مدارات

الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة العاملة في البلدان العربية وسماته الاساسية / د . صالح ياسر

عند الاخذ بنظر الاعتبار طبيعة المرأة والموقع في التقسيم الاجتماعي للعمل الذي فرض عليها عبر التاريخ، فانه يمكن القول ان مساهمتها في عملية العمل وحصولها على دخل لقاء ذلك متمثلا بالاجر هو بمثابة الاساس لانطلاقها نحو تحررها الشامل. ولهذه النقطة اهمية حاسمة اذ ان ذلك يخلق الشروط الاولية لتنمية الذات والشعور بضرورة المساواة والكفاح من اجل تحقيق ذلك، ومن جهة ثانية فان عمل المراة سيتجسد بزيادة الانتاج المجتمعي ودخل الاسرة وزيادة الرفاه الاجتماعي ضمن ظروف معينة.

السمات الاساسية لاوضاع المرأة العاملة في البلدان العربية

السمة الاولى: "تأنيث البطالة"- ضالة نسبة النساء العاملات في اجمالي قوة العمل في العالم العربي، وتنامى البطالة في اوساطهن
سجلت المنطقة العربية أدنى معدّل للمشاركة في القوى العاملة بين جميع مناطق العالم، ومن بين اسباب ذلك انخفاض مشاركة المرأة. ورغم ارتفاع عدد النساء العاملات في البلدان العربية من ما يقارب السبع ملايين عاملة في اوائل السبعينات من القرن العشرين الى حوالي حوالي 9 ملايين عاملة في اواخر الثمانينات، كما أن بعض الدول العربية شهدت زيادة في معدل المشاركة في القوى العاملة النسائية في العقدين الماضيين (1)، الا ان نسبهن الى مجموع قوة العمل ظلت تتراوح بين 22.8% في عام 1990 و 29.0% في عام 2010 (2) وان تفاوت من بلد لاخر، حيث نجد انه في بعض الدول العربية لا يزيد معدل مشاركة المرأة في قوة العمل عن 20% فمثلا بلغ هذا المعدل في اليمن 12.1%، والإمارات 14.5% ، وقطر 14.7% ، وسوريا 15.1 %، و السعودية 15.5%، والجزائر 17.0% (3). هذا مقابل متوسط عالمي يصل إلى حوالي الـ 60%.
وبينما أحرزت المنطقة العربية تقدّماً في التحصيل العلمي للذكور والإناث على حد سواء (وان تفاوتت نسب ذلك من منطقة لاخرى)، فان المكاسب المحققة في هذا المجال لم تنعكس آثاراً إيجابية على مشاركة المرأة في القوى العاملة بشكل ملحوظ. فالفقر، وتعثر التنمية الريفية، وانتشار النزاعات المسلحة، والتمييز في القوانين، وانتشار التقاليد المحافظة كالزواج المبكر، جميعها من العوامل التي تعوق انخراط المرأة في الشأن العام، ولا سيما في سوق العمل مما يشكل هدرا كاملا لطاقات ومكامن القوى البشرية القادرة على العمل في العالم العربي الذي يتمثل بضعف استثمار وتوظيف الموارد الذي يعد ذا أهمية كبرى بالنسبة للدول (4).
وتبلغ بطالة الإناث حداً غير مقبول من الارتفاع في المنطقة العربية بالمقارنة مع المتوسط العالمي. فمعدل بطالة الإناث في المنطقة يقارب الـ 19 في المئة بينما لم يتجاوز المتوسط العالمي 6.2 في المائة في عام 2011 (5).
ويبدو ايضا ان هناك اتجاها لـ "تأنيث البطالة". ويشير احد تقارير منظمة العمل العربية الى ان بطالة النساء تتراوح بين ضعفين إلى 4 أضعاف بطالة الرجال، مما يؤثر سلباً في معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة في البلدان العربية (6).
وبالمقابل افاد التقرير الدوري لمنظمة "الاسكوا" الصادر في عام (2013) وتحت عنوان: "المسح الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية 2012 / 2013"، ان الدول العربية سجلت أكبر نسبة بطالة بين النساء في العالم، إذ يمثّلن 40% من مجموع العاطلين من العمل، مقابل 25% من القوى العاملة، وذلك على الرغم من انخفاض مستوى مشاركتهن الاقتصادية (7). هذا مع العلم ان نسبة القوى العاملة للنساء الى اجمالي القوى العاملة في دول آسيا الشرقية والباسفيك بلغت 70 بالمائة وجنوب آسيا 43.6 وفي أمريكا الجنوبية ودول الكاريبي 42 بالمائة.
