مدارات

الحزب الشيوعي العراقي وقضية المرأة / خانم زهدي

موضوع الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه موضوع يستحق الاهتمام، وقبل الدخول في التفاصيل من الضروري معرفة تطور قضية المرأة ودورها المزدوج، سواء في قضيتها الخاصة أو في قضية الحركة الوطنية عامة. فقضية المرأة في العراق عموما قد تطورت بتطور المجتمع وتأثرت بالحركة السياسية، سلبا وإيجابا باعتبارها جزءاً منها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بها.
إن أول مساهمة للمرأة العراقية كانت في ثورة العشرين، وهي أول معركة خاضتها في تاريخها الحديث رغم بساطة واختلاف أساليب نضال المرأة عن الرجل، فإن تلك المساهمة تعتبر الخطوة الأولى في حياة المرأة العراقية. ساعدت تلك الإسهامات في ثورة العشرين على تشكيل بدايات الوعي اتجاه قضية المرأة، وحثت العناصر الواعية من الوطنيين والتقدميين والماركسيين والشخصيات السياسية وعدد من الأدباء والشعراء العرب والأكراد على المشاركة في الصراع الفكري حول قضية المرأة، فكانت ثمرة هذا الصراع شن حملة إعلامية تدعو للتحرر الاجتماعي والاقتصادي والثقافي واعتباره أساسا للتحرر وتقدم المجتمع، التي من نتائجها ازدياد عدد المدارس وإقبال الفتيات على التعليم وانتشاره وانحسار الحجاب وتوسيع إدراك المرأة بضرورة قيام جمعيات نسائية ذات أهداف اجتماعية، فكانت الأولى جمعية النهضة النسائية 1924 ومجلتها "ليلى" وفي السنوات اللاحقة شهد العراق تناميا واسعا في الوعي الوطني والسياسي، شمل النضال من أجل الاستقلال والتصدي لمعاهدة 1930 الاستعمارية، وانخرطت فيها جماهير واسعة من ضمنها الجماهير النسوية في عموم العراق، وظهرت أحزاب وطنية ذات برامج تقدمية وفي مقدمتها الحزب الشيوع? العراقي 31/3/1934 الذي تبنى قضية المرأة واعتبرها جزءا من قضاياه الأساسية.
وقد شجعت هذه التطورات بعض النساء على الانتماء الى بعض الأحزاب، والتفكير في تشكيل منظمات نسائية ذات أهداف مختلفة، بالإضافة الى تنامي الوعي السياسي في العراق وتأثيره على وضع المرأة وحركتها، وقد تأثرت أيضا بالعوامل الخارجية منها: تأثير الحركة النسائية المعاصرة في مصر وتركيا وتطورهما ومن ثم انتصار الثورة الاشتراكية وما حققته من إنجازات في مجال حقوق المرأة ومساواتها في الاتحاد السوفياتي (السابق) وتبوؤها المناصب المختلفة في الحزب والسلطة. لقد اهتم الحزب الشيوعي العراقي منذ نشأته الأولى بقضية المرأة وتشجيعها على ?لمشاركة في النضال الشعبي الوطني والديمقراطي ومن أجل حقوقها الديمقراطية وضرورة تحررها من القيود التي تعيق حركتها. وكانت أول سيدة في مركز حزبي قيادي هي السيدة أمينة الرحال عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي من 1941- 1943 والتي سبق وأن حضرت المؤتمر الأول لنساء الشرق 1938 كممثلة للمرأة العراقية. وفي 1944 ولأول مرة عرّفت "القاعدة" جريدة الحزب، المرأة العراقية بيوم المرأة العالمي 8 آذار، وفي بيان بالمناسبة هنّأ المرأة العراقية بيومها، مستعرضا أوضاع المرأة وأسباب تخلفها، ومعتبرا الحركة النسائية الوطنية جزءا من الحركة الوطنية التحررية وجزءا من الحركة النسائية العالمية والحركة التحررية الديمقراطية العالمية. وأكدت الجريدة على أهمية التنظيم النسوي لتعبئة وتوعية النساء وتدريبهن على مختلف أشكال النضال ، وحددت المهام الآنية للحركة النسوية والمساهمة في الحركة الوطنية التحررية من أجل الحقوق الديمقراطية: حق التنظيم وحرية الرأي وحقها في إصدار صحف تعبر عن رأيها.
