مدارات

تونس.. إقرار الدستور الجديد / رشيد غويلب

اقر البرلمان التونسي ليلة الاحد الفائت الدستور التونسي الجديد، وقد صوت لصالح الدستور 184 نائبا، وتحفظ 4 نواب، وصوت 12 نائبا ضد مشروع الدستور.
وفور إعلان نتيجة التصويت، تحول البرلمان التونسي الى ما يشبه قاعة احتفال كبير امتلأ بالأعلام التونسية، والشعارات الوطنية، وعلا صوت النشيد الوطني للبلاد. وبهذا امتلكت تونس الدستور الاكثر ليبرالية في البلاد العربية، الذي اعتبره العديد من زعماء الدول الغربية خطوة تاريخية، ونموذجا يحتذى به من قبل بلدان المنطقة الاخرى. وعبر رئيس البرلمان التونسي مصطفى بن جعفر عن ارتياحه لنتيجة التصويت: "لقد نفذنا اليوم ما وعدنا به الشعب التونسي، الذي صوت بثورته للدولة الديمقراطية".
وكان الفرح الاكبر بين النائبات، اللواتي عبرن بطريقة استثنائية عن احتفالهن، بأهم المتغيرات التي تضمنها الدستور الجديد، الذي اقر المساواة بين النساء والرجال، وهذا حدث لا يمكن اعتباره بديهية في بلادنا العربية. وتضمن الدستور الجديد عدم اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع، ونص الفصل السادس، في احد بنوده، على حرية الضمير وأن الدولة تسعى للتصدي لدعوات التكفير وحماية المقدّسات. وكذلك نص الدستور على الفصل بين السلطات، وعلى الحرية الكاملة للأقليات بممارسة معتقداتها الدينية.
لقد استمر الصراع عامين بين القوى السياسية بشأن نصوص الدستور. وخصوصا حزب النهضة الاسلامي الحاكم، الذي رفض في البداية فكرة عدم اعتماد الشريعة كمصدر اساسي للتشريع. ولكن ضغط الشارع دفع الحزب وكثير من المحافظين للتراجع والقبول بالأمر الواقع. ان المظاهرات التي انطلقت بقوة بعد اغتيال المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد الابراهيمي، دفعت النهضة للموافقة على تنظيم انتخابات جديدة، والشروع باقرار دستور جديد في تونس. بالإضافة الى تأثير فشل تجربة اشقائهم اخوان مصر في الاستمرار على رأس السلطة في القاهرة.
لقد حمل المتظاهرون الحزب الحاكم جزءا من مسؤولية جرائم الاغتيال، التي نفذها اسلاميون متطرفون. ولم يحصل انفراج بالأزمة السياسية في البلاد، الا بعد تدخل اتحاد الشغل التونسي كوسيط بين الاطراف المتصارعة. ودفع حزب النهضة لاتخاذ خطوة هامة، بعد أن وصل لإدارة البلاد بعد فوزه في اول انتخابات حرة تعيشها تونس.
وفي العاشر من الشهر الحالي استلمت ادارة البلاد حكومة خبراء برئاسة وزير الصناعة السابق، المستقل مهدي جمعة، الذي سيرأس الحكومة، حتى الخريف القادم، حيث من المتوقع اجراء الانتخابات المبكرة. ويأمل جمعة أن تكون هذه آخر حكومة انتقالية في تاريخ تونس.
ان اقرار الدستور على اهميته الكبيرة، يضل محفوفا بالمخاطر، نتيجة لإصرار مجاميع دينية متطرفة على العمل لإفراغه من محتواه. وهذا ما عكسته تظاهرة نظمها المئات من هؤلاء ضد ما اسموه مشروع الدستور الكافر، قبيل عقد البرلمان جلسة إقرار الدستور. مطالبين بحذف الفقرات التي اشرنا إليها، ويعتقد متطرفو الإسلام السياسي بعدم امكانية المساواة بين الجنسين، ويقولون بتكاملهما.
وستكشف الانتخابات القادمة عن توازن جديد للقوى في ضوء ما أفضى اليه الصراع بين انصار الدولة المدنية الديمقراطية، وقوى الاسلام السياسي في معركة الدستور التاريخية، وكذلك في ضوء المتغيرات التي شهدتها مصر، والهزيمة السياسية والأخلاقية للاخوان المسلمين فيها، وأيضا في ضوء الازمة التي تطبق على خناق حكومة اردوغان في تركيا. لقد حققت الحركة المدنية، والحركة النسوية التونسية انتصارا هاما ولكن الطريق الى دولة المجتمع المدني المستقرة ما يزال طويلا.