وفي بعض البلدان يلاحظ ان نسبة عالية من النساء العاطلات عن العمل هن من حملة الشهادات الجامعية فما فوق. فمثلا هناك في السعودية اكثر من 78 في المئة من اجمالي النساء العاطلات عن العمل هن من حملة الشهادات الجامعية، حيث تواجه عشرات الآلاف من المواطنات تحدي الحصول على فرص عمل في مجتمع محافظ ينفق مليارات الدولارات على التربية والتعليم للإناث، في حين يبقى سوق العمل بعيدا عن متناولهن. وبالرغم من ان نسبة الأمية تراجعت الى اقل من 30 في المئة وارتفع عدد الاناث الى ثلثي عدد الجامعيين في السعودية، فان مشاركتهن في سوق العمل لا تتجاوز27 في المئة من القوى العاملة. اما في مصر فتشير البيانات الصادرة عن مكتب منظمة العمل الدولية بشمال افريقيا إلى ان المرأة العاملة تمثل 23 في المئة من حجم سوق العمل، وان نسبة البطالة بين النساء تصل الى اربعة اضعاف الرجال.
وفي الوقت نفسه تواجه النساء عوائق تحول دون دخولهن سوق العمل، وهي عوائق بنيوية (إعادة الهيكلة، الركود الاقتصادي، استثمارات محلية وأجنبية محدودة، إضافة إلى النزاعات والحروب). في حين يعزو أحمد محمد لقمان مدير منظمة العمل العربية ذلك إلى أسباب اجتماعية وثقافية، وهنا يضيف لقمان موضحاً: "هناك أسباب اجتماعية وثقافية ومجموعة من التقاليد التي لا تزال تتحكم في المجتمعات العربية وتحد من دخول المرأة العربية إلى السوق العمل" (8).
إضافة إلى هذه الأسباب الثقافية فإن هناك مشكلة أخرى تطرح نفسها بقوة، وتتمثل بالخلل الحاصل بين تشجيع المرأة العربية على التعليم من جهة ورفضها في سوق العمل من جهة اخرى.

السمة الثانية: ما زالت نسبة كبيرة من النساء العاملات تعمل في قطاعي الزراعة والخدمات

تشير المعطيات الاحصائية الى ان الاتجاه الاهم في التوزيع القطاعي لقوة العمل في المنطقة العربية هو تنامي حصة قطاع الخدمات في اجمالي قوة العمل في البلدان العربية من 47.3% عام 1995 الى 60.8% عام 2010، يلية القطاع الزراعي ثم قطاع الصناعي. وهذا يعني ان حوالي 83.1% من قوة العمل في البلدان العربية تتركز في قطاعي الخدمات والزراعة (9) .
اما بالنسبة للتوزيع القطاعي للنساء العاملات فان قطاع الخدمات (السياحة، التأمين، المصارف، الخدمات الصحية، والاتصالات .....) ياتي في المرتبة الثانية لمجموع البلدان العربية بالنسبة للنشاط الاقتصادي للنساء العاملات في العالم العربي، في حين تمثل قطاعات الصناعة والبناء والتشييد وغيرها نسبا متدنية جدا لاشراك المرأة. وهذا يعني ان نسب اشتراك المرأة في قطاعات الانتاج المادي (عدا الزراعة) متدنية جدا، اذا ما قورنت بنسبة اشتراك الرجال، بينما تستقطب قطاعات الخدمات والزراعة الاغلبية الساحقة من النساء العاملات في البلدان العربية عموما، وان تفاوت ذلك من بلد لاخر.
هذا مع العلم ان القطاع الخدمي يشغل 60.8% من إجمالي القوى العاملة على مستوى الدول العربية- كمجموعة- في عام 2010، وتتراوح هذه النسبة على مستوى الدول العربية فرادى بين 83.7% إلى 86.7% في مجموعة من الدول العربية تشمل قطر والكويت والأردن والسعودية، وبين 70.8% إلى 75% في مجموعة من الدول العربية منها العراق والبحرين والجزائر وليبيا (10).
