مدارات

استذكار شهيدي حزبنا وجمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة .. الرفيقين (حسين مجيد سعيد) و (سلام شهاب احمد)

سلم علي *
في آب 1968، قبل اكثر من 45 عاماً، حضرت حفلاً تأبينيا أقامته جمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة للشهيد خالد احمد زكي، الرئيس السابق للجمعية الذي استشهد في حركة الاهوار المسلحة عام 1968 ضد النظام العارفي الرجعي. (اُقيم الحفل التأبيني في مقر منظمة "برتراند راسل بيس فاونديشن" Bertrand Russell Peace Foundation.. الكائن قرب بيكاديللي وسط لندن). ولم يكن يخطر في بالي آنذاك، انه بعد 15عاماً، سينضم قائد آخر لهذه المنظمة الطلابية المجاهدة، الى كوكبة شهداء حزبنا الشيوعي العراقي، مسجلاً مع العشرات من رفاقه الآخرين مأثرة بطولية الهمت وما تزال اجيال الشيوعيين، وبالأخص الشباب التواق الى التغيير الثوري والغد المشرق .. الى وطن حر وشعب سعيد.
تعرفت على الشهيد حسين مجيد سعيد بعد قدومه الى بريطانيا في عام 1975 ليواصل دراسته في مجال هندسة الطيران. وفي ذلك العام، أوقفت جمعية الطلبة العراقيين نشاطها، امتثالاً لقرار اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية تجميد نشاطه نتيجة ضغوط حزب البعث وتهديداته، وإن كانت الجمعية هي آخر فروع اتحاد الطلبة خارج الوطن التي استجابت لهذا القرار في اواخر العام 1975، وذلك بسبب الرفض الواسع الذي لقيه وسط اعضائها آنذاك. لكن العمل الطلابي تواصل، تحت اسم "الشيوعيون واصدقاؤهم". وسرعان ما خابت آمال البعثيين ومنظمتهم (الاتحاد الوطني) في وضع حد لنشاط "الجمعية". فقد استمر النشاط بهمة أكبر، وبروح التحدي، انطلاقاً من مقر الجمعية نفسه، في مبنى اتحاد الطلبة العرب (في منطقة ساوث كينسغتون). حتى ان "الاتحاد الوطني" اُضطر الى الانتقال من ذلك المبنى الى مكان آخر في منطقة أيرلزكورت.
في تلك الاجواء، انغمر الشهيد حسين في عمل منظمة حزبنا في بريطانيا، وبرز كادراً طلابياً يتدفق حيوية ونشاطاً، يبث البهجة والتفاؤل في صفوف رفاقه واصدقائه حتى في أكثر الظروف صعوبة وقسوة. وامتاز بابتسامة مشرقة وضحكة حلوة تشيع الفرحة في القلوب.
وكان الشهيد حسين مجيد سعيد قد التحق بصفوف حزبنا الشيوعي في الوطن في مطلع السبعينات بعد ان عمل في اتحاد الطلبة العام، ثم في اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي.
وعندما يستعيد المرء ذكرياته عن الشهيد سيكتشف انه كان يملك كل مواصفات الكادر الديمقراطي الجماهيري .. فهو ينفذ الى قلوب من يحيط به بلا استئذان .. يمتاز ببساطته وتواضعه الجم، وحب مساعدة الآخرين، اضافة الى مبادراته وجرأته، وغياب "الأنا" المقيتة من مفرداته وسلوكه، اضافة الى روح المرح والمزاح التي لم تكن تفارقه، وحبه للأغاني التراثية التي كان يحفظ منها الكثير.. واخيراً، ومرة اخرى، ابتسامته المشرقة التي لا تمحى من الذاكرة.
