمكان لقوائم التحالف المدني الديمقراطي أن تكون أساسا لوحدة عريضة للأوساط المدافعة عن الخيار المدني الديمقراطي.
4. إن الطريق الى الوحدة والنشاط المشترك حول المهمة الانتخابية وتقريب وجهات النظر بصددها وضمان الوحدة ينبغي أن يتم عن طريق النقاش العلني الصريح والبناء. وفي هذه المرحلة المعقدة فان المطلوب من قوى التحالف المدني الديمقراطي أن ترتب التناقضات بشكل صحيح بحيث ترتكن الى تغليب حل القضايا الملحة في تحالفاتها الانتخابية بغض النظر عن آرائها ومواقفها الإيديولوجية المتباينة، والتي لا ينبغي أن يشكل الخلاف بصددها عائقا أمام العمل المشترك والوحدة من اجل تحقيق نصر انتخابي يليق بقوى التحالف المدني الديمقراطي وتضحياتها الفعلية.
5. احترام المبادئ البرنامجية واصالة المنظمات المنتسبة الى التحالف الانتخابي. وبمقابل ذلك يتعين السعي، في الوقت نفسه، الى استخدام كل إمكانية للتقارب بين الأوساط التقدمية واليسارية والشخصيات الوطنية والديمقراطية وكل من يهمهم بناء دولة مدنية وديمقراطية وعصرية في الوقت نفسه.
المهام عديدة.. والمخاطر كبيرة .. والتحديات صعبة ولكن لا طريق للتغلب على ذلك كله غير مواصلة العمل والنشاط بهمة.

*******
إن العمل التوحيدي الصبور، الوثيق الارتباط بنضال الجماهير المتعاظم والمساعدة على تطوره، سوف يعطي ثماره في نهاية المطاف.
وهذا درس مفيد للقوى الديمقراطية والمدنية في العراق ونحن على أبواب معركة الانتخابات التي يتوقف عليها مستقبل بلادنا والوجهة التي يتخذها