مدارات

محمد مكية: أوصيكم ببغداد .. أصغوا إليها وتأملوا لونها

بغداد – طريق الشعب

افتتحت امس السبت في بغداد احتفالية مئوية المعمار د. محمد مكية ، الذي يعتبر "شيخ المعماريين العراقيين" والذي يعيش منذ عقود في العاصمة البريطانية لندن.
وحضر حفل الافتتاح حشد من المعماريين ووجوه الثقافة العراقيين، ومن الشخصيات الرسمية والعامة والاعلاميين وغيرهم. وتصدر الحضور السيد حسين المرشدي وكيل امين بغداد. والقيت في الحفل كلمة الامانة، التي تجري الاحتفالية برعايتها، وقد القاها السيد حكيم عبد الزهرة، اعقبتها كلمة المعمار د. خالد السلطاني، وكلمة " مكتب ديوان العمارة" القاها رئيسه السيد محمد الاعسم، فكلمة رئيسة قسم الهندسة المعمارية في كلية الهندسة بجامعة بغداد د. صبا الخفاجي، واخيرا كلمة عائلة مكية، القاها د. حيدر مكية.
وبعد حفل الافتتاح عقدت في مجرى يوم امس جلستان مكرستان للدكتور محمد مكية وانجازه المعماري ودوره التأسيسي في الحياة المعمارية العراقية المعاصرة، ساهم فيهما العديد من المشاركين في الاحتفالية بتقديم دراسات ومداخلات وتعليقات.
ومن المقرر ان تستمر الاحتفالية اليوم بزيارة جامع الخلفاء ومباني كلية التربية ومكتبة الاوقاف وريجنت بالاس.
هذا وكان من ابرز وقائع حفل الافتتاح قراءة الرسالة التي وجهها المحتفى به د. محمد مكية الى المشاركين في الاحتفالية (ننشر نصها جوار هذا التقرير).

رسالة د. محمد مكية
الأعزاء والأحباء في بغداد الروح والوجدان والمعاني الكبيرة
إنه لشرف لي أن أخاطبكم.. وكم وددت لو أن هذه الأعوام المئة تعينني للوصول إليكم والاجتماع بكم والاستئناس بوجوهكم وكلماتكم..
بغداد أيها الأحبةُ جوهرة من جواهر العصر.. ربما تمرض.. تتعب.. تئن.. لكنها لا تشيخ.. فزمن المدن العظيمة مغاير لتفسيرنا للزمن..
المدن تمتلك روحها.. وهي روح يمكن تلمّسها.. شمها.. الشعور بها.. بكل مكان.
بغداد عزيزة وغالية.. عندما غادرناها مضطرين قبل عشرات من السنوات عرفنا ان شيئا من ذواتنا علق هناك على ضفاف دجلة.. في الأزقة.. والمقاهي.. والشناشيل.. والساحات..
عرفنا ان شيئا من بغداد كان معنا.. نما معنا كأبنائنا. كبرنا.. وشخنا.. وهذه المئة تمضي.. لكن ذلك الشيء، ذلك الجزء من بغداد لا يكبر.. لا يشيخ.. يتوحد بأحلامنا.. بلهجاتنا.. بطريقة تفكيرنا.. يتسلق جدران منازلنا.. يتحول الى شمس عراقية حانية ودافئة في أيام الشتاء القاسية.. والى نسمة من دجلة في أيام الصيف..
المدن تشارك فينا.. وتختم على أرواحنا بصمتها. لكن ليس كل المدن تفعل ذلك.. بعض المدن فقط.. وبغداد منها.
العمارة في جوهرها تنتمي الى تلك العلاقة الحميمية مع المكان والتاريخ والوظيفة والبشر.. ذلك المكان الذي يمنحنا جزءاً منه... يحتاج دائماً الى أن نفكر من اجله.. ان نبدع من اجله.. وان نفتخر بانتمائنا إليه..
من المؤسف أن بغداد تتعرض الى تشويه لذاتها وصفاتها منذ عقود.. من المؤسف ان العمارة لم تكن دائماً تنتمي الى تلك العلاقة الاصيلة مع النهر والضفة والروح الساكنة بينهما.
أوصيكم ببغداد.. استمعوا اليها.. أصغوا الى صوتها كثيرا.. ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل.. في دفق ماء النهر.. في الضحكات الصافية.. تأملوا لونها.. تجدونه في الطابوق.. في الخشب.. في زرقة الماء.. في سمرة الأهل.
«ديوان الكوفة» ينتمي الى بغداد.. بكل إرثه وتراثه والتاريخ الذي سجل فيه على امتداد عقود.. ولهذا أطالب بعودة ديوان الكوفة الى مكانه الطبيعي في بغداد.. ولأن السنوات المئة لا تسعفني للقيام بهذه المهمة بنفسي، كلفت ولدي العزيز كنعان مكيّة بالعمل معكم على هذا الامر.
لكم مني أيها الأصدقاءُ والأبناء والأحفاد كل المحبة والتقدير والعرفان.. اعتنوا ببغدادَ لتعتني بغدادُ بكم.. اعتنوا بالعراق الذي منحنا الكثير، رغم كل الأوجاع..
محمد مكية
4 نيسان 2014
لندن