مدارات

من وهج ذاكرة الشيوعيات.. الرفيقة ام داليا / ملاذ الخطيب

صفحة مشرقة من نضال المرأة الشيوعية. حقائق ومواقف هي لمحات مضيئة من تأريخ نفخر به، لأنه نبراس لطريق أجيالنا، ومن الشواهد الحية لنضالات المرأة ضد الدكتاتورية والظلم والطغيان للنظام المباد ورمز نضالي يحتذى به الرفيقة سلمى الصراف (أم داليا) مواليد النجف 1939.
التي تقول عن ذكرياتها في الفترة الماضية : تلك الايام لن أنساها ابدا، ايام ملاحقتي من قبل النظام الفاشي فقد كنت معلمة متميزة ومعروفه بنشاطي الحزبي، ومن اجل تحجيم نشاطي ومراقبتي بشكل مركز تم نقلي الى مدرسة الزينبية في منطقة الجديدة، كما تقرر ان ادرس الصف الاول الابتدائي للمراهنة على إذلالي، فلم امانع ووافقت، وتواصلت بسلك التعليم للطلبة الصغار مع رعايتي لهم كأن اقوم بشراء مواد غذائية وملابس لأوزعها عليهم فغالبيتهم من الفقراء والبسطاء، مما تولدت علاقة طيبة بيني وبين امهاتهم. واتذكر في احد الصباحات جاءت للمدرسة امرأة كربلائية فاندهشت لحضوري المبكر للمدرسة، استقبلتها ورحبت بها، بعدها علمت أنها مشرفة تربوية وسبب زيارتها هو لمراقبتي والاشراف على تدريسي ، بسبب معلومة كيدية قدمت ضدي وهي السلوك السيئ، فسألتني عن سلمى الصراف. ابتسمت وقلت لها "انا سلمى الصراف" كانت ردة فعلها هي التعجب، ثم قامت بالإشراف على طريقة تدريسي في الصف ولمست تعاملي المتحضر لطلابي واهتمامي بهم وتعلقهم بي ولاحظت تميز صفي عن باقي الصفوف، فما كان منها الا ان وبخت المديرة امامي واعتذرت مني وأشادت بي. وهذا الامر دفع زميلاتي المعلمات للتقرب مني وتوطدت علاقة الصداقة بيننا.

ما بعد انقلاب 1963

تقول ام داليا: من المواقف التي لا انساها بعد الانقلاب عام 1963 كنت أواظب على الذهاب لمدرستي يوميا لممارسة مهنتي فالواجب الوطني يحتم علي ذلك، وكثيرا ماكان الحرس القومي يقتحم بيتنا ويقوم بتفتيشه، بل حتى في الشارع كانوا يباغتونني ويفتشونني. وفي احد الايام عند عودتي من المدرسة تم إخباري باقتحام بيتنا للبحث عني والقبض علي، وقد اقتادوا والدتي بدلا عني لمقر الحرس القومي ليحققوا معها، احترت وقتها الى اين اتجه فلا مأوى لي، ذهبت الى عائله شيوعية وبقيت عندهم اربعة ايام، ثم ذهبت بالصدفة الى بيت احدى صديقاتي وحين عرفت بالذي حدث لي آوتني لمدة ثلاثة اشهر. (في هذه الفتره تركت مهنتي واختفيت عن الانظار) بعدها اتجهت الى بغداد لان الحرس القومي لم يتوان عن اقتحام بيوت الرفاق وحتى أصدقاء الحزب وأثناء مكوثي في بيت أقاربنا، تفاجأت بدخول امرأة للمنزل فراودني الشك منها وفعلا بعد خروجها بفترة اقتحم البيت الحرس القومي، لكني استطعت الهروب منهم رغم مرضي، وفي تلك الفترة العصيبة كنت اتنقل من منزل إلى اخر، واخيرا اضطررت للرجوع الى مدينتي النجف لا اختفي في احد بيوت عائلة (كاشف الغطاء) رغم ان مسلسل الاقتحامات لا يزال مستمراً.

للعيون لغة

وتتابع ام داليا حديثها: اقتحم الحرس القومي منزلا كان يؤويني وكانت سيدة المنزل قد ولدت حديثا، وعندما رأت الحرس القومي اسرعت ووضعت الطفل الصغير في أحضاني وكأني والدته كي تبعد الشبهات عني، وفي احدى المرات اصطحب الحرس معه أمرآة منقبة رغما عنها، وكان يستفسر منها عن الموجودات وعندما اقتربت مني والتقت عينانا سويا - صدقا- يعجز لساني عن وصف ما تخفيه تلك العينان من الم وعذاب. لحظات لا يمكن ان انساها مدى ما حييت. "صمتت ام داليا لتحكي لنا دموعها ايام عذاب جراء مطاردات البعث الظلامي للمراة المناضلة.

رغم مرارة الماضي..نعيش الحاضر

وتختم الرفيقة الصراف قولها:. يفتخر زوجي ابو داليا كونه من سجناء 1963. وكوني شيوعية. وفي التسعينات من القرن الماضي تقاعدت من عملي، لكني لم اتقاعد من حبي للناس والعمل من اجل مساعدتهم وتوعيتهم، فجميع اقاربي واصدقائي في مدينتي النجف يعرفونني شيوعية وارددها بين الجميع انا شيوعية وسأموت شيوعية.