شهدت الأربعينات تطورا في انتماء النساء الى الحزب وتشكيل منظمات نسائية ذات أهداف مزدوجة: أهداف تحرر المرأة والتحرر الوطني كاللجنة النسوية لمكافحة الفاشية والنازية التي نشطت في تعرية الحرب وأهوالها. وبعد انتهاء الحرب 1945 تحولت اللجنة الى رابطة نساء العراق، ومن أبرز أعضائها السيدة عفيفة رؤوف، نزيهة الدليمي، عفيفة البستاني، وكانت لها مجلة اسمها: تحرير المرأة.
لقد تطورت الحركة الوطنية والديمقراطية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وازداد إقبال النساء على الانتماء الى الحزب من مختلف القوميات والانتماءات الاجتماعية وعدد من المواطنات اليهوديات. وتطور نشاطهن في مختلف الأصعدة في الحركة النسائية والجماهيرية والوطنية، وقد شهد عام 1948 تطورا ملحوظا وانطلاقة كبيرة لاشتراك النسوة في وثية كانون الثاني 1948 ضد معاهدة بورتسموث بجانب الطلائع الثورية للنساء.
هكذا قدمت المرأة التضحيات لتمهيد الطريق أمام الجموع في معركة الجسر، شجعت هذه الانطلاقة النساء بشكل أوسع وأعمق الى الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي، بالإضافة الى أن بعض العوائل شكلن عوائل حزبية وقد انتمت نساؤها الى الحزب كعائلة الرفيقة الراحلة زكية خليفة والرفيقة فكتوريا يعقوب شقيقة الرفيق أدمون يعقوب، والملاحظ أن معظم النساء اللواتي انتمين الى الحزب كان بتشجيع من أحد أفراد العائلة أو بتأثير الجو العائلي أو الأقرباء.
تمخضت الوثبة عن انتصارات رائعة تجسدت في الخضوع لإرادة الشعب بإطلاق الحريات العامة ولو لفترة قصيرة، لكن الرجعية استغلت إعلان قرار تقسيم فلسطين في 15/5/1948 فأعلنت حالة الطوارئ بحجة حماية مؤخرة الجيش العراقي وانتهزت هذه الفرصة لتوجيه ضربة الى القوى التقدمية المناضلة بدلا من حماية مؤخرة الجيش، وألقي القبض على مئات المناضلين وقادة الأحزاب والحركة الثورية، وحكموا بالأحكام الثقيلة والإعدام، وشملت الاعتقالات عشرات النساء والفتيات وتلقين التعذيب قي سراديب التحقيقات الجنائية، وكان من بينهن عاملات وموظفات وربات بيوت وطالبات.
أما حول انتمائي للحزب فإنني مذ كنت في المرحلة الابتدائية من الدراسة محبة للمطالعة لتوسيع مداركي، يشجعني في ذلك شقيقي، الشهيد رؤوف زهدي، الذي كان يدرس في معهد المعلمين الريفية، وهو كان يتثقف في الحلقات التثقيفية التي كانت في بغداد وتدار من قبل الرفيق الخالد الشهيد زكي بسيم، واستمر الحال الى أن تخرج أخي، بعدها اشتركت في نشاطين سياسيين، أولهما التشييع السياسي الذي جرى للضباط الأربعة الأكراد، الذين أعدموا بعد سقوط جمهورية مهاباد الكردية في ايران 1946، والثاني المظاهرة الاستنكارية والتصامنية مع فلاحي ناحية "عرب?" في السليمانية ضد استغلال واضطهاد الإقطاع للفلاحين. ثم انتقلتُ الى بغداد لإكمال الدراسة الثانوية، وهناك تعرفتُ على الكثيرات من حملة الأفكار التقدمية من الطلاب والطالبات، وتوطدت علاقتي بالحزب في فترة 1948.
ساهمتُ في الوثبة وفي مؤتمر السباع وألقيت كلمات في الاجتماعات المؤيدة للوثبة، هكذا توطدت علاقتي بالحزب فرشحت لعضويته. أتذكر أني كنت في خلية منظّمتُها من الأعظمية، اسمها: نورية عبدالله، وكانت لدي 12 صديقة للحزب نظمتهن في 3 حلقات، وساهمن في مظاهرة، كان من المقرر أن تنطلق من ساحة مرجان قرب الشورجة، ولكنها فرّقت قبل انطلاقها.
