مدارات

"الحراك الجماهيري الشعبي الواسع والتغيير في البلدان العربية ـ دراسة في الأسباب والنتائج والتحديات " / تأليف : د. علي عودة العقابي / عرض : د. مزاحم مبارك مال الله

كتاب في طبعته الأولى2013 صدر مؤخراً عن دار الضياء للطباعة في النجف ويقع في (96)صفحة من القطع المتوسط، وهي دراسة علمية منهجية تصدى لها(وعلى مدى عام كامل ـ حسب ما ذكر لي ذلك المؤلف ـ بين البحث والتدقيق والعودة الى المصادر والتي بلغت(115)مصدراً ،بعضها خارج العراق ومنها بلغات أجنبية) الأستاذ المساعد الدكتور علي عودة العقابي رئيس قسم الفكر السياسي والنظرية السياسية ورئيس تحرير المجلة السياسية والدولية في كلية العلوم السياسية/ الجامعة المستنصرية ـ بغداد.
أرى هذه الدراسة واحدة من أهم الدراسات العلمية التي بحثت في أسباب وواقع حال ونتائج وأستنتاجات ما حصل في تونس ومصر، متميزة عن باقي ما كُتب، كونها تخصصت بتفكيك كل حالة على حدة ،هذا هو النهج العلمي الدقيق في توقع ما سيحصل مستقبلاً لهذه البلدان وهذا ما حصل فعلاً والذي ورد في خلاصات المؤلف، أنها دراسة تأريخية علمية من الضرورة بمكان أن يقرأها المتابعون.
الكتاب يقع في ثلاثة محاور:
المحور الأول:التغيير في تونس
في هذا المحور شخّص المؤلف صفة نظام الحكم في تونس قبل التغيير وأعتبره نظاماً تسلطياً ،ومن ذلك أنطلق في:ـ
 تعريف النظام التسلطي
 لماذا هو ليس ديمقراطي
 اختلافه عن النظام الشمولي
وفي الموضوعة رقم(1) وتحت عنوان"منظومة الأستبداد والتسلط في النظام السياسي التونسي قبل التغيير"خلص الدكتور العقابي الى (أن النظام التونسي التسلطي أمتاز بـ:ـ
 التعددية الحزبية المحدودة
 التنافس المحدود على السلطة
 انغلاق فضاء المشاركة السياسية
 شخصنة السلطة وأفكارها لفائدة فرد اوأقلية.
وقد أشار الى أن مفهوم النظام التسلطي يتميز ببعض الحدود أهمها ،(صعوبة تمييزه بدقة عن الشمولية أو حتى الديمقراطية)، وأن النظام التسلطي له صيغ متعددة ،فهناك : نظام تسلطي تنافسي ،وأخر انتخابي ،وأخر مترسخ.
ويقول الدكتور العقابي: "ولما كان النظام التسلطي لا يرفض التعددية والاختلاف ،فهو قادر على التطور وتحقيق الانتقال الى الديمقراطية، ألاّ أن الطبيعة التسلطية المترسخة للنظام التونسي جعلته من الصعب أن يتطور بوسائل سلمية انتخابية.
ثم يتطرق الى الجذور التأريخية لحركة الأصلاح منذ عام 1857،ثم دستور1861 كأول دستور في البلاد العربية ،ثم بداية عهد بورقيبة وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في 25/7/1957،ثم الدستور الجديد في عام 1959والذي جاء فيه:(نظام الحكم جمهوري قوامه سيادة الشعب ويفرق بين السلطات ويقر بحقوق وحريات الأفراد الأساسية).
امتاز حكم بورقيبة رغم ايجابياته بالقضاء على التعددية الحزبية وفرض رقابة صارمة على وسائل الأعلام وتعبئة المنظمات المهنية لخدمة النظام وظهر الحكم الفردي وشخصنة السلطة ،بالإضافة الى تأزم المناخ الاجتماعي وتوتر العلاقات بين اجهزة الدولة والمنظمات المهنية وظهور حركات الإسلام السياسي واعتماد العنف في مواجهة الحركات الاجتماعية ومع تدهور صحة بورقيبة أدت الى ازاحته وتسنم زمام الحكم زين العابدين بن علي الذي اجرى بعض "التنقيحات الدستورية"، ألاّ أن فترة حكمه امتازت بمجموعة أزمات ،أهمها أزمة المشاركة السياسية والتي ادت الى انفجار 14/1/2011وانهيار النظام ومنظومة الأستبداد والتسلط.