من المفيد الاشارة الى ان حصة المرأة لا تتجاوز العشرين في المائة من الأعمال المدفوعة الأجر خارج القطاع الزراعي، اما على الصعيد العالمي فقد ارتفعت حصة المرأة في الأعمال المدفوعة الأجر خارج القطاع الزراعي ببطء من 35 إلى 40 في المائة، قابلها في المنطقة العربية انخفاض هذه الحصة في الأعوام العشرين الماضية. وفي بلدان مجلس التعاون الخليجي وبلدان المغرب، سجلت حصة المرأة في الأعمال المدفوعة الأجر خارج القطاع الزراعي زيادة طفيفة بينما تراجعت في أقل البلدان نمواً وفي بلدان المشرق.
هذا مع العلم ان القلة من النساء اللواتي يجدن فرصة عمل مقابل أجر، لا يكون عملهن في ظروف متساوية مع الرجل. فالمرأة تتقاضى في المتوسط أجراً أقل من الرجل على العمل نفسه. ففي قطاع الصناعة التحويلية، يتراوح أجر المرأة بين 79 في المائة من أجر الرجل في سوريا، و 68 في المائة في الأردن، و 66 في المائة في مصر، و 50 في المائة في فلسطين (11). ولا يزال فارق الأجور بين الجنسين منافياً لمبدأ عدم التمييز وعاملاً هاماً من عوامل استمرار الإقصاء في مجتمعات البلدان العربية. وتُلاحظ فوارق بين الجنسين أيضاً في توزيع الوقت، إذ تفضل المرأة العمل بدوام جزئي أو مزاولة أعمال أقل أجراً بسبب ما تتحمله من مسؤوليات الرعاية في المنزل.
وما ينبغي الاشارة اليه هنا هو ان الملاحظات السابقة لا تكشف لنا عن المجهود الذي تبذله المرأة العاملة خصوصا في البلدان التي يتميز قطاعها الزراعي بالملكية الصغيرة الفردية، حيث تكاد تعمل كل النساء بما فيهن الصبايا والمسنّات في مزرعة العائلة دون اجر وبظروف قاسية. فالنسبة الاكبر من النساء يعملن لساعات طوال، ولكنه عملهن غير موجه ولا يحصلن على مردود يتناسب مع الجهد المبذول، كما ان هذا الجهد لا يصب في المجهود التنموي العام بشكل منظم.

السمة الثالثة:انحسار النشاط الاقتصادي للنساء العاملات بشكل رئيسي في مهن معينة

بداية، لا بد من الاشارة الى ان المعطيات الاحصائية تشير إلى أن مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي في العالم تختلف من منطقة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى، حيث تعمل المرأة حوالي 44% من إجمالي ساعات العمل في إفريقيا عمومًا، وذلك راجع لعملها الرئيسي في الزراعة والخدمات، كما أن المرأة في إفريقيا لا تسهم سوى بنسبة 17% من إجمالي ساعات العمل في الصناعة، أما في أمريكا اللاتينية فإن مساهمة المرأة أقلّ كثيرًا حيث لا تتجاوز نسبة 28% من إجمالي ساعات العمل، وأن أكبر مساهمة لها في قطاع الخدمات، أما في آسيا فإن المرأة تسهم بحوالي 36% من مجموع ساعات العمل، وتتساوى مساهمتها في الصناعة والخدمات والزراعة مع مساهمة الرجل.
وفيما يخص العالم العربي فإن الأرقام تشير إلى أن المساهمة الاقتصادية للمرأة هنا لاتزال منخفضة مقارنة ببقية مناطق العالم، حيث تبلغ تلك المساهمة في ساعات العمل في المتوسط حوالي 20%، وإن كانت هذه البيانات لا تعكس المدى الحقيقي لمشاركة المرأة في البلدان العربية في النشاط الإقتصادي، وذلك لسببين أساسيين هما (12):
1. هناك حوالي 60% من إجمالي الأيدي العاملة النسائية في ريف البلدان العربية يعملن في الزراعة لحساب أسرهن بدون أجر، وأن هذه النسبة ترتفع في دول مثل المغرب لتصل إلى 84%، وفي تونس إلى 74%، أما في سوريا فإن ما يقرب من 40% من النساء العاملات في القطاعين الريفي والحضري عاملات بدون أجر مباشر.
