مدارات

لقاء مع نخبة من مثقفي ومبدعي مدينة السماوة

التقى الرفيق رائد فهمي والرفيقة رسمية محمد بنخبة متميزة يوم الجمعة 10/10/2014 مع نخبة متميزة من المثقفين ومن المبدعين الشباب في مدينة السماوة، في جلسة حوارية لتبادل الرأي ومناقشة واقع الثقافة والمثقفين في العراق ودورهم في مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه البلاد.
وبعد الترحيب بالحاضرين، عرض الرفيق رائد فهمي بعض الأفكار والتصورات للمناقشة والتداول، وهي تنطلق أساسا من تقدير لخطورة المرحلة التي يمر بها العراق ، وهو يخوض صراعا شاملاً بالغ العنف والشدة ضد الهجمة الارهابية الوحشية التي تقوم بها داعش، سيكون لطريقة خوض الصراع ومآله انعكاسات وآثار كبيرة على تحديد ملامح ومعالم شكل وجود عراق المستقبل. وتوقف بشكل مكثف عند الدلالات والمعاني والحقائق التي كشفها واكدها سقوط الموصل، ثاني مدن العراق، من دون مقاومة تذكر والأنهيار التام للقوات العسكرية المكلفة بالدفاع عنها. وقدم هذا الحدث الكارثي دليلا ساطعا على فشل عملية بناء قواتنا المسلحة، والاسس التي اعتمدتها عملية البناء هذه والتي قامت وفق قواعد المحاصصة الطائفية والأثنية.
واشار الرفيق إلى أن اللقاء يهدف التركيز على الجوانب المتعلقة بالبعد الثقافي لهذا الصراع. فداعش تجتاح مدنا واراض وتحز الرقاب وتسبي النساء وتصادر الممتلكات وتقتل وتهجر الأهالي بالاستناد إلى فكر تكفيري "يشرعن" ابشع الأعمال والممارسات اللاانسانية، والحديث عن الفكر وعن تقبله والايمان به والاستعداد للانتحار من أجله من قبل آلاف من الشباب ، نساء ورجالا، لا في مجتمعاتنا المأزومة وحسب، وانما في البلدان المتطورة والمتقدمة اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا في امريكا واوروبا واستراليا وغيرها، يجرنا إلى ساحة الثقافة والى التحري عن أسباب هذا التراجع والارتداد في منظومة القيم الثقافية والاجتماعية الانسانية الداعية إلى احترام الانسان وحقوقه الاساسية والى الاعتراف بالاخر المختلف والتسامح والتعايش والنظر إلى التنوع كمصدر اثراء وإغناء.
وهنا يكمن دور الثقافة والمثقف ، بمعنى منتجي الثقافة بمجالاتها المختلفة، في خوض هذا الصراع من أجل النفاذ إلى عقول وقناعات البشر وللارتقاء بمستوى الوعي لديهم وإشاعة قيم ومفاهيم حضارية متقدمة. وفي العراق ، يتفق الكثيرون على أن المواجهة والصراع ذو بعد ثقافي، ولكن المثقف العراقي يعاني من التهميش وغياب الدعم الرسمي وضعف وقلة البنى التحتية الثقافية ومن عدم اصلاح ما تهدم منها، كما تحاصره المؤسسات الاجتماعية التقليدية وتضيق على نتاجه ومجالات ابداعه. وتترك اجواء التعصب بمختلف اشكاله، القومي والطائفي والعشائري والمناطقي والحزبي الضيق، آثارها السلبية على الثقافة والانتاج الثقافي والمثقفين، وتساهم في تعطيل الدور الفاعل والمؤثر للمؤسسات المعنية بالشان الثقافي، للدولة، وبدرجة اقل للمجتمع المدني، وتتضاعف المصاعب والقيود بالنسبة للمرأة المثقفة والمبدعة.
ومن جانب آخر وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، يوجد الكثير من البؤر المضيئة في المشهد الثقافي العراقي، وهناك حيوية وحراك متميزان في جميع صنوف الابداع الثقافي والفني تشهد له المهرجانات الثقافية والمعارض التشكيلية والسينمائية والأعمال المسرحية، والنتاجات القصصية والشعرية والأدبية وفي مجالات العلوم الانسانية المختلفة، وفي الأغلب تقف وراءها مبادرات فردية او جماعات صغيرة لا تحظى إلا بالقليل من الاسناد والدعم الحكوميين، وما يبعث على الأمل والثقة والتفاؤل بالمستقبل الدور البارز للمثقفين والمبدعين الشباب الذي بات يفرض حضوره على الساحة ويحرز الكثيرون منهم الجوائز في المهرجانات الثقافية والمعارض الفنية والمسابقات الأدبية.
وبعدها توالت مداخلات ومساهمات المتحدثين حول مختلف والمحاور التي تمت اثارتها، وقدموا العديد من المقترحات الملموسة. فالقاص والاديب زيد الشهيد قدم لمحة قصيرة عمّا قام به شخصيا في مجال جمع الادباء الشباب وعقد الجلسات المنتظمة لقراءة ومناقشة نتاجاتهم وتقديم المساعدة لهم لنشرها في الصحافة والمجلات الثقافية داخل وخارج العراق، وأكد اهمية الأخذ بيد الادباء الشباب. ودعا إلى أن يلعب اتحاد الادباء و الجهات الأخرى، بما فيها الحزب الشيوعي دورا أكبر في تنظيم اللقاءات والفعاليات الثقافية المنتظمة التي تتم فيها استضافة المبدعين والمثقفين اعرض نتاجاتهم ومناقشتها. ومن جانبة، اكد الاديب والمربي الدكتور عبد الجبار بجاي، رئيس فرع اتحاد الادباء والكتاب في السماوة على مراجعة واصلاح مناهج وطرق التعليم، متوقفا عند اهمية تعليم اصول القراءة الصحيحة لأنها تمثل البداية في عملية تشكيل الوعي. وبعد استعراض تجربة فرع اتحاد الادباء في السماوة، اقترح أن تتشكل كوكبة من الشباب تحمل مشروعا ثقافيا وطنيا وتتولى اقامة نشاطات ثقافية لاشاعته. واعرب الدكتور علي حنوش