مدارات

أوكرانيا.. من مع من.. وضد من؟ / رشيد غويلب

وقع الرئيس الأوكراني وقادة المعارضة في كييف الجمعة (21 شباط / فبراير) على اتفاق أولي لإخراج البلاد من أزمتها. وتنفيذا للاتفاق صوت البرلمان الأوكراني لصالح العودة إلى دستور 2004 والحد من سلطات الرئيس.
وينص الاتفاق الأولي، الذي نشرته وزارة الخارجية الالمانية، ضمن امور اخرى على:

اعادة العمل بدستور 2004 في غضون 48 ساعة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية خلال عشرة ايام.
العمل فورا على ادخال اصلاحات دستورية من شأنها موازنة صلاحيات رئيس الجمهورية والبرلمان والحكومة، على ان تكون هذه الاصلاحات جاهزة قبل حلول شهر سبتمبر / ايلول المقبل.
اجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد اعتماد دستور جديد على ان لا تتأخر عن ديسمبر / كانون الاول 2014، كما سيصار الى اصدار قانون جديد للانتخابات.
اجراء تحقيق في اعمال العنف التي شهدتها البلاد مؤخرا تحت اشراف مشترك من قبل الحكومة الاوكرانية والمعارضة ومجلس اوروبا.
لن تفرض السلطات نظام الطوارئ، وتمتنع الحكومة والمعارضة عن اللجوء الى العنف.
تسليم الاسلحة غير القانونية الى الجهات المرتبطة بوزارة الداخلية.

وقد اطرت الدبلوماسية الغربية على الاتفاق معتبرة اياه اتفاقا شجاعا يمكن أن يخرج أوكرانيا من ازمتها، في حين وصفته قوى اليسار الاوروبي بالاتفاق الهش في اشارة الى اصرار القوى الفاشية على مواصلة العنف حتى اسقاط الرئيس الاوكراني.