2. الأمر الاخر أن طبيعة عمل المرأة في الدول النامية عامة وفي الدول العربية خاصة تختلف عنها في البلدان المتطورة، والتي تتوفر لدى المرأة فيها الأجهزة التي تسهل عليها الأعمال الشاقة، وأيضًا يمكنها من شراء سلع إستهلاكية وخدمات تتضمن بالفعل الكثير من مراحل الإعداد السابقة التي يتعين على المرأة في العالم العربي أن تؤدِّيها بنفسها فيما يعرف بالتصنيع المنزلي والصناعات اليدوية. وإذا اخذنا في الحسبان كل الأعمال التي تقوم بها المرأة في البلدان العربية سواء بأجر مباشر أو بأجر غير مباشر يذهب لصالح الأسرة كلها سنجد أن معدَّل مشاركتها في الأنشطة الاقتصادية، وخاصة في الريف، تصل إلى حوالي 70%.
باستثناء قطاعَيْ التعليم والصحة اللذين يتلاءمان والدور المنوط بالمرأة في مجتمعات تهيمن فيها العلاقات البطرياركية، يبقى التمييز بين الجنسين في المحيط المهني هو القاعدة، بل ويُعدّ في بعض الحالات قاعدة إلزامية !
ورغم القفزة الهائلة التي حصلت في مستويات التعليم في المنطقة العربية، فإن نسباً مرتفعة من الأمية نجدها في اوساط النساء، حيث تبلغ الامية بين الاناث البالغات 36.5% (عام 2009) مقارنة بنسبة الامية في اوساط البالغين من الذكور والتي بلغت 27.3% في العام نفسه (13).
ومن الملاحظ أن عمل النساء في العالم العربي، ينحصر في عدد محدود من المهن التي تقع في درجات متفاوتة من السُّلَّم الوظيفي، حيث تشير البيانات إلى أن أكثر من ثلثي النساء يعملن في القطاع الزراعي، والثلث الباقي يعملن في مهن مثل: الطب والهندسة والتعليم والإدارة والوظائف الفنية، كما لا يوجد سوى نسبة 12% منهن يعملن في قطاع الإنتاج والمبيعات. ثم ان هناك بعض المهن تهيمن عليها النساء مثل التمريض والخدمة الاجتماعية (68% بالنسبة للتمريض و40% للتدريس)، بل إن 50% من خريجي كليات الصيدلة والتمريض من النساء. وفي مقابل ذلك يتضاءل نصيب المرأة في قطاع التصنيع في المنطقة العربية (14)، ويكاد ينعدم في المجال العسكري. اما في قطاع الصناعة فان الملاحظ أن المرأة العاملة في البلدان العربية يتركّز وجودها في بعض الصناعات، مثل صناعة الملابس الجاهزة والمنسوجات، حيث تصل نسبة شغل النساء للوظائف في بعض المصانع إلى 60%، فيما يعرف "بتأنيث" بعض الصناعات في البلدان العربية. كذلك هناك "تأنيث" لبعض قطاعات العمل مثل تركز النساء في القطاعات الحكومية وبخاصة في المهن الكتابية وأعمال السكرتارية.
وفي دراسة لمنظمة الأسكوا (المنظمة العربية للعلوم والتكنولوجيا)؛ حول عمل المرأة تبيَّن أن نسبة كبيرة من النساء يعملن في القطاع غير الرسمي (غير المُسَجَّل) المُوَلِّد للدخل مثل الإنتاج المنزلي (حياكة الملابس - المصنوعات اليدوية المنتجات الغذائية… إلخ)، كما أن 80% منهن ينتمين إلى الطبقات ذات الدخل المنخفض والتي ترتفع فيها نسبة الأمية (15). ووفقا لدراسة أجرتها منظمة العمل العربية على حوالي 13 مدينة عربية فقد تبين "إنّ نسبة عمل المرأة في الاقتصاد العشوائي غير المنظم (غير المهني) بلغت 36,1 في المئة في تونس، و56 في المئة في المغرب، و25 في المئة في الجزائر، و43 في المئة في مصر" (16).
