مدارات

القتل تاريخ....القتل لغة / ئاشتي

أهدم كل كيانات فرحي، وأنصب خيام حزن على وطن هرب أمام عيوننا جميعا، هرب يبحث عن وطن له، في الحقيقة هرب يبحث عن وطن لا يعرف لون الدم، لا يشم رائحة الأجساد المحروقة، لا يبصر الرؤوس المحزوزة كرؤوس الأغنام، لا يستنشق دخان السيارات المفخخة، لا يسمع كواتم الصوت العلنية القتل، وطن يهرب من اسمه ويستبدل عنوان إقامته، يتخلى عن دجلة ويتنكر للفرات، مثلما يتنكر لكل تاريخه الغارق في بحر من الدماء، يتنكر للسماء التي تهبط كل مساء على سعف نخيله، كي تقرأ مرثية القتل المجاني، ينسى حلمه الذي تمنى أن يتحقق ولو ليوم واحد، هو أن يبتسم للشمس صباحا مثل أي طائر عاشق، ويغازل ورود الحدائق فهو يجيد كلام العشاق، يتكئ على كوعه ويحدق في أفق دجلة، ويسرح ببصره ناسيا تأريخ الدم المتدفق من شرايين أبنائه، يملأ كل شواطئ دجلة صمتا، وطن يعشق الصمت ولا يرغب في الكلام، مادام (الكلام يتدفق جثثا من الحناجر). أهدم كل كيانات فرحي، وأنصب خيام حزن على وطن نراه جميعا يخرج من جلده ويهرب هائما في صحراء التيه، كأي مجنون لا يعرف أين مشرق الشمس وأين مغربها، لقد اتعبه القتل، وأتعبه اللاصدق، أتعبه التاريخ حين يصبح قتلا، اتعبته اللغة حين تمسي قتلا، اتعبته جغرافيته وأتعبته الكيانات التي تدعي زورا الحرص عليه، أتعبته الخطب الجوفاء، اتعبه حكامه، اتعبه انتظار الأمل الكاذب، فلا شمس تشرق ضاحكة ولا قمرا يهلُ مبتسما، أتعبه الخراب الذي يتجدد، أتعبه تعبه، وطن تعبان مثلما يتعب كل الناس، وليس هنالك من فرح قادم، ليس هنالك من ديمومة ابتسامة طفلة، وليس هنالك من حديث هامس لعاشقين، كل الجمال مات، هل مات أم قتلوه؟ قتلوا الغناء، لأن من يغني لا يعرف الشر، وهم يؤسسون للشر كيانات مزخرفة بمباركة السماء، يبنون منازل للشر في كل زاوية، ويسترخصون ترابه لكل آثامهم، يدوسون على ترابه بكل ما تحمل اقدامهم من طرق الشر، فيستنجد التراب من هول كارثة الشر، لهذا (ترى التراب يترضرض ويتبجس دما)
أهدم كل كيانات فرحي، وأنصب خيام حزن على وطن تاه عنا جميعا عند هروبه، لهذا سأرخي راحلتي وأنتظره لعله يمتطي راحلة المستقبل الجميل إلى أن يجد له وطنا يستقر به، فهو طفولتنا، وصبانا وآخر أيامنا القاحلة، وسيبدأ الحداء الجميل على أرضه الحاضرة الغائبة:
( أتــُرى أرضـُنا لغـُةُ في الأثرْ،
لا يــُترجم ُ أسرارها،
غير ُ قتل البشر)