مدارات

شيلي.. الغاء النظام الانتخابي الموروث من الدكتاتورية

رشيد غويلب

يستمر تحرر شيلي التدريجي من مخلفات وأغلال سنوات الدكتاتورية الفاشية (1973 1990)، وألغي، في واحد من اهم انجازات حكومة تحالف يسار- الوسط بزعامة رئيسة الجمهورية مشيل باشليه،العمل بنظام الانتخابات الثنائي الموروث من العهد الدكتاتوري.
وبدا و كأن هذا النظام الانتخابي مقدود من حجر، لان تشريعي الدكتاتورية، اشترطوا توفر اكثرية ثلاثة اخماس اعضاء السلطة التشريعية لالغائه. وقد فشلت رئيسة الجمهورية الحالية في فترة رئاستها الاولى (2006 2010 ) في احلال نظام الانتخابات النسبي محله. و ألآن نفذت رئيسة البلاد، التي تولت قيادة البلاد ثانية منذ آذار الفائت، واحدا من اهم وعودها الانتخابية. وبعد جلسة طويلة صوت مجلس النواب، بالأكثرية المطلوبة لصالح الغاء النظام الانتخابي غير الديمقراطي، وحصل مشروع القرار الحكومي على 86 صوتا، مقابل 28 صوت ضده.
وتحقق هذا النجاح نتيجة لانفراط عقد اليمين المعارض وانقسامه بين مؤيد و معارض لمشروع القرار الحكومي. وبموجب النظام الملغى ينتخب من كل دائرة انتخابية (60 دائرة انتخابية) مرشحان فقط، و اذا ما اراد احد الاحزاب او التحالفات الفوز بمقعدي الدائرة المعينة، فعليه ان يحصل على ضعفي اصوات الحزب ، او التحالف الذي يليه ليفوز بكلا المقعدين. وبهذا تحرم بقية الاحزاب او التحالفات من الدخول الى البرلمان، وعلى اساس هذا النظام، احتكر تحالفان رئيسيان الاكثرية في البرلمان، الاول يضم المسيحيين الديمقراطيين، والاشتراكيين، والاجتماعيين الديمقراطيين ، والثاني يضم حزبين يمينيين، وأحزاب اتباع بينوشيت. وفي المستقبل سيتاح لمرشحين مستقلين، ومرشحي الاحزاب الصغيرة فرصة الدخول الى البرلمان.
لقد طبق النظام الملغي في الاشهر الاخيرة من حكم الدكتاتورية الفاشية، ليحد بينوشيت من فرص اليسار في الوصول الى البرلمان. ونجحت حسابات الدكتاتورية طوال 24 عاما. ورغم ان تحالف وسط اليسار شكل جميع الحكومات، باستثناء الحكومة السابقة، الا ان الاكثرية المطلوبة كانت توصل الكثير من محاولات الاصلاح الى طريق مسدود، على الرغم من ان اليمين القومي و انصار الفاشية كانوا يمثلون الاقلية في البرلمان.
وبفضل نظام الاكثرية السابق، يستمر العمل بدستور الدكتاتورية الفاشية المقر في عام 1980، والذي فتح ابواب البلاد لنموذج الليبرالية الجديدة، ووفر الحماية غير المحدودة لرأس المال الخاص. وبموجب هذا الدستور ما يزال نظام التعليم الموروث من الدكتاتورية قائما، والذي يضعف المؤسسات التعليمية العامة، وفي جميع المراحل، لصالح مؤسسات التعليم الموازية التي يؤسسها الاقتصاد الخاص. وهو ما سبب اندلاع حركة احتجاجية طلابية عارمة، اتسعت وتحولت الى حركة احتجاج اجتماعية عامة، ويشارك اليوم عدد من قادتها الشباب بجدارة في الحياة البرلمانية. وقد عززت الحركة الاحتجاجية مواقع الشيوعيين وقوى اليسار في الشارع السياسي التشيلي.
واستمر الجمود حتى بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة في تشرين الثاني 2013 ، فعلى الرغم من حصول تحالف يسار - الوسط ، الذي انظم اليه الشيوعيون هذه المرة، ولكن رئيسة الجمهورية لا تملك اكثرية الثلاث اخماس لتمرير مشاريع الاصلاح الكبيرة. الا في حالة تكرار مشهد انقسام تحالف اليمين ثانية.
وبموجب التغيير الجديد سيصبح عدد مقاعد مجلس النواب 155 بزيادة قدرها 35 مقعد. وبالمقابل سينخفض عدد الدوائر الانتخابية الى 28 ، لتوفير فرصة لدخول المرشح الثالث والرابع الى البرلمان القادم. وسيزاد اعضاء مجلس الشيوخ ايضا، ليصبح 50، بدلا من 38. وسيتم العمل بنظام الكوتا للنساء، اللواتي سيتمتعن بنسبة 40 بالمئة على الاقل في تركيبة القوائم المتنافسة.
ويذكر ان الحركة الاحتجاجية، و اوساط اجتماعية واسعة في تشيلي تعلق آمالا كبيرة على حكومة الرئيسة الجديدة. وقد قدمت الرئيسة المنتخبة وعودا باجراء اصلاحات جذرية، منها اقرار دستور جديد للبلاد، و اصلاح النظام التعليمي، والنظام الضريبي لصالح الاكثرية، وبالضد من مصالح طغمة الليبرالية الجديدة. وعلى الرغم من التأييد الواسع الذي منحته الحركة الاحتجاجية، وقوى اليسار للحكومة الجديدة، الا ان الضغط عليها من اليسار ما زال قائما، لمواجهة ضغط اليمين، وضمان الاستمرار في تنفيذ سياسة تقدمية لصالح اوسع الفئات الاجتماعية.