وتجنبا لاي التباس ينبغي التاكيد هنا على ان ثمة فوارق كبيرة بين المناطق والبلدان العربية المختلفة فيما يتعلق بحجم مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية الاجتماعية، وبالتالي في التنوع الكبير للمشكلات التي تواجهها النساء، ولكن هناك قضايا مشتركة بين جميع العاملات في العالم العربي من بينها انظمة التعليم والتاهيل القائمة التي لا تمكن المراة العاملة من التنافس مع الرجل على قدم المساواة في سوق العمل. كما ان للمرأة امكانية محدودة في الحصول على موارد انتاجية بضمنها القروض والتكنولوجيا المناسبة والخدمات التنموية والاراضي الخصبة. هذا اضافة الى ان النساء تشكلن غالبية العمال المحرومين من اية مظلّة اجتماعية لأنهن يعملن اساسا في القطاع الزراعي، وغالبا ما يكنّ غير منظمات في مواقع العمل ومستوى تمثيلهن في النقابات وغيرها من المنظمات العمالية منخفض، مما يحد من امكانيات تحقيق مطالبهن وتحسين أوضاعهن. كما تنعدم ظروف العمل المناسبة من الناحية العملية (ساعات عمل مرنة او خدمات لرعاية الاطفال في مواقع العمل، او العمل لساعات محددة) لمساعدة المرأة على التوفيق بين تربية الاطفال والاعباء المنزلية الاخرى وعملهن خارج المنزل.

السمة الرابعة: ضعف مساهمة المرأة في الحياة الاقتصادية، و تفاقم الفجوة بين الجنسين في مجال التوظيف والأجور عن الأعمال المتساوية

تشير العديد من الدراسات الصادرة في البلدان العربية الى العقبات التي تواجه النساء في إطار التوظيف والمشاركة الإقتصادية بشكل عام وأهمها العادات والتقاليد التمييزية، والتشريعات الوطنية خاصة قوانين العمل التي تفرق بين الجنسين من حيث الوقت والأجور وتقييد الحركة والعنف والتحرشات الجنسية خاصة في أماكن العمل ، والتي تعمل أيضاً على الحد من وصول النساء الى المناصب العليا.
إن إرتفاع مستويات التعليم بين النساء لم تنعكس بشكل إيجابي على مشاركتهن الإقتصادية وهذا ما أكده التقرير العالمي لسد الفجوة بين الجنسين للعام 2013 والذي صدر بتاريخ 26/10/2013 عن المنتدى الإقتصادي العالمي، حيث لا زالت الدول العربية تقبع في ذيل القائمة، فجاءت الإمارات في المركز الـ 109 والبحرين في الـ 112 وقطر في الـ 115 والكويت في الـ 116 والأردن في الـ 119 وسلطنة عمان في الـ122 والسعودية في المركز 127 ، كما احتلت لبنان الترتيب الـ 123 والجزائر الـ 124 ومصر الـ 125 والمغرب الـ 129 وسوريا الـ 133 واليمن الـ 136 (17).
ومن جانب آخر تشير المتغيرات المختلفة المتعلقة بالمرأة العاملة في البلدان العربية بشكل عام إلى صورة مغايرة تماما لواقع المرأة العاملة في العالم حيث تظهر المسوحات والإحصاءات المتعلقة بمساهمة المرأة في البلدان العربية في النشاط الاقتصادي أن هذه المساهمة لا زالت محدودة جدا حيث تتراوح المعدلات المسجلة ما بين (3.6%) في بعض البلدان العربية و (14%) في بلدان أخرى وهذا يعني أن متوسط المعدل العام لمساهمة المرأة على مستوى العالم العربي لا يزيد عن (9%) وهذا المعدل يعتبر متدنيا جدا عند مقارنته بمعدل مساهمة النساء في "العالم الثالث" على سبيل المثال والذي يصل إلى حوالي (26%) وفي الدول المتقدمة يزيد على (40%) مما يدلل على على تدني وتواضع دور المرأة العاملة في الحياة الاقتصادية (18).

السمة الخامسة: ضعف مشاركة النساء في العمل النقابي والسياسي

على الرغم من بعض المكتسبات التي حققتها المرأة في بعض البلدان العربية بفعل كفاحها المثابر، الا ان التمييز القائم على اساس الجندر، لا زال عائقا أمام مشاركة المرأة في عملية اتخاذ القرار.