وبعد الهجمة الفاشية الشرسة على حزبنا في الوطن، اعدام كوكبة من الرفاق في آيار 1978، باشرت منظمة بريطانيا نشاطها في فضح جرائم الطغمة الحاكمة والتصدي لأعوانها وواجهاتها. ولعب الشهيد حسين دوراً نشيطاً في اللجنة التحضيرية التي هيأت لعودة جمعية الطلبة العراقيين الى النشاط عام 1979 (حيث صدر العدد الأول من نشرتها المعروفة باسم "النشرة" في اوائل آذار من ذلك العام)، وكانت أول فروع اتحاد الطلبة العام خارج الوطن التي عاودت نشاطها. واُنتخب رئيساً لها للعام 1980 -1981.
وكان للشهيد دور فاعل، الى جانب اعضاء الجمعية وفروعها في لندن وبرمنكهام ومانجستر وكاردف وسوانزي، في اطلاق حملة التضامن البريطانية (اللجنة ضد القمع ومن اجل الحقوق الديمقراطية في العراق / "كاردري" – CARDRI) في مطلع 1980. وكانت اكبر حملة من نوعها منذ (لجنة الدفاع عن الشعب العراقي) التي انطلقت في اعقاب انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963. وكان لجمعية الطلبة العراقيين دور أساسي في كسب تأييد اتحاد الطلبة البريطاني (NUS) لحملة التضامن "كاردري"، اضافة الى العشرات من الاتحادات والجمعيات الطلابية في انحاء بريطانيا. وسبق ان تحدثنا عن "كاردري" في حفل تكريم أقامه المنتدى العراقي العام الماضي للسيدة فران هيزلتن، سكرتيرة حملة التضامن لسنوات عديدة. (وقد تتاح الفرصة في وقت آخر للحديث عن السجل المشرف لهذه المنظمة ودورها التضامني البارز مع نضال شعبنا وقواه الديمقراطية).
وما يجب تثبيته في هذه المناسبة، هو الدور الذي لعبته جمعية الطلبة العراقيين وعلى رأسها الشهيد حسين، في تتويج حملة التضامن لعام 1979 بقرار المؤتمر السنوي لاتحاد الطلبة البريطاني في مدينة بلاكبول بسحب الاعتراف بمنظمة السلطة الدكتاتورية (الاتحاد الوطني) وحظر نشاطه في الجامعات البريطانية. ووقع اكثر من 700 من مندوبي المؤتمر على مذكرة تندد بحملة الارهاب الفاشي في العراق، والمطالبة بالوقف الفوري لحملة سحب الجوازات وقطع البعثات بحق طلبة الاتحاد العام.
وفي خضم هذا النشاط، والتصدي لعصابات البعث وزمر السفارة ومرتزقتها، حاز الشهيد حسين مجيد (الذي عُرف في الجمعية باسم "ابو علي") .. حاز على تقدير واحترام المنظمات الديمقراطية الطلابية البريطانية والعربية والاجنبية.
كما تميز الرفيق بالتصاقه بالحزب وتوقع وحماسه المتأجج للعودة الى الوطن. وأكّد قبل وبعد انهائه الدراسة استعداده لتلبية نداء الحزب وأن يكون رهن اشارته.
وقال في رسالته الى الحزب: "... اؤكد على ما ورد في رسالتي في العام الماضي على انني في حالة خروجي من بريطانيا فاني افضّل الوطن على أي مكان آخر تطبيقاً لشعار حزبنا بأن كل شىء للداخل، وهذا هو قراري."
بهذه الكلمات الواثقة الواضحة خاطب الشهيد حسين حزبه الشيوعي الذي تربى في كنفه ونذر نفسه من اجل انتصار قضيته، قضية الطبقة العاملة والشيوعية، مجسّداً وحدة القول والعمل ليلتحق برفاقه في الداخل، ويهب أغلى ما يمك فداءً لحزبه وشعبه.
عاد الرفيق الى الوطن والتحق بفصائل الانصار الباسلة في صيف عام 1982. وعُرف هناك باسمه الحركي "ابو خليل". ووصل في اواخر 1982 الى مقرات الحزب في منطقة بشت آشان في كردستان العراق. والتحق بفصيل حماية الاذاعة. واستشهد في 1 ايار 1983 اثناء تصديه مع رفاقه الانصار الابطال لهجوم غادر جبان شنه المرتزقة بالتواطؤ مع السلطة الفاشية، وراح ضحيته اكثر من خمسين من رفيقات ورفاق حزبنا.
