مدارات

رهانات أردوغان الخاسرة مع "داعش"

محمد السعيد ادريس

يعرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جيداً ما يريد من الحرب الدائرة الآن ضد ما بات يعرف ب"الإرهاب الإسلامي" . وهو عندما يشترط موافقة التحالف الدولي - الإقليمي الذي يحارب هذا الإرهاب على فرض إقامة "منطقة عازلة" في شمال سوريا كي يعطي قراره بالمشاركة في الحرب ضد تنظيم "داعش"، وبالذات التدخل البري في منطقة "عين العرب" (كوباني)، فإنه يعرف أيضاً ما يريد، بل إنه يعرف أكثر دوافعه لتأخير أي نية للتدخل، ودوافعه لما قد يعتبره البعض "تلكؤاً" وهو في الواقع موقف مدروس جيداً .
وقبل هذا كله كان أردوغان يعرف ما يريده من "داعش" عندما ألقت القبض على عدد من الأتراك كانوا في القنصلية التركية في الموصل كانت كل مواقفه مدروسة ومحسوبة جيداً نحو "داعش" وما زالت .
فصمت أردوغان على اختطاف "داعش" للرهائن الأتراك من مقر قنصليتهم في الموصل كانت وراءه حسابات دقيقة من جانب أنقرة، بدليل كل هذا الاحتفاء التركي بعملية إطلاق سراحهم، والحرص على نفي وجود أي "فدية" قدمتها .
افتخار الرئيس السابق عبدالله غول بعملية الإفراج، ومن بعده الرئيس الحالي أردوغان يؤكد أن خيوطاً ما ومصالح ما تربط بين تركيا و"داعش"، هي التي منعت تركيا من أن تكون طرفاً مؤسساً للتحالف ضد "داعش" وجعلتها حريصة على أن تنأى بنفسها عن القتال في صفوف الحلفاء ضد إرهاب هؤلاء التكفيريين، وهي التي فرضت على تركيا ضبط النفس إزاء اختطاف "داعش" للرهائن الأتراك، لكن الأهم هو أن هذه المصالح هي التي تفرض على تركيا أن تتظاهر بالتردد كي تحافظ على موقفها الراهن من مخطط "داعش" للسيطرة على منطقة عين العرب (كوباني) الحدودية مع سوريا .
وعندما أراد أردوغان أن يتنصل من مطالب التحالف وخاصة مطالب الإدارة الأميركية بالتدخل عسكرياً لحماية "عين العرب" من السقوط، ربط الاستجابة لهذا الأمر بمطالب تبدو مستحيلة وبالذات إقامة حظر جوي و"منطقة عازلة" شمال سوريا، وأن يكون من أساسيات دور التحالف إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وإعادة مليون ونصف المليون لاجئ سوري مقيمين الآن على الأراضي التركية إلى بلادهم .
كانت هذه المطالب الثلاثة أبرز عناوين خطاب أردوغان أمام البرلمان التركي الذي انعقد ليقول كلمته في طلب الحكومة على مشروع قرار يجيز للجيش التركي أن يتدخل في الحرب الدائرة في سوريا ويسمح لتركيا الانضمام إلى التحالف الدولي، وكان أردوغان يدرك أن قرار الحكومة بالانضمام للتحالف في الحرب ضد "داعش" سيلقي أغلبية كاسحة في ظل ربطه بالشروط الثلاثة، لكنه كان يعرف أن هذه الشروط تعني بالنسبة للتحالف وبالذات للأميركيين وللأطراف العربية الرفض، ويبدو أن هذا هو ما يريده ويخطط له أردوغان .
هو يريد أن يحتمي بإرادة شعبية، ويريد أن يقول إن قرار تركيا بالمشاركة في الحرب ضد "داعش" قرار مشروط، بالمطالب الثلاثة، وهو يعرف أن الواقع الدولي والإقليمي لا يسمع، فروسيا ومعها الصين سوف ترفضان أي قرار بالحرب ضد نظام الرئيس السوري بقرار لا يصدر إلا عن مجلس الأمن الدولي، وأنهما سوف تستخدمان حق (الفيتو) إذا قدم مشروع قرار إلى المجلس بهذا الخصوص، أما منطقة الحظر الجوي فالكل يعرف أهدافها الحقيقية . الكل يعرف أطماع تركيا في شمال سوريا وبالذات في المنطقة الواقعة من حلب إلى الحدود السورية مع تركيا، هذه المنطقة معروفة تاريخياً بأنها منطقة أطماع لتركيا . (...)
ولأن أردوغان يعرف أن الكل يعرفون ذلك وأنهم سوف يرفضون مطالبه فإنه أصرّ على هذه المطالب لأن ما يريده هو الرفض كي يبرر قراره بعدم المشاركة أو بعدم التدخل لإنقاذ "عين العرب" من السقوط في أيدي "داعش" للقضاء نهائياً على أية فرصة لأكراد سوريا لإقامة منطقة حكم ذاتي تكون في المستقبل حافزاً ودافعاً لأكراد تركيا لتصعيد مطالبهم بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الكردية، أو تكون ملاذاً آمناً لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض بزعامة عبدالله أوجلان، يشجعه على رفع سقف مطالبه، أو عندما يعود للقتال ضد تركيا انطلاقاً من المنطقة الكردية السورية .
معنى ذلك أن أردوغان كان يخطط ويدبر لموقف يجعله الفائز الأول من تشكيل التحالف سواء في حالة القبول بشروطه أو في حالة رفضها . فهو فائز في حالة الموافقة بتحقيق كل ما كان وما زال يحلم به، وبالذات إسقاط نظام بشار الأسد وأن يكون صاحب الكلمة العليا في سوريا، وأن يؤسس لحوار تركي مع "إسرائيل" يجعل من تركيا وليس إيران القادرة على إدارة مستقبل الصراع العربي - "الإسرائيلي" . وفي حالة الرفض يدرك أن الفرصة ستكون متاحة ل"داعش" لتدمير حلم أكراد تركيا في تأسيس منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا، كما أنه يخطط لأن يكون الحليف الأول ل"داعش" في العراق وسوريا وأن يكون المستفيد الأوحد من تصدير نفط الحقول العراقية والسورية الواقعة تحت سيطرة "داعش" .
لم يختلف الموقف البريطاني كثيراً عن الموقف الأميركي، أما الموقف الإيراني فكان الأوضح حيث أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم "استعداد إيران لتقديم الدعم اللازم بشأن كوباني المحاصرة لو طلبت الحكومة السورية ذلك" موضحة أن "المعيار لإيران في هذا الشأن هو تلقي طلب رسمي من الحكومة السورية"، المعنى واضح فإيران تقول أولاً إنها موجودة ولن تترك لتركيا أن تكون صاحبة قرار، وثانياً أن صاحب القرار الأول بشأن أي تدخل هو الحكومة السورية .
(انكشف سحر أردوغان وعاد ليواجه، كعادته، الفشل برهاناته الخاسرة).
ــــــــــــــــــــــــــ
"مقتطفات"
"الخليج" الإماراتية