فالمرأة في المنطقة العربية غير ممثلة بالقدر الكافي عموماً في المناصب العليا في التشريع والإدارة. ففي معظم البلدان العربية فلا تتجاوز حصة المرأة من هذه المناصب عن 10 في المائة، وتنخفض إلى 2 في المائة في اليمن. في حين على الصعيد العالمي، تشغل المرأة متوسطاً قدره 25 في المائة من المناصب الإدارية العليا، وهذا المعدل على انخفاضه يبقى أعلى مما هو عليه معدل تمثيل المرأة في المنطقة العربية (19).
ومن المفيد الاشارة هنا الى انه وبسبب ضعف مساهمة المرأة ومشاركتها في النشاط النقابي وضعف دورها في المواقع القيادية النقابية بشكل عام فقد قاد ذلك إلى ضعف دورها السياسي في البلاد العربية.
ويرجع بعض المهتمين سبب محدودية المشاركة السياسية للمرأة في البلدان العربية عموما وفي منطقة الخليج خصوصا الى طبيعة النظم السياسية الحاكمة. فهذه النظم على الرغم من انها وبسبب الطفرة النفطية تبنت ادخال الإصلاحات الاجتماعية مثل تعليم المرأة وتشجيعها على العمل الا انها - أي هذه النظم- وبسبب طبيعتها القبلية وحاجتها الى تحالفات القوى الاجتماعية والسياسية المحافظة من اجل بقائها في السلطة لا تستطيع تجاوز بعض "الخطوط الحمراء" في خطواتها الاصلاحية حتى لا تتهم بالخروج عن الدين وبالتالي تخسر حلفائها التقليديين الذين تعتمد عليهم وقت حدوث الازمات (20).
*****
واخيرا لا بد من الاشارة الى ان الكثير من الدراسات حول مكانة المرأة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي مكانتها في المجتمع تتبع منهجا وصفيا يروى لنا بعض الحقائق والاقوال والاراء، والمفاهيم وغيرها، غير ان منهجا كهذا لا يفسر لنا لماذا هذه المكانة بالذات. وحين تنزع بعض تلك الدراسات الى المنهج التحليلي نجد ان تحليلها يأتي مثاليا، يتجاهل البنى الاجتماعية وعمليات الانتاج وتقسيم العمل الاجتماعي.
ان قضية المرأة عموما وقضية المراة العاملة خصوصا هي قضية مجتمعية في اساسها. ولهذا يمكن القول ان ضعف مساهمة المرأة في عملية العمل هي نتيجة مباشرة لطبيعة البنى والتشكيلات الاقتصادية الاجتماعية السائدة في بلداننا العربية وطبيعة تقسيم العمل السائد فيها و الذي يعمل على اعادة انتاج السيطرة الذكورية وتعزيز الموروثات التمييزية ضد المرأة.
ولا ننسى هنا دور وسائل الإعلام المختلفة وبالاخص المرئية والمسموعة في ترسيخ الصورة النمطية للمرأة حيث تبرزها في دور الإنسان الضعيف المستكين أو تحد من الأدوار التي تلعبها في المجتمع فتركز على دور المرأة كأم ومربية ومسؤولة عن المنزل وتهمل أدوارها الأخرى في الحياة الاجتماعية العامة. كما ان العامل الاقتصادي يؤثر على مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، اذ كلما اقتربت المرأة من خط الفقر ازداد انشغالها بتأمين لقمة العيش لأسرتها وانخفض وعيها بأهمية دورها في المجتمع وبالتالي قل اهتمامها بالمشاركة السياسية
ومن هنا فان تغيير مكانة المرأة وموقعها في التقسيم الاجتماعي للعمل مرتبط بتغيير هذه المتغيرات. ان هذه الاطروحة على بساطتها، تقدم لنا المفتاح لرؤية سليمة لقضية المرأة، والنظر اليها ليس بشكل منعزل (قضية نسائية) بل على العكس كونها بمثابة جزء لا ينفصل عن قضية المجتمع وقضية التحرر والتقدم الاجتماعي بشكل عام.