ولابد من الاشارة هنا الى ان منظمة حزبنا خسرت في هذا الهجوم الغادر الجبان رفيقاً آخر من كادرها الطلابي البارز، وهو الرفيق سلام احمد شهاب. عمل الشهيد سلام في اتحاد الطلبة العام، وفي منتصف السبعينات انضم الى صفوف حزبنا الشيوعي. واصبح رئيساً للهيئة الادارية لفرع مانجستر لجمعية الطلبة العراقيين عام 1979، كما انتخب لعضوية اللجنة التنفيذية للجمعية في 1980، وعمل فيها سنتين متتاليتين.
واقيم في لندن، في 10 حزيران 1983، حفل تأبيني مهيب للرفيق حسين مجيد سعيد تخليداً لمأثرة استشهاده. وحضر الحفل العديد من ممثلي المنظمات الطلابية البريطانية والاجنبية والعربية، وتلقى كلمات من اعضاء برلمان وشخصيات بريطانية.
ويكفي للاشارة الى سعة علاقات الشهيد حسين ومكانته، وايضاً المنزلة الرفيعة التي حظيت بها جمعية الطلبة العراقيين لدى الحركة الطلابية البريطانية، بفضل جهوده ومثابرة العشرات من اعضائها، ان ذلك الحفل التأبيني تلقى كلمات من قيادة اتحاد الطلبة البريطاني، ومن فروعه في مناطق ويلز وبرمنغهام والشمال الغربي، ومن الاتحادات الطلابية في جامعات: إسكس، واريك، سوانزي، سَري، كاردف، لانكستر، اليومست (في مانجستر)، ومعاهد بولتن وبرمنغهام ومانجستر.
واقيم حفل تأبيني مهيب آخر للرفيق سلام شهاب احمد في مانجستر، في 27 آب 1983. وكان بين الكلمات العديدة التي تلقاها الحفل، كلمات من نواب البرلمان كين ايستهام، وبوب لذرلاند، وآن كلويد، اضافة الى فرانك آلون، عضو اللجنة التنفيذية لحزب العمال البريطاني.
ان يوم الشهيد الشيوعي لا يمثل للشيوعيين مجرد غصّة ألم تعتصر قلوبهم لخسارة رفاق درب وأحبّة ستبقى ذكراهم خالدة في ضمائر الشيوعيين والديمقراطيين وكل الوطنيين من ابناء شعبنا. بل انها ايضاً مناسبة لاستخلاص الدروس من تجارب الماضي القريب والبعيد لحركتنا، بنجاحاتها واخفاقاتها، وتجديد العزم لمواصلة العمل بروح التحدي والجرأة والاصرار ذاتها التي اتسمت بها السيرة الذاتية والكفاحية لشهدائنا الأبرار، حتى تحقيق الاهداف النبيلة لحزبنا.
ستظل مأثرة استشهاد الرفيق حسين مجيد سعيد، والرفيق سلام شهاب احمد، وكل شهداء حزبنا الأبرار درساً ومثالاً ملهماً في البسالة والصمود والايمان بالفكر والدفاع عنه حد الشهادة .. اما المجرمون القتلة فمصيرهم الخزي والعار.
ولنجعل يوم الشهيد الشيوعي مناسبة لتجديد العهد على رفد حزب الرفاق الخالدين، فهد وصارم وحازم وسلام عادل بطاقات لا تنضب، والمضي قدماً بثبات لاعلاء راية الشيوعية في عراقنا الحبيب .. من اجل وطن حر وشعب سعيد.
- - - - - - - -
(*) القيت هذه الكلمة في حفل يوم الشهيد الشيوعي الذي أقامته منظمة بريطانيا للحزب الشيوعي العراقي في لندن يوم الأحد 16 شباط 2014.