أما في الموضوعة رقم(2)، فيشير د. العقابي الى "مرتكزات النظام التسلطي" وهي:
 النظام الرئاسي والذي تطور الى نظام "رئاسوي".
 المركزية الأدارية ،وبها تعززت مركزية السلطة السياسية.
الموضوعة رقم(3)، حملت عنوان"آليات النظام التسلطي"، وحدد العقابي تلك الأليات بـ :
ـ التحكم في منظومة الأصلاح السياسي/ بن علي أعتمد خطاب الأصلاح السياسي وتحت شعارات مزوقة.
ـ دولة القانون والمؤسسات /والتي عجزت عن أداء وظيفتها بطريقة مُرضية ، ويعزي الدكتور العقابي السبب في ذلك ،ومن خلال عنوان "التحكم في المنظومة الانتخابية"، الى (أن المتمعن في هذه الانتخابات يكتشف ضعف تأثيرها في النظام السياسي فهي انتخابات غير تنافسية ،من دون اختيار ،ونتائجها مبرمجة، وهذه الانتخابات فشلت في التحول الديمقراطي جراء التضارب بين الشرعية الانتخابية والشرعية التسلطية)، ثم يخرج العقابي بأستنتاج مهم :ص26
(أن الهاجس الاساسي الذي سيطر على النظام التسلطي في تونس هو البقاء في السلطة والتجأ الى كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية وبذلك أنتقل النظام السياسي من طور التسلطية المتجذرة الى طور الأستبداد بالسلطة)
اما الموضوعة رقم(4)فقد جاءت تحت عنوان: "الخلفيات الأقتصادية والأجتماعية لحركة التغيير في تونس"
هذه الموضوعة في غاية الأهمية، حيث بحث المؤلف فيها عنوانين كبيرين:
الأول: "التغيير ووهم المعجزة الأقتصادية"
فقد عملت السلطة في تونس منذ عام 1987على:ـ
1. التخلي التدريجي عن نموذج الدولة الحاضنة وتنصلها من تعهداتها السابقة ولاسيما في قطاع الخدمات.
2. إدماج الاقتصاد التونسي بالمنظمة العالمية للتجارة والدخول في أتفاق شراكة مع الاتحاد الأوربي، والذي أدى الى تعرض تونس لتقلبات الأقتصاد العالمي وخصوصاً التأثيرات السلبية المباشرة على قطاعات السياحة والفلاحة ،كما وجدت بعض الصناعات التونسية نفسها غير قادرة على خوض سباق التنافس الاقتصادي ،فأزداد الضغط على التوازن بين الجهات والمناطق وتضخمت معه فواتير الضرائب فأزدادت نسبة البطالة والفقر.
الثاني :"خلفية الهشاشة الأقتصادية و الأجتماعية"
انطلقت الشرارة من محافظة(سيدي بو زيد) فالمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بها تبرز التفاوت وعدم التوازن التنموي في مناطق تونس الأخرى، وجراء الشراكة مع الاتحاد الأوربي عام 2008 انفتحت الأبواب أمام القطاع الخاص في الاستثمارات مما جعل التنمية المحلية تبدو أكثر حرجاً وتعقيداً وجراء التفاوت في معادلة التنمية ،أنشطرت تونس الى مجالين:
 مجال جاذب/يستجيب لشروط ومقومات التنمية.
 ومجال طارد/ ينتظر المعونة.
وهنا يشرح الدكتور العقابي بشكل جميل جداً العلاقة بين المجالين قائلاً:ـ
"ان الاعوجاج في الخريطة التنموية في البلاد والتأرجح بين القطبين الجاذب والطارد يُفسر الى حدٍ كبير ظاهرة الهجرة الداخلية في تونس وجراء ذلك نما احساس جماعي بعقدة(الأهمال)من طرف السلطة المركزية".
ويضيف"فالناس بحكم عوامل عديدة يتوقعون من الدولة ان تنجز لصالحهم ما حرموا منه، ولكن عدم تغيير الأوضاع التنموية وفشل الدولة في تلبية انتظارات الأفراد جعل عدم الرضا هو الانطباع السائد والذي يصبح ازمة عند زيادة حدة الفوارق الأجتماعية".
ويقول "وكان الاستعداد في كل محافظات الوسط الغربي سواء في حوادث 26/1/1976 أو في أحداث الخبز في كانون الثاني 1984 أو في أحداث كانون الثاني 2011".
ثم يسلط الضوء على سمات الانتفاضة الشعبية التي حصلت:
1. مرافقة المطالب السياسية للمطالب الاجتماعية.