ولهذا وجب القول بان الوضع الخاص للمرأة بشكل عام، والمرأة العاملة بشكل خاص وموقعها في السلم الاجتماعي ليس ناشئا عن اسباب بيولوجية، كما يردد البعض، ولا عن التقاليد والعادات الموروثة التي تمنع المرأة من التحرر والمشاركة في العمل والحياة الاجتماعية على الرغم من اهمية هذه العوامل، انما هذا الوضع ناجم بالاساس عن البنى الاقتصادية الاجتماعية السائدة التي خلقت هذا الوضع للمرأة وكرست اضطهادها، لا من قبل الرجل كرجل بل من قبل المجتمع وعلاقات الانتاج السائدة فيه، وفي طبيعة وبنية السلط السياسية واعادة الانتاج الاجتماعي عموما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) International Labour Organization (and UNDP (2012). Rethinking Economic Growth: Towards
Productive and Inclusive Arab Societies. Beirut: ILO.
(2) لمزيد من التفاصيل قارن: صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2012، الملاحق الاحصائية، الجدول رقم 2/17، ص 340.
(3) لمزيد من التفاصيل انظر: التقرير العربي الثاني للتشغيل حول التشغيل والبطالة في الدول العربية، القاهرة 2010، ص 49.
(4) ESCWA (2012), Addressing Barriers to Womens Economic Participation in the ESCWA Region.
E/ESCWA/ECW/2012/1.
(5) ILO )2013(. Global Employment Trends 2013. Geneva: ILO.
(6) التقرير العربي الثاني...، مصدر سابق،، ص 55.
(7) ورد على الرابط التالي:
http://m.alrai.com/article/612958.html
(8) منظمة العمل العربية: «أكثر من 20 مليون عربي عاطل عن العمل». متاح على الانترنيت على الرابط التالي:
http://www.dw.de/%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-20-%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D8%B7%D9%84-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84/a-16257651-1?maca=ara-rss-ar-all-1125-rdf
(9) صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2012، الملاحق الاحصائية، الجدول رقم 2/17، ص 340.
(10) لمزيد من التفاصيل انظر: منظمة العمل العربية، التقرير الثاني حول التشغيل والبطالة في الدول العربية، القاهرة 2010، ص 37.
(11) UNSD (2012). National Accounts Database. Available from http://unstats.un.org/unsd/snaama/
Introduction.asp. Accessed 26 February 2013.
(12) قارن: عواطف عبد الحميد، عمل المرأة العربية.. إشكالية مزمنة رغم الإقرار بالمساواة .. الواقع شئ آخر، الحوار المتمدن، العدد 932 بتاريخ 21/8/2004.
(13) المصدر: صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2012، الملاحق الاحصائية.
(14) تشير المعطيات الاحصائية الى ان نسبة النساء العاملات في القطاع الزراعي في منطقة الشرق الاوسط خلال الفترة 2000 - 2011 تتراوح بين 12.6% و 13.1% من اجمالي القوة العاملة مقارنة بـ 20.4% و 22.1% على المستوى العالمي لنفس الفترة. لمزيد من التفاصيل قارن:
International Labour Organization, Global Employment Trends 2012,Preventing a deeper jobs crisis. GENEVA, 2012, Table A10, p 98.
(15) http://www.felixnews.com/news-6245.html
(16) http://www.alwasatnews.com/2028/news/read/285778/1.html
(17) لمزيد من التفاصيل قارن: العادات والتقاليد والقوانين التمييزية تحدّ من عمل النساء. اعداد تهاني روحي. متاح على الانترنيت على الرابط التالي:
http://www.eremnews.com/?id=29246
(18) د. حـيــدر رشـيــد، أهمية التدريب النقابي للمرأة العاملة ودوره في تطبيق التشريعات العمالية. متاح على الرابط التالي: http://kenanaonline.com/users/ahmedkordy/posts/406340
(19) قارن: التقرير العربي للأهداف الإنمائية للألفية- مواجهة التحديات ونظرة لما بعد عام 2015، اصدار الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، مصدر سابق، ص 24. متاح على الرابط التالي:
.http://web.escwa.un.org/sites/arabmdg1
(20) باقر النجار، التحديات التي تواجه المشاركة السياسية للمرأة الخليجية، ورقة مقدمة لمؤتمر المستقبل السياسي للمرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، الكويت 22-24 ديسمبر 2001، ص 5 ولاحقا.