مدارات

اسبانيا .. الحكومة اليمينية تدخل في حال عجز وازمة

رشيد غويلب

قبل عام من موعد اجراء الانتخابات البرلمانية العامة في خريف 2015 ، وبعد ان اعلن رئيس الوزراء اليميني "ماريانو راخوي" ، الثلاثاء الفائت، سحب مشروع قانون الاجهاض المحافظ، لم يبق امام وزير العدل "البرتو رويز غالاردون" راعي مشروع القانون، الذي كان يراد منه الغاء التشريع الليبرالي السابق، سوى الاستقالة، وبهذا دخلت الحكومة الاسبانية في أزمة، بعد أن فشلت في تمرير واحد من مشاريعها الرئيسية.
والى جانب الاستقالة اعلن وزير العدل انسحابه من الحياة السياسية، مؤكدا ان البرنامج الانتخابي لحزب الشعب قد تضمن الحد من حرية النساء في الاقدام على الاجهاض، والتي يسميها برنامجهم الانتخابي "حماية حق الحياة". وقال انه يتحمل مسؤولية فشل مشروع القانون، الذي جاء مطابقا لـ"عقيدة الحزب". وكان وزير العدل قد اعلن في كانون الاول 2013 عن خططة لاصدار القانون، وفي الحال انطلقت الحركة النسوية مدعومة من الحزب الشيوعي الاسباني، واليسار المتحد بتنظيم حركة احتجاج واسعة ضد محاولات قضم حقوق النساء المكتسبة،وقد جاء سحب الحكومة اليمينية لمشروع القانون، ليبرهن من جديد على صحة اعتماد المقاومة المشتركة لهجوم المحافظين، كما ان اهمية الانتصار الذي حققته الحركة النسوية يكمن في امكانية تحقيق انتصارات مماثلة في نضالات اجتماعية اخرى.
ووعد رئيس الوزراء ببداية جديدة، وان الاصلاح القانوني الجديد سوف لا يسعى لا جراءات منع الاجهاض التي كانت قائمة في عهد دكتاتورية فرانكو، ولكنه سيحد من حقوق النساء، التي يضمنها قانون عام 1985 الليبرالي. ومن المعروف ان حزب الشعب اليميني لم يتحرش بالقانون المذكور في سنوات قيادته للسلطة في اسبانيا للسنوات 199 - 2004 .
وهناك عدة عوامل دفعت "راخوي" الى التراجع عن فرض السياسات المحافظة المتشددة، فالى جانب الانتخابات العامة، سيشهد عام 2015 ايضا انتخابات الولايات، وانتخابات المجالس البلدية، والحزب الحاكم يواجه استمرار فقدانه للناخبين، وخصوصا في اوساط الطبقة الوسطى. ولهذا لم يعر الحزب الحاكم اهتماما لتظاهرات، نظمتها الاوساط المحافظة المتطرفة للمطالبة بمنع حق الاجهاض كليا، حتى في حالات الاغتصاب، او اصابة الجنين بتشويهات خلقية، تمشيا مع مطالبات الكنيسة الكاثوليكية، وهو ما لم يتضمنه مشروع قانون وزير العدل المستقيل.
وسياسة التراجع التي يعتمدها حزب الشعب الحاكم مرتبطة بخسارته الكبيرة في انتخابات البرلمان الاوربي ما أن فقد 16 نقطة من النتائج التي حققها في نفس الانتخابات عام 2009 ، وتقريبا 19 نقطة من نتائجه في الانتخابات العامة، التي حملته للسلطة عام 2011 . والرابح من خسارات اليمين ليس قوى الوسط المتمثلة بالحزب الاجتماعي الديمقراطي (الاشتراكية الدولية)، وانما قوى اليسار، وهو ما يقوض نظام الحزبين، الذي هيمن على الحياة السياسية منذ استعادة الحياة الديمقراطية، بعد وفاة فرانكو عام 1975 . ولهذا تاتي استقالة وزير العدل المتشدد كدعوة للحزب الاجتماعي الديمقراطي للتعاون سوية لمواجهة صعود اليسار. فحزب "نحن قادرون" القادم من قلب الحركة الاحتجاجية، وحسب آخر استطلاع للراي يمكن ان يزيح الاجتماعي الديمقراطي، ويحتل الموقع الثاني، وعلى عكس الاخير فان حزب اليسار الجديد يؤيد حق تقرير المصير لكاتالونيا. وبالضد من ذلك يريد حزب الشعب اليميني الوصول مع الاجتماعيين الديمقراطيين الى حلف الدولة، ولهذا استعجل تعيين "رافائيل كاتالا" وزيرا جديدا العدل، والذي كان وزير للدولة لشؤون البنى التحتية، وهو مستعد لإجراء تعديل دستوري، يقترب من موقف الحزب الاجتماعي الديمقراطي ، الداعي الى خطوات اولية باتجاه الفيدرالية، التي لم يلتزم بجميع وعوده بشأنها خلال تربعه على قمة السلطة.
ويقف الاجتماعيون الديمقراطيون ضد الاستفتاء المزمع اجراؤه في التاسع من تشرين الثاني المقبل بشان استقلال كاتالونيا. وكان البرلمان المحلي للولاية قد صوت قبل اسبوع باكثرية 80 بالمائة لصالح القانون الخاص بالاستفتاء. وتحاول الحكومة الاسبانية الذهاب للمحكمة الدستورية، وتهدد بإلغاء الحكم الذاتي، الذي تتمتع به الولاية. ومن غير الواضح هل ستتم الدعوة لانتخابات مبكرة، لكي يتمكن انصار الاستقلال تضمين هذا المطلب في برنامجهم الانتخابي، والتصويت عليه، على الرغم من المنع المحتمل لاجراء الاستفتاء على الاستقلال.