2. تطور نوعي في الشعارات السياسية .
3. كان النظام يبادر الى تلبية المطالب الأجتماعية ولكنها لم تتمكن من اهماد نار التمرد لأن المشكلة ليست بالخبز فقط وأنما بالسياسة الجائرة ،ولم تعد حينها الاستجابة للمطلب الحيوي تشفي غليل التمرد لذا رفع شعار الرحيل.

المحور الثاني: حركة التغيير في مصر
حركة التغيير في مصر كانت وليدة متغيرين:
الأول ـ المجتمع كان محكوماً من قبل نخبة عاشت ولثلاثة عقود بالنهب المنظم المحمي بالقانون ،أدى الى:ـ
 فقدان المجتمع لعافيته الاقتصادية.
 أصبح متسولاً طالباً الإعانات والمنح والقروض ،فأصبح مجتمعاً فاشلاً في تنمية ذاته وتحديثها وبالتالي فقد القدرة على إشباع حاجات مواطنيه فضعفت تبعاً لذلك ارتباطاتهم به.
الثاني ـ تأثير عقدة الفشل فدفعت المجتمع الى التراجع عن دوره العربي والشرق أوسطي والأفريقي ،فتآكلت مكانته العالمية ،وجراء ذلك ومن خلال وسيلة التواصل الاجتماعي أنبرى شباب الشرائح العليا للطبقة الوسطى ومن خلال اطلاعهم على الثورات الجارية ،فقد تعلموا فن الثورة وبدأوا التخطيط لها ،ساعدهم في ذلك رفض الشارع المصري للنظام السياسي ولأجهزة الدولة، فسقط النظام.
ويقول العقابي في ص 49 "أن ما حدث في مصر هو اكثر من مجرد انتفاضة أو فورة يعود بعدها المجتمع الى ما كان عليه قبلها، أي أكثر من حركة احتجاج ،لكنه أيضاً أقل من ثورة".
ثم يتطرق الى ثورية الشعب المصري من خلال خمسة حقائق:ـ
الأولى ـ الشعب المصري قام بخمسة ثورات خلال قرنين مع ستة انتفاضات، أي أنه يقوم بحركة ثورية كل عقدين من الزمن.
الثانية ـ التحالف الكامل بين الجيش والشعب في أغلبية هذه الحركات.
الثالثة ـ كل الثورات والانتفاضات (باستثناء واحدة) لم تكن مطلبية بل كانت ذات طبيعة وطنية وسياسية.
الرابعة ـ الطبقة الوسطى هي التي تقود الثورة دائماً.
الخامسة ـ هذه الثورات هي حلقات متتابعة في نطاق حركة ثورية مستمرة وكل حلقة تقدم انجازاً يستهدف إنضاج الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمع.
ولأجل التحليل العلمي الجدلي ،يطرح الدكتور العقابي سؤالاً غاية في الأهمية: لماذا ثورة 25 كانون الثاني ؟هذا التساؤل يعالج ثلاثة أبعاد:ـ
• البعد الأول ـ يتعلق بالمتغيرات التي كونت مقدمات كانت كامنة في المجتمع لتفجير التغيير .
• البعد الثاني ـ يتعلق بالمتغيرات المتصلة بتفجير التغيير.
• البعد الثالث ـ يتعلق ببعض الفرضيات المتصلة بطبيعة ثورة التحرير،كل هذا أدى الى:
أ‌) انهيار الثقافة وضعف المنظومات القيمية والأخلاقية ،فبعد السبعينات(فترة حلول التوجهات الليبرالية)، ظهرت عدة متغيرات:ـ
الأول/ اضعاف الطبقة الوسطى، فبدأت تعيش حياة صعبة قادت الى أضعاف أخلاقها.
الثاني/فقدان الأعتدال في التدين.
ب‌) تردي أوضاع المجتمع ،وتبرز هنا ثلاثة ظواهر:ـ
ـ الأولى: حصار الثقافة الاستهلاكية والمرتبط بالانهيار الأخلاقي والأوضاع الاقتصادية الصعبة، أدى الى ،أتساع مساحة الفقر،زيادة البطالة وانتشار الفساد.وقد برزت ظاهرة تردي الخدمات الأساسية بشكل واضح وخصوصاً في مجال الصحة والتعليم .
ـ الثانية: المعاناة في الحصول على السلع وخصوصاً الأساسية كالخبز.