أنهيت الدراسة الثانوية ولم أقبل في الجامعة لعدم حصولي على وثيقة حسن السلوك والسيرة من الشرطة، واضطررت للعودة الى كردستان والاتصال بالحزب، ثم العمل بالتدريس بشكل مؤقت، حيث أرسلت الى "قلعة دزة" لفتح مدرسة للبنات لأول مرة، فكنت المديرة والمعلمة والفراشة. وكان هناك عدد من الشيوعيين في تلك القصبة. تلك الفترة كانت عصيبة جدا، حيث أعدم الرفاق الثلاثة، وظهرت خيانة مالك سيف، وفيما بعد خيانة المدعو رفيق جالاك، الذي كان على اتصال حزبي معي قبل إنهاء الدراسة الثانوية، وبعده كان اتصالي مع سعيدة مشعل (سعاد خيري) ويجدر بالذكر أنه في هذه الفترة حصلت اعترافات من مالك سيف وأقرانه، وصدر كتاب من التحقيقات الجنائية باسم الموسوعة، وكانت أسماؤنا نحن في المقدمة (التنظيم النسائي) والأسماء حسب ما أتذكر: نزيهة الدليمي، بشرى برتو، خانم زهدي، إنعام الدليمي، البرتين سمعان، برتا البازي.
وعندما كنت في السليمانية، كانت هناك خلية نسائية تدار من قبل الرفيقة نسرين عبد الواحد، الموجودة حاليا في أمريكا، وقد اعتقلت بعد الوثبة 4 مرات، ومن أعضاء الخلية نجيبة، المعروفة باسم أم شوان، الموجودة في انكلترا حاليا، وصبرية عثمان، بديعة مصطفى،منيرة صالح، باكزة نوري، بهية داود. وكانت هذه الخلية محاطة بصديقات نشيطات، أصبحن فيما بعد عضوات في الحزب منهن: أمينة محمد، مليحة زهدي، وكنت أشرف على هذه الخلية في العطل أحيانا. وبعد نيلي العضوية في بداية 1949 (قبل إعدام الرفاق الثلاثة) وخلال زياراتي الى محافظات كردستان علمت أن هناك تنظيمات نسائية في أربيل. وقد تعرفت على الشاعرة فرشتا وفتحية محمد، زوجة المناضل عادل سليم، وساكنة سليمان، وفيما بعد سامية شاكر. وفي الموصل كانت هناك رفيقة باسم مريم (خياطة مسيحية) وفي البصرة كانت هناك بدايات للتنظيم الحزبي النسائي.
تعرفت على الرفيقة الراحلة سميرة محمود، شقيقة الشهيد شاكر محمود، ورفيقة أخرى لا أذكر اسمها تدعى "أم ثائر" كانت تعمل في مقر الحزب في السبعينات، كما تعرفت على الرفيقة نجية حسين وفاضلة الطائي (كلتاهما من العمارة). قبلت في الجامعة 1950 في دار المعلمين العالية (التربية لاحقا) وفيها توسعت علاقاتي مع رفيقات تنظيم بغداد، ومع ديمقراطيات من مختلف مناطق بغداد. وكانت علاقتي في فترة الجامعة بالرفيق عزيز الشيخ، وكان معيدا في نفس الكلية. وقد تطور التنظيم النسائي في الحزب وتوسع عدديا أيضا، وكنا نلتقي أحيانا بالرفيقة نزيهة ?لدليمي، أنا والرفيقة زكية شاكر، وأحيانا الرفيقة ثمينة ناجي يوسف، زوجة الشهيد سلام عادل، ومبجّل بابان. وخلال هذه اللقاءات برزت أفكار تقدمية حول الحركة النسائية وضرورة قيادتها من قبل منظمات نسائية متميزة تختلف عن سابقاتها من حيث طابعها الجماهيري وتركيبتها الاجتماعية وتوجهاتها وأهدافها ونشاطاتها، والربط بين قضية المرأة خاصة والقضايا الوطنية عامة. وفي هذه الأثناء تبلورت التنظيمات النسائية في الأحزاب الوطنية، وخاصة حزبنا، وانخرطت أعداد من النساء في العمل السري بسبب الظروف المعوقة للعمل الديمقراطي العلني.
