مدارات

وصية هذا الشيخ الجليل عشية رحيله / غانم حمدون

إنها صورة البرفسور جبارعلوان و هو يصوت لقائمة "إتحاد الشعب" عام 2005 في أقرب محطات الإقتراع الى ولاية وسكانسن ألأميريكية، حيث عاش منذ تقاعده. وما كان بوسعه، وهو الشيخ كليل البنية،ان يصل الى تلك المحطة بالسيارة على طريق طوله 150 ميلا محفوف بثلج الشتاء، سوى برفقة إبنه البرفسور ليث، الذي نراه في الصورة حاملا أصغر أبنائه الثلاثة، لأن أمه في مدرستها.
في عام2010 كان الحفيد قد اصبح تلميذا في حمى مدرسته، فلم يسمع لعنات جده الشيخ في محطة الاقتراع، وهو يوجهها الى أسياد مفوضية المحاصصة الذين حرموا جده وأباه والوفا مثلهما من حق التصويت، بذرائع مجحفة. يريدون إدامة نظامهم الذي أوصل عراقنا الى مصاف البلدان الأكثر فسادا في دولة فاضحة الفشل.
وفي هذه المرة انتخابات 30 نيسان 2014 ، كان البروفسور جبار وابنه البروفسور ليث سيقترعان للتحالف المدني الديمقراطي في محافظة واسط، حيث ولد الأب، لو لم يباغته السرطان الخبيث كما باغت رفيقة حياته قبل سنوات، غداة تخرج وحيدها الحبيب ليث. وهكذا حُرم جبارمن التصويت لمن يرشحه الحزب، الذي مال اليه وهو تلميذ في السادس الابتدائي بفضل مرشد زراعي يساري عين في النعمانية. ورافقه هذا الميل الى المرحلة المتوسطة في الكوت، والى الاعدادية المركزية في بغداد، ثم الى الجامعة الامريكية في بيروت, حيث التقينا كصديقين للحزب. ثم غادر لمواصلة الدراسة في كاليفورنيا، حيث اقترن بطالبة ماركسية رسّخت يساريته ورافقته بعد التخرج الى بغداد، حيث عانت معه ضنك العيش في أوائل الخمسينات. ثم عادا الى امريكا بعد سنوات قليلة، حين منحه البنك المركزي زمالة دراسية.
بعد فشل علاج صديقي باحدث علاجات السرطان، والذي كلف الضمان الأجتماعي في جامعته 92 ألف دولار، أيقنت أنه بات قريب الرحيل. فأكثرت من مهاتفته لأروّح عنه من عذاب اليأس وأوجاع البدن. ثم تفاقم مرضه حتى نال من صوته، وفي آخر مكالمة معه قال بصوت كالأنين الخافت: غانم، اشكرعني كل من يعمل لأنقاذ شعبنا، وخاصة رفاقك الشيوعيين.
بعد يومين هاتفني ليث ونقل لي الخبر المحزن: يؤسفني ان أخبرك بوفاة أبي الحبيب وأعز اصدقائي وقدوتي في الحياة. لا أدري كيف سأعيش بدونه، لكن عندي أسرة يجب الإهتمام بها.كان يعتبرك أعزأصدقائه يا غانم .