مدارات

ثمانون كأنها غد / ياسين النصيِّر

1

يسألني احد الاصدقاء "بعدكم تحتفلون بعيد الحزب الشيوعي العراقي، وهو قد بلغ الثمانين" مما يعني قد دخل مرحلة الشيخوخة، بعد أن اجتاز مراحل عديدة ومحطات كثيرة، وبالتأكيد قد تعب واصاب جسده الوهن والعطب؟
وعندما انهى سؤاله، سألته ترى كم هو عمر النضال؟
قال بالتأكيد ليس له عمر، ولكنكم تحتفلون بالعدد لا بالنضال.
قلت له وكم تتصور للفكر الحي ان يبلغ من العمر، كي يحقق برنامجه وطماحه؟
قال ثلاثون عاما بالتأكيدأ، أو اكثرمن ذلك بقليل.
قلت له أنك على خطا عندما تربط بين عمر الفكر وعمر الجسد البشري،فمثل هذا الربط مخالف للحقيقة، الافكار لا تموت ولا يمكن القضاء عليها مهما اوتيت من اساليب المنع والتسلط والتفرد والإلغاء، لذلك فالثمانون ليست لجسد أعضاء الحزب وقياداته، إنما للأفكار التي يحتاجها العراق للتقدم،والتي يؤمن بها الناس المتنورون، وناس لهم قدرةعلى تحليل الأوضاع جدليا، ويفكرون بالعراق قبل التفكير بمحاصيل زراعية موسمية لهم، ناس مناضلون لا يعرفون إن كانوا شبابا أم شيوخا، فالفكر لا يقف عند حدود الزمن الطبيعي ولا يقاس بالسنوات، إذ ما يزال التاريخ يحتفظ بافكار من أزمنة قديمة يمكنها بعد اخضاعها لمنطق العصر أن تكون معاصرة، بينما الناس الذين انتجوها ماتوا وانتهوا منذ زمن بعيد. العمر في مثل الحركات السياسية المتجذرة لا يقاس بعدد السنوات، ابدا، وتذكر ذلك جيدا، أن مئات الاساطير والنضالات القديمة يجري احياؤها كلما دعت الضرورة للمقارنة. الحزب الشيوعي العراقي ليس مرتبطا باعمار قادته أو قاعدته، إنما هو مرتبط بتجديد الأفكار والبرامج وبحاجة العراق إلى التغيير. هذه الثمانون هي عمر بداية الوعي بضرورة تاريخية لوجود حزب شيوعي عراقي، وليست الثمانون عمرا للحزب الشيوعي العراقي، فعمره التاريخي،عمره النضالي، عمره الوجودي والحقيقي، عمره الفكري، عمره البرنامجي ليس له تاريخ ولا نهاية محدد، فمادام العراق ليس ثمة نهاية لتاريخه، يبقى الحزب حيا كما لو أنه يحتفل بعيده الثمانين بعد غد.

2

كلما مرّ العراق بمحن وفترات معقدة، زادت المسؤولية على الحزب الشيوعي العراقي في تجديد برنامجه والكشف عن الطرق المؤدية إلى - الوطن الحر والشعب السعيد-، الشعار الذي لم أجد شعارا قابلا للتطبيق مثله، بالرغم من شدائد الأيام ومحنها،وصعوبة الفهم عند الغرماء والاصدقاء. فما زال الحزب فتيا يافعا نضر البشرة، وثاقبَ الرؤية، وقوي الجسد، ويحتفل بشبابه كما لو كان يحتفل بالعيد القادم غدا، ابدا لا ينظرالحزبُ إلى الوراء لتجربته بغضب، انما ينظر لمن أجهضت بعين أكثر سعة، وهذه هي ميزة وخصوصية الاحتفال السنوي، هو اعادة بعض ما كا? ليسند بما استجد وتطور، فعملية الاحتفال ليس وضع نهاية لبداية، ولا تأسيس بداية لنهاية، إنما هي بنية جدلية تتداخل فيها أفكار الأمس أو ما تبقى منها بافكار اليوم وما يستجد غداً، إن صياغة رؤية للغد، ليست كلمات، إنما هي أفعال ومواقف وأعمال، وهكذا كان الحزب ولا يزال، يحتفل بالسنة الثمانين لميلاده،كما لو كان يحتفل بالسنة الأولى، فالتأسيس عام 1934 ليس بداية، أبدا، إنما هو نهاية لمرحلة المخاضات الطويلة والتشكيلات السياسة والاقتصادية والثقافية التي سبقت مرحلة إعلان التأسيس، مرحلة مخاض ظهرت في العراق بعيد تشكيل الحكم?الملكي وقبله، ونحن نعرف ما سبق التأسيس من مراحل وأنشطة.
الحزب الذي يحتفل بمؤتمراته كل أربع سنوات، وليست هذه المؤتمرات محطات منقطعة الجذور عن تاريخه الزمني، انما هي مواضع يقف الحزب فيها على ما أنجز، ويخطط لما يمكن عمله، لذلك ارتبطت مؤتمرات الحزب- كل اربع سنوات- بتجديد شبابيته وبالسرعة المنهجية التي تنسجم وطبيعة العصر والحداثة، ولامكانية العراقيين ان يعملوا بكوادر مختبرة ونشطه دون ترهل او خمول، لتحقيق ما يحقق السعادة والحرية، أفكار وممارسات كبيرة، مارسها الحزب، والاحتفال بها لا بعديد السنين، لذا يجدد الحزب نفسه كل اربع سنوات، كافضل فترة لتجديد قدرات القيادات وا?مراكز المسؤولة.
ومن هنا لا يمكن عدّ السنوات الثمانين، إلا ثمانين وقفة ومسيرة وتجديداً، وليس ثمانين سنة متراكمة، وقفة فيها من الصواب والأخطاء، وقفة لا تغادر أخطاءها ولا تقف عند صوابها فقط، وقفة جدلية قد تعيد ما كان وقد تبتكر ما سوف يكون، ومن هنا فالحزب ليس جسدا حيا فقط، إنما هو شعب الأجساد العراقية الحية، والتي وجدت مقرراتها وافكارها متبناة من فئات وأحزاب عراقية كثيرة، وهذه نقطة مهمة لو درست، لوجدت الآن أن مئات الفئات الاجتماعية قد استلهمت لهجة مفردات برامجها من ثقافة وممارسة وأفكار الحزب الشيوعي، وما تزال على الحزب مهمات أكبر وأهم، لان الحياة التي ارتبط بها تاريخيا وعمليا لم تستنفد ابعادها، ولأن نضاله ليس خاصا باعضائه، فما يزال العراق يمر بين فترة وأخرى بنماذج من الحكم متخلفة وعادية، وبمشاريع فردية وغير متطورة، وبأفكار ليس فيها حداثة وتنوير لاقتصاده وقدراته وامكانياته، ومن هنا فمسئولية الحز? في كل مناسبة جديدة، هي نفسها المسؤولية يوم تشكل في اواسط الثلاثينيات وقبلها.