هكذا تأسست جمعية تحرير المرأة في 1951 ولم يسمح لها بالعمل العلني، فتأسست فيما بعد رابطة الدفاع عن حقوق المرأة بشكل سري، وكان لها نشرة باسم حقوق المرأة، وأصبحت فيما بعد "رابطة المرأة العراقية" والتي لا تزال منظمة نسائية جماهيرية، ومعروفة وطنيا وعربيا وعالميا لنشاطها على النطاق النسائي الوطني والعالمي (عضو اتحاد النساء الديمقراطي العالمي منذ 1953) لقد ساهمت الرفيقات في كل النشاطات الحزبية والوطنية والجماهيرية النسائية والاجتماعية والمطلبية واشتركن في الانتفاضات الشعبية في 1952 و1956 وساهمن في نشاطات حركة الس?م العراقية وفي تهيئة الأجواء لانبثاق ثورة 14 تموز من خلال جبهة الاتحاد الوطني 1957. وبذلك ساهمن بنضالاتهن في إنضاج الظروف الموضوعية لانبثاق ونجاح الثورة وحماية مكتسباتها، وناضلن ضد الإرهاب والدكتاتورية وتعرضن الى الاعتقال والتعذيب والإعدام والتصفية الجسدية. وفيما يخصني ققد رشحتني الرابطة وبموافقة الحزب لتمثيلها في سكرتارية اتحاد النساء الديمقراطي العالمي لمدة سنتين وكان مقرها برلين (المانيا الديمقراطية سابقا) من 1955 – 1957 ومن ثم العودة الى الوطن للعمل الحزبي والديمقراطي، فكنت من المؤسسِات لجمعية تحرير ال?رأة والرابطة وعضوة في سكرتاريتها ولجنتها العليا الى المؤتمر الخامس. كما عملت في التنظيم الحزبي المحلي في بغداد، وفي اللجنة النسائية الحزبية، ولجنة الاختصاص للعمل الديمقراطي النسائي. وكان آخر موقع حزبي لي في السبعينات عضوية لجنة بغداد ومكتبها، وقد احترفت العمل الحزبي والحياة في البيوت الحزبية منذ 1953 الى السبعينات، ولا زلت أمارس عملي الحزبي والديمقراطي على قدر ما يسمح به العمر فأنا على عتبة العام السادس والثمانين.
أود أن أبدي بعض الملاحظات حول الاهتمام بالرفيقات في الحزب ورفع مستواهن الثقافي والفكري وإفساح المجال أمامهن لممارسة المهام القيادية في الهيئات الحزبية القيادية. بالنسبة للرفيقات المحترفات للعمل الحزبي والمختفيات واللواتي عشن في البيوت الحزبية كنّ يعملن كربات بيوت ويقمن بالنشاطات الحزبية ومساعدة الحزب في إيصال البريد الحزبي الى أية محافظة، ويعملن بكل جهد ودقة لصيانة البيت الحزبي والرفاق وممتلكات الحزب. أما النشاط الفكري والثقافي فإن لم يكن معدوما فهو ليس بالمستوى المطلوب. كذلك الرفيقات خارج البيوت الحزبية يقمن بتنفيذ مهمات الحزب التنظيمية وغيرها من الواجبات الحزبية لذا أن القلة القليلة من الرفيقات وصلن الى مراكز قيادية في الحزب أو الى مستوى ثقافي كالرفاق. في اعتقادي أن هذا الوضع أساسه فكري ناتج عن الموقف العام من المرأة وقضيتها والتمييز ضدها، وهذا الموقف منعكس على الرفاق ايضاً ومنذ تأسيس الحزب ولا يزال موجودا بدرجات متفاوتة، وهذا ما لاحظناه في المؤتمر التاسع للحزب في موقف بعض الرفاق من قضية كوتا النساء، لهذا أقترح على الحزب الاهتمام بهذه الناحية جديا وتشديد النضال الفكري ضد هذا التمييز، وهذا واجب الحزب ككل وإ?دى المهمات للجنة العمل الفكري وبرامجها الثقافية، وإفساح المجال أمام الرفيقات لممارسة العمل القيادي في مختلف المجالات وتشجيعهن على ذلك. وقد سبق وأن قدمت رسالة الى هذه اللجنة حول الموضوع، كما أقترح نشر المادة الخاصة بالمرأة في أول برنامج للحزب 1934 كذلك نشر البيان في 8 آذار المنشور في "القاعدة" 1944.