مدارات

مع المسيرة الثورية - الخطوات الاولى..تاجر فاشل.. ونضال...لم يتوقف (27) / الفريد سمعان

قبل عام 1956 حيث هاجم الحلفاء.. حلفاء الاستعمار فرنسا وانكلترا مع الحليفة الوفية اسرائيل مصر وتساقطت القنابل على بور سعيد ومدن السويس.. وقتل الالاف.. وما جرى وعلى المستوى الشخصي..
ونتيجة للاستغناء عن خدماتي لدى التجار كلما تعرضت للتوقيف والاعتقال.. قررت ان استقل بعملي واستفيد من الخبرة التي اكتسبتها اثناء وجودي معهم.. واستقر الرأي على عمارة التميمي واستأجرت محلا بثلاث واجهات.. وتضامناً معي تبرعت المرحومة أم شروق بذهبها.. بعناه.
وهيأنا المعارض وعن طريق حملات شقيقي المرحوم حبيب سمعان الذي كان يعمل في المصرف العثماني.. مع التجار توفرت لنا بعض البضائع مثل الراديوات والساعات.. والطباخات.. والدراجات الهواية والمراوح وفتحت حساباً في المصرف- تأكيداً على دخولي من دائرة التجارة.. والمتاجرة..
وانطلاقاً من ثقتي بالعمال والفقراء ولتسهيل حصولهم على ما يتواجد لدي قررت البيع بالاقساط وهذا ما دعا الكثيرين للشراء. وقلت لنفسي.. سوف تنتهي الازمة- والبطالة المنقطعة.. وتقاطع المحل.. العديد من الناس من المعارف وسواهم بكفالات متهافتة ولم تمض سوى بضعة شهور وبدأت الاقساط تتعر وتزداد مطالبة التجار.. والمجهزين بتسديد الكمبيالات ووقعت بأحراجات كثيرة..
وفي نفس الوقت كان المحل ملتقى لبعض الرفاق حيث يتبادلون الاحاديث والرسائل.. ويمارسون انشطتهم الحزبية من خلال اللقاءات العابرة وتحت ظل البيع والشراء.. ولم تنقطع (زيارات) رجال التحقيقات حيث كانوا يقومون باعتقالي من (باب المحل) لان الامر اكثر سهولة من الوصول الى البيت..
وفي احدى المرات اخذوني الى مركز الباب الشرقي الكائن على مسافة غير بعيدة من سينما غازي.. والحديقة وبعض المقاهي. والحانات والملاهي التي كانت شرفات للهو والطرب والسكر والمفاجأت- وعندما همو بإدخالي الى الموقف.. سمعت صوت الشاعر حسين مردان وكانوا قد اعتقلوه (قبلي) اثناء مروره في الشارع العام وصرخ (ها لفريد جابوك) قلت (سويَ لي مكان يمك) وقضينا قرابة اسبوعين اطلقوا بعدها سراحنا وتهرب المدينون من الاقساط المطلوبة بدعوى (عدم وجودي في المحل) وكانت حجة لاني كنت قد تركت العامل الذي يشتغل معي واسمه عبود.
وفي احدى المرات.. ارسل علي (بهجت العطية) مدير التحقيقات الجنائية الذي أعدم بعد ثورة 14 تموز.. وبدأ يتحدث بقوة وصراحة وكان يعمل مع والدي في الشرطة برتبة مفوض
-الى متى تبقى شيوعياً
قلت..
-لقد اصبحت تاجراً.. وهذا دفتر الصكوك..
-هذا لن يعبر علينا.. الا ترحم والديك.. وانت ابن شرطة.. كيف تفعل ذلك.
قلت- انا لم افعل شيئاً وكل التقارير غير حقيقية وهنالك وشايات عديدة.. حولي.
وطردني بعد التهديد بالويل والثبور
بعدها.. صدر قرار باسقاط الجنسية عن الابطال توفيق منير، وكامل قزانجي.. ورفيق آخر.. وجاءنا خبر باني الرابع عن طريق مفوض من التحقيقات صديق خالي الذي كان يعمل مفوضاً وتخرجا من دورة واحدة.. وكان الامر مروعاً.. وتداعى اشقائي ودار حوار معقد في الدار.. لاسيما توسلات الحنونة أمي (أم حبيب) مما اضطر والدتي للذهاب لمقابلة بهجت العطية... وبعد الدموع التي اطلقتها والتوسلات رفع اسمي من القائمة على أن اكون (عاقلاً) وابتعد عن الشيوعية... وقد تم ترحيل الرفاق الذين اسقطت عنهم الجنسية ورحلوا الى تركيا.. وعانوا الويلات ثم اعيدوا بعد انتصار ثورة 14 تموز..
وقد تم اغتيالهم جميعاً حيث قتل القزانجي في الموصل واغتيل توفيق منير من قبل البعثيين في الانقلاب الاسود في شباط وقد القوا به من السطح الى الارض.. والرفيق الأخر ايضاً قتل.. واعتقد ان الاغتيال البشع الذي قام به القتلة الادنياء لكي لا تتاح لهم الفرصة (لكتابة) المأساة التي عانوها في السجون التركية وكانت مروعة كما تحدثوا عنها في مجالسهم الخاصة وكانت النية معقودة على ان يقوموا بفضح الجريمة التي تعرضوا لها.
ولعل هذا الاجراء المروع يؤكد على القسوة التي مارسها النظام الملكي وما تلاه من انظمة قذرة.. ومن المؤسف حقاً ان تتجاهل الاحزاب والمنظمات بما فيها القائمة حالياً هذه التضحيات التي قدمها الشيوعيون في مخاض الكفاح ضد الاستعمار والرجعية وقوى الظلام بكل الوانها.
ومن الجدير بالذكر ان الحزب بعد الضربات القاصمة المتوالية منذ اعدام الرفيق فهد، وحازم، وصارم افتقد الى القيادات المحنكة التي تستطيع ان تواصل التيار والقيادة بدراية وحكمة ومواقف متأنية.. ولكن ذلك لم ينه النضال وبرز ابطال جدد.. على قلة خبرتهم.. مثل حميد عثمان وبهاء الدين نوري. وسواهم واستطاعوا ان يقودوا العملية الثورية بحماس والتي ترسخت فيما بعد على يد الشهيد الرفيق البطل سلام عادل الذي استطاع ان يستقطب بجدارة كل الرفاق المتناثرين..
هنا وهناك.. ويعيد بناء الحزب بالاستعانة بالرفاق الذين غادروا السجون واستقطب العديد بجهود استثنائية واستيعاب الكوادر الثورية واستعادة مسيرة الحزب وتعميق وجوده في الاوساط السياسية واستعادة مكانته في صفوف حركة النضال الوطني.