يتوزع محتلو ساحة "الاستقلال" في العاصمة الأوكرانية كييف الى ثلاث مجموعات: معارضة برلمانية، مجموعات يمينية، وجمهرة ليبرالية. وتضم المعارضة البرلمانية الأحزاب الموالية للغرب : "الوطن الام" بزعامة ارزني ياتسينيوك ، التحالف الاوكراني الديمقراطي للاصلاح بزعامة فيتالي كليتشكو. وحزب "الحرية" الفاشي المعادي لروسيا، والموالي إلى حد ما للغرب، بزعامة اوليغ تياغنيبوك. تأسس حزب "الوطن الام" 1999 من قبل رئيسة الوزراء المعتقلة يوليا تيموشينكو، ويتبنى الحزب مواقف سياسية قومية، واقتصادية ليبرالية جديدة، وينتشر في الاساس في منطقة اوكرانيا الوسطى. وابرز ما انجزه الحزب، هو مساعدة حزب "الحرية" الفاشي، الذي كان محصورا فى المعاقل التقليدية للفاشيين في مناطق أوكرانيا الغربية: لفيف، ايفانو - فرانكيفسك، تشرنوبيل، من خلال التحالف معه في انتخابات 2012 على حصوله على حوالي 35 مقعدا في البرلمان، والانتشار على المستوى الوطني. اما حزب الملاكم السابق فيتالي كليتشكو، فتأسس بمساعدة مؤسسة كورنارد -آديناور التابعة للحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في المانيا، لغرض ايجاد حزب سياسي موالي للاتحاد الاوروبي، وبعيد عن قوى "الثورة البرتقالية" ، التي فقدت تاثيرها السياسي خلال الدورة التشريعية 2005 - 2010 ، وهذا ما اشره فوز حزب "المناطق" بزعامة رئيس الجمهورية فيكتور يانوكوفيتش .
ان جميع هذه الاحزاب احتفظت حتى اقتحام الشرطة لساحة الاستقلال بمخيمات صغيرة، مزودة باجهزة تكنيكية وبنية تحتية جيدة، يديرها موظفون محترفون، يعملون بنظام الوجبات، وينتقلون بين ساحة الاستقلال، ومناطق سكناهم في المناطق الاخرى. وتعود محاولة احتلال الادارات المحلية في المناطق الناطقة بالروسية في جنوب اوكرانيا لهذه المجموعات. وبشكل عام تطورت هذه المجاميع الحزبية يوما بعد آخر الى مليشيات. ونصبت نقاط تفتيش تضبط الداخلين الى الساحة من خلال المعرفة الشخصية، او بواسطة الهويات الشخصية.
وفي الايام الاولى خلال الفترة 21 30 تشرين الثاني 2013 كانت ساحة الاستقلال تحت سيطرة مجاميع ليبرالية سلمية، إنهم طلبة كييف، وابناء الطبقة الوسطى، كانوا يطالبون بالشراكة مع الاتحاد الاوروبي، وإشاعة الديمقراطية في اوكرانيا، ولكنهم كانوا لا يرغبون في التعامل مع الاحزاب السائدة. وتغير الوضع في الساحة بعد اول تدخل للشرطة في 30 تشرين الثاني، واصابة العديد من المتظاهرين بجروح واعتقال 30 منهم. وبعد هذا التاريخ سيطرت المعارضة البرلمانية على الساحة. ومع الخطب النارية، وعدم تحقيق نجاح في المفاوضات، تصاعد الغضب بين انصارهم. ومع مهاجمة المجموعات اليمينية المتطرفة بعد اسبوع من 19 كانون الثاني، بدت استقلالية مجاميع العنف اليميني واضحة للعيان. ويعود اعضاء هذه المجاميع الى مثيري الشغب قي ملاعب كرة القدم. وتخضع نوادي كرة القدم للنخبة البرجوازية. وينتمي الى هذا الوسط المتعاطفون مع الاحتجاجات من شرق اوكرانيا. ولاحتواء هذه الاوساط وسع الفاشيون مساحة اهنمامهم، فالى جانب معاداة روسيا، طوروا خطابا للناطقين بالروسية يستند الى التحريض والشعبوية، والديماغوجية الاجتماعية. والى جانب الكتلة اليمينية المتطرفة المعروفة نمت مجاميع فاشية غير معروفة الجذور، ومن الصعب وضع حدود فاصلة بين هذه المجاميع وحزب "الحرية" الفاشي الممثل في البرلمان.
ومازالت المجاميع الليبرالية موجودة في الساحة، يقدمون مساعدات للمحتجين مثل توفير امكانيات المبيت في منازلهم، ويجري توظيف وجودهم من قبل احزاب المعارضة، والاعلام الغربي، لإعطاء الاحتجاجات طابعا مدنيا، ويكثر تواجد هؤلاء في ايام نهاية الأسبوع، وبعد انتهاء اوقات الدوام، ولم يعد لهم تأثير على تحديد مسار الاحتجاجات.
ومن المفيد الاشارة الى ان الحزب الشيوعي الاوكراني كان قد اصدر بيانا، أدان فيه سلوك السلطة والمعارضة على حد سواء. ودعا إلى عدم إهمال أسس المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي تعمق الانقسام الاجتماعي، والتوزيع غير العادل للثروات العامة، والتي تعمق الفقر والتمييز، وهي في الواقع الاسباب الحقيقية للغضب الشعبي المتسع. ودعا الحزب ان الاستفتاء، الذي ترفضه السلطة، ومعارضوها يمثل الطريق السليم لحل المشاكل السياسية، والمناطقية، بين شرقي وغربي أوكرانيا، التي تعصف بالبلاد، ومادام هناك متسع للحوار، فعلى السلطة ومعارضيها الاسراع الى طاولة الحوار. وفي ختام البيان حدد الحزب جملة من الحلول الملموسة للازمة:
1- اجراء استفتاء عام بخصوص التكامل الاقتصادي مع البلدان الاخرى.
2- القيام باصلاح سياسي يلغي مؤسسة الرئاسة، ويعتمد نظام جمهورية برلمانية، مع إصلاحات واسعة لأقاليم البلاد المختلفة.
3- اعتماد قانون انتخابات جديد يعتمد النظام النسبي لانتخابات مؤسسات السلطة التشريعية.
4- انهاء الفوضى الادارية، واخضاعها لرقابة صارمة، وتشكيل رقابة شعبية، ذات صلاحيات للحد من سلطة السياسيين.
5- اصلاح الجهاز القضائي، واعتماد انتخاب القضاة، بدلا من تعيينهم.