مدارات

المخدرات تنتشر في أوساط الشباب ولا تدابير فاعلة / محمد علاء النجار

لم يكن القرار الذي اتخذه نصير وهو يقف مرتجفا بسبب آثار الإدمان، أمام الطبيب المعالج في مستشفى ابن رشد، سهلاً عليه؛ فبعد 13 عاما من الإدمان على الحبوب المخدرة، وبمعدل 50 حبة يوميا، قرر نصير التوقف عن التعاطي.
نصير في حديث الى "طريق الشعب" أمس الاثنين قال: إني "لم أفكر بترك تعاطي الحبوب في يوم من الأيام، على الرغم من أن سعر الشريط الواحد وصل الى 5 آلاف دينار، فقد صرفت الكثير من المال على شراء هذه الحبوب".
ويروي بداية تعرفه على الحبوب المخدرة، قائلا "بدأت حكايتي مع الحبوب المخدرة عندما كنت سجينا في أحد سجون بغداد عام 2000، ولجأت إلى الحبوب للهرب من الواقع الذي كنت أعيشه في السجن وعدم رؤية أهلي".
ويتابع بالقول "كانت الحبوب تأتي إلى السجن عن طريق الحراس، الذي كانوا يبيعونها إلى القنطرجي أي (شقي السجن)، وتأتي على شكل يسمى (الطلقة)، وتأتي عبر لفها بسلفون باكيت السكائر، ثم يقوم القنطرجي ببيعها لنا في داخل السجن، لكل سجين حبة تسمى (آرتين) التي كان سعرها في ذلك الوقت 250 دينارا".
ويردف "حين أتناول الحبوب اشعر بالارتياح الكامل، فأنا أقوم بتناول الحبوب في وقت الصباح لكي أصبح هادئا ومسالما ومرتاحا عند خروجي للسوق، وبتكرار هذه العملية أصبحت مضطرا إلى زيادة هذه الجرعات بين فترة وأخرى حتى صرتُ أتناول في اليوم الواحد 50 حبة".
ويواصل نصير حديثه "الآن وبعد 13 عاما من تناولي الحبوب المخدرة، أدمنتها فعند عدم تناولها اشعر بالاكتئاب الشديد وانهيار في الأعصاب، وليست لدي قدرة على تحمل من حولي من الأشخاص حتى عائلتي".
وعن الأسباب التي دفعته للتوقف عن تعاطي الحبوب المخدرة، يوضح نصير "قررت ان اترك هذه الحبوب وأصبح شخصا سليما، فقد كان لدي صديقان توفيا جراء تعاطيهم الحبوب التي سببت لهما تشمعاً في الكبد، ولي صديق آخر انتحر لأنه رغم تعاطيه كمية كبيرة من هذه الحبوب لم يعد يشعر بالراحة، فقد أصبحت الحبوب لا تؤثر فيه، لذلك قررت أن ارجع إلى رشدي وعقلي، لأن لي ابنا أصبح رجلا وعمره 12 عاما، فبدأت استحي من أطفالي وزوجتي وهم ينظرون إلى حالتي البائسة والضائعة".
من جهتها، تشرح مسؤولة ردهة في مستشفى ابن رشد، لم تشأ ذكر أسمها، أن "اغلب النساء المدمنات يكون إدمانهن عن طريق الأدوية المسكنة كالفاليوم والترامدول، والتي تعطى أثناء إجراء عمليات كبرى، ومن خلال استمرارهن في تناول مثل هذه الحبوب يحدث الإدمان، بسبب شعورهن بالارتياح وعدم الأخذ بإرشادات الطبيب".
وتضيف "تكون النساء أكثر من الرجال عرضة للانتكاس بعد فترة النقاهة التي يعطيها الطبيب للمريض، والرجوع إلى حالة الإدمان بعد الشفاء".
إلى ذلك، يقول مصدر مسؤول في مستشفى ابن رشد رفض الكشف عن أسمه، إن "إدمان المخدرات لا يقتصر على العراق فحسب، بل هو موجود في كل مجتمعات العالم، لان التجارة فيها هي تجارة عالمية، تقف وراءها مافيات وعصابات لها نفوذ واسع في المنطقة".
ويواصل المصدر حديثه لـ"طريق الشعب" أمس، أن "هنالك الكثير من حالات الإدمان تأتي بشكل مراجع كأي مريض عادي، لكن كتعاطي مخدرات بصورة عامة وبكافة تسمياتها لم نقابل مثل هذه الحالات رغم وجودها بالمجتمع"، مضيفا أن "هناك أنواعاً للإدمان؛ كالإدمان على الأدوية كالفاليوم والترامدول، والإدمان على الكحول، والإدمان على المخدرات الأخرى كالحشيشة، والأفيون، والمورفين".
وحول معالجة هذه الظاهرة، يرى أنه "لا يمكن الحد من ظاهرة الإدمان بسبب غياب التعاون بين مؤسسات الدولة للحد من هذه الظاهرة التي نسميها بلاء فتاكاً بالمجتمع. فهناك أسباب تدفع المدمن إلى تعاطي المخدرات كالبطالة والحالة المادية وأوقات الفراغ، وينبغي ان تتم معالجة حالات الإدمان في مركز علاج الإدمان ولا يمكن انجاز ناجح للمدمنين خارج المستشفى، لأن بيئة المدمن ونمط حياته هي جزء من الإدمان بالإضافة إلى الأسباب النفسية والاجتماعية التي يعيشها".
ويفصّل المصدر المسؤول طرق علاج الإدمان بأنها "تكون على نوعين؛ علاج دوائي كالأدوية، وعلاج تأهيلي، يتم بالتثقيف والتوعية وتشجيع المريض على كيفية احترام الذات، والعامل الأساس في ذلك هو الإرادة، أي أن تكون لدى المريض الذي يأتي للعلاج الإرادة على عدم تناوله الحبوب المخدرة بعد الشفاء منها".
من جانبه، يؤكد الدكتور واثق نعمة، اختصاصي أقدم في الطب النفسي في مستشفى ابن رشد، أن "العراق لم يعد محطة "ترانسيت" للمخدرات فحسب، وإنما تحول إلى منطقة توزيع وتهريب، وأصبح معظم تجار المخدرات يوجهون بضاعتهم نحو العراق، ومن ثم يتم شحنها إلى حيث تركيا والبلقان وأوروبا الشرقية، وإلى الجنوب والغرب، حيث دول الخليج وشمال أفريقيا".
ويختم نعمة حديثه مع "طريق الشعب" بالقول، إن "العراق يمتلك موقعاً جغرافياً مميزاً، وبفعل تردي ظروفه الاقتصادية والاجتماعية وضعف تدابيره الأمنية يصنف بحسب إحصاءات الأمم المتحدة ضمن قائمة المنافذ النشطة لتهريب المخدرات"، عازيا سبب زيادة حالات تعاطي المخدرات إلى "غياب الرقابة الحكومية وتزايد المشاكل الاجتماعية والنفسية في أوساط الشباب".