ـ الثالثة وتشمل:
• التناقض بين المعلن والواقع.
• فقدان ثقة المواطنين بالقيادة السياسية وبالحزب الحاكم و بالحكومة.
• تزييف انتخابات مجلس الشعب.
ثم يتناول المؤلف موضوعة /دوافع وأتجاهات التغيير،فيقول:ـ
"الدولة عانت من تردٍ في أوضاعها وفساد النظام السياسي المسير لها، فضعفت قدراتها بإدارة علا قاتها العالمية والإقليمية وبكل ما يتعلق بسلوكها" ،وهناك مجموعة من المتغيرات المسؤولة عن ذلك وهي:
أ‌) العجز عن إدراك ثقافة النظام العالمي وتوجهاته.
ب‌) تردٍ في أداء الدولة والنظام السياسي إقليميا.
ت‌) تشويه أداء الدولة واهتزاز بناء قوة النظام السياسي.
ث‌) التشكيل العصابي (العصابات) والمنحرف للنخبة ،وفيها ثلاث خواص سلبية:ـ
1. طبيعة تشكيلها العصابي والإجرامي ،حيث عملت على:ـ
• تمزيق اوصال الدولة وتفكيكها.
• تفريغها من دورها العربي والإسلامي والأفريقي.
• فك ارتباطها بالقضايا الحضارية والإنسانية الكبرى.
• تبنيها مخطط هدم النسيج الاجتماعي.
2. إغلاق النخبة أبواب انضمام عناصر نظيفة اليها وفتحها أمام الفاسدين من خلال حراسة الأجهزة الأمنية ومن دعم العناصر التي تدعم فساد النخبة الحاكمة.
3. النخبة أتقنت ثقافة اللصوصية وأبدعت نموذج (لص بالقانون).
د) العصا الأمنية الفاعلة لضبط المجتمع ،فقد أعتمد النظام السياسي على الدور الأمني للسيطرة على المجتمع من خلال:ـ
1. حماية رأس النظام وعائلته والنخبة.
2. انصراف الأمن عن الشارع وتركيزه على امن النظام.
3. ملاحقة المعترضين.
4. استخدام العنف لفرض الهدوء والاستقرار السياسي.

المحور الثالث: التحديات ، الخلاصات والأستنتاجات
شمل هذا المحور والذي يأتي في نهاية هذه الدراسة القيّمة ،عنوانين مهمين:
التحديات/ يبرزها المؤلف من خلال:
1. صعود التيارات الأسلامية ومشاركتها السياسية في صنع القرار.
2. نفس هذه التيارات تواجه تحديات ومنها من داخلهم.
3. سيواجه الإسلاميون أسئلة تتعلق بـ:ـ
أ‌) سياساتهم المقبلة الداخلية والخارجية.
ب‌) الملفات الأقتصادية.
ت‌) كيفية تحرير السياسة الخارجية من التبعية للقوى الكبرى.
ث‌) كيف يمكن لها أن تستعيد دورها الإقليمي.
4. يرى بعض الباحثين أن بعض الحركات الإسلامية تتكيف مع النظام الديمقراطي وأنها تتحول الى قوة معارضة.
5. أن هوية وشكل ومقومات الدولة بعد التحول الثوري في مصر وتونس فرضت نفسها ،فالمعطى الديني كان حاضراً ومؤثراً ،وفي هذا المناخ صدرت ثلاث وثائق من الأزهر،أهم ما فيها:(( سقوط شرعية أي حكم يعتمد القمع والاضطهاد والاستبداد)).
6. هناك تحديات فكرية متمثلة بالسؤال/ ماذا قدم التغيير في البلدان العربية؟ والجواب هو أن الحراك فتح الباب واسعاً لتحرير الإرادة العربية ومن المرجح أن لا يتوقف ضغط الشباب ألاّ بعد تحقيق مكاسب جدية.
7. القوى السلفية التي وصلت الى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية نسبياً تريد أبقاء النظام السابق على حاله مع إجراء تعديلات طفيفة في قيادته وتوجهاته السياسية تحت ستار الحفاظ على الوحدة الوطنية ومنع التدخل الخارجي ،في حين تطالب القوى الليبرالية والعلمانية والديمقراطية بتغيير شامل في بنية النظام يعزز الوحدة الوطنية على أسس جديدة.
