مدارات

تحديات التنمية / رياض عبيد سعودي

الاقتصاد العراقي مرّ قبل عام 2003 بمراحل تراجع، انحصرت سلبياً في جوانب من عملية إعادة بنائه من خلال التدمير الشامل لأهم ركائز الاقتصاد المتمثلة في تراجع موارده المالية بتوقف تصدير النفط ومن ثم إعادة التصدير بكميات بسيطة في مقابل الاستنزاف الجائر لتلك الموارد. وعملت الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 على إعادة الحيوية لفعاليات الاقتصاد، إلا انها لم تستطع ان تصل بالاقتصاد الى مستويات التطور المطلوبة باستمرار كل المشاكل والمعوقات التي اعترضت تلك المسيرة ورغم أكثر من عشر سنوات منذ التغيير السياسي في عام 2003 إلا ان عمليات الإصلاح لوضع ال?قتصاد على طريق التنمية المستدامة والتخفيف من حدة ما يواجهه من إخفاقات وإستراتيجية لذلك التباطؤ في إنتاجية القطاعات الاقتصادية في ما عدا النفط الذي تحسن مستوى أدائه بشكل سريع ويؤمل أن يصل الى مستويات أفضل خلال الفترة القديمة القادمة.
إن تحديات التنمية ما زالت قائمة وبنفس القوة رغم محاولات الحكومة في إيجاد الحلول الملائمة لها، وهي تتركز في محدودية القاعدة الاقتصادية؛ فنسبة مساهمة جميع القطاعات في ما عدا النفط لا تزيد على 15 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي، وهذه تعكس تباطؤ يضغط باستمرار على إنعاش الاقتصاد عموماً، وتراجع الإنتاج يؤشر في المقابل الحاجة المتزايدة للاستيراد وأحكام السيطرة على السلع المستوردة استهلاكية كانت أم إنتاجية في التأثير على السوق المحلية نوعياً وسعرياً. وامتداداً لهذه الحالة، فإن هناك فائضا كبيراً في عرض سوق العمال? يقدر بأكثر من 25% بالمائة وتزداد هذه النسبة بين صفوف خريجي الكليات لتصل الى اكثر من 50 بالمائة. ان أي اقتصادي متخصص بأوضاع السوق يلاحظ بوضوح ان أكثر من 80 بالمائة من المعروض السلعي مستورد، وهذه نسبة كبيرة تحمل معها مخاطر ضعف منافسة المنتج المحلي سعرياً على الأقل وتنوعاً بدرجة كبيرة، لا سيما في ما يتعلق بسلع الغذاء ابتداءً بالمواد الإستراتيجية كالحنطة التي بلغت نسبة الاستيراد لها اكثر من 75 بالمائة من الحاجة الاستهلاكية، والرز بنسبة تصل الى 75 بالمائة ايضاً والسكر وزيت الطعام وغيرها التي لا تختلف نسب الاست?راد لها كثيراً عن تلك المستويات، وفي هذا تهديد حقيقي وخطر على الأمن الاقتصادي لا سيما إذا علمنا ان نسبة من حاجة السوق للغذاء تؤمن من أسواق الدول المجاورة وهناك كما هو معروف إشكالات وتهديدات سياسية تطبع العلاقة معها بشهادة علم الحكومة نفسها.
إن هذه الأوضاع تحتم في المقابل على الحكومة ان تعمل بشكل جدي وحازم لتذليل كل الصعوبات تشريعياً كانت أم إدارياً أم فنياً لاجتذاب المشاريع الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة لإنعاش إنتاج القطاعات الاقتصادية عموماً وتأمين جزء مهم من الطلب الاستهلاكي والإنتاجي ولا بأس أن يكون منشأ هذه المعامل من دول متقدمة تكنولوجياً لتحقيق اقتصادية عالية لها ولتأمين المنافسة السعرية والنوعية للسلع المستوردة، وان تضع محفزات ومميزات متميزة للصناعات الغذائية في المراحل الأولى لسلع الاستهلاك الأخرى بعدها لأهمية هذا التمييز في مواجهة سي?سة الإغراق التي تستخدمها معظم الدول المصدرة ويكون من الضروري عند وضع ملامح إستراتيجيات السياسة الاقتصادية الإصلاحية ان تنتبه الى قضية مهمة وهي ضرورة ان نضع معايير دقيقة لسياسة الدعم فليس من المنطق ان نمنح دعماً لقطاع اقتصادي دون ان نلمس تأثيرا لهذا الدعم على إنتاجية ذلك القطاع وإلا فإن ذلك الدعم يكون عبئاً ليس له من اهمية، بل سيؤدي الى نتائج عكسية حيث تنمو الإشكالية على الدعم دون البحث عن وسائل لاستثمار هذا الدعم في انعاش الإنتاج وتطويره، وفي تجارب العالم المتقدم الكثير من صيغ الدعم العقلاني الذي ارتبط بال?نتاجية وهو ما ينبغي ان تسعى اليه السياسة الاقتصادية الرائدة.