ثم يشير الدكتور العقابي الى جملة من الأمور نراها في غاية الأهمية:
أولاً ـ ان التغيير الذي حصل والذي سيحصل يشكل حراكاً اجتماعيا وسياسياً جديداً، جوهره العنف العارم العفوي ضد الأنظمة العربية التسلطية المنخرطة في نظام العولمة النيوليبرالية التي عمّقت الهوة بين الأغنياء والفقراء وداست بأقدامها كرامة الإنسان العربي.
ثانياً ـ أن ما حصل هو فعل اجتماعي مطلبي تلقائي.
ثالثاً ـ لم تكن لهذه الثورات خطة واضحة وأسترتيجية محددة وتزايدت المطالب مع تصاعد الفعل الثوري وتراجع قدرات الدولة القمعية.
رابعاً ـ كانت تلك الثورات بدون قيادة أيديولوجية او برنامج سياسي وأنما حالة عاطفية وطنية يجمعها حب الوطن وكراهية النظام.
خامساً ـ أتسمت تلك الثورات بأنها تعرف من أين جاءت ولكن لاتعرف الى أين تسير وما هو شكل النظام البديل.
سادساً ـ ليست نخبوية، ولا بيروقراطية ،ولكن العمل ليس بمنهجية، كسرت الهيمنة الذكورية، والطور الذي تمر به هو طور انتقالي متناقض صعوداً ونزولاً، أنه مشوار صراع بين من يريدون الاستحواذ على ثمار هذا النضال وبين من يريدون التواصل من اجل اقامة نظام حكم مدني ديمقراطي تتحقق في ظله العدالة الاجتماعية.
الخلاصات والأستنتاجات
ينهي الدكتور العقابي كتابه هذا بجملة خلاصات مهمة جداً، وتشكل بمجموعها اللوحة المنهجية النقدية في الدراسة والتحليل، وجاء فيها:ـ
1. هناك نموذجان من التغيير(يحتاج دراسة مستقبلية)، تغيير سلمي وأخر عسكري مدعوم خارجياً.
2. قوى التغيير الجذري تعيش المخاض بسبب تنوع القوى داخلها وتعدد اتجهاتها السياسية، رغم محاولات التعتيم على التناقضات الطبقية وتصوير الصراع على انه طائفي، ولكن الصراع الطبقي لابد ان يحسم في النهاية.
3. الحاجة الى تدقيق المفاهيم عند التوصيف فالبعض يرونها ثورة وأخرون أنتفاضة، وهي الأكثر دقة.
4. الأنتفاضات في بداية انطلاقها كانت سلمية لكن السلطة استخدمت العنف فتحولت الى انتفاضات مسلحة.
5. حدثت تطورات في تقسيم العمل الدولي الرأسمالي أدت الى إعادة توزيع المهام بين البلدان المتخلفة والبلدان المتقدمة.
6. ما حصل ليس بتأثير خارجي وإنما جراء صراع ونضال طبقي ـ اجتماعي عبّر عن حاجة المجتمع الى التغيير بعد تجاوز حالة الخوف.
7. ما حصل كان بفعل عوامل اقتصادية وغير اقتصادية، داخلية وخارجية، ذاتية وموضوعية في أطار عملية تاريخية معقدة ومتناقضة وطويلة المدى.
8. حصل تحول في الرأي العام العربي تجاه التدخل الخارجي، مع الأخذ بنظر الأعتبار أن صعود الدورين التركي والإيراني المتوازيين يجب أن يحلل من الناحية الجيوـ سياسية وليس السياسية فقط.
9.الحديث عن الانتفاضات لا يجوز أن يكون عمومياً فلابد من ربطه بالمرحلة الانتقالية المتناقضة المفتوحة والتي تتعايش فيها عدة أنماط اقتصادية دون غلبة لحد الأن ،هذا يعني استمرار الصراع ولغاية هيمنة احد تلك الأنماط، علماً أن التحول الديمقراطي ممكن في البلدان العربية رغم عدم أمتلاك القوى الديمقراطية أمكانيات الصعود الى السلطة.
10.نحتاج منهجية للتعامل مع التجارب الأخرى، خاصة الأوربية ولكن دون استنساخ.
11. الاقتصاديات العربية كلها ريعية والمطلوب تحويلها الى إنتاجية من خلال أصطفافات طبقية جديدة.
12.الصراع يرتكز على تحديد مفهوم الشرعية الدولية والذي هو تعبير مكثف عن مصالح الدول الكبرى.
13.من الضروري فهم السياسة الخارجية الأميركية.
14.الحراك الجماهيري او الانتفاضات او الثورات ،هي برجوازية في شكلها ولكن مضمونها الاجتماعي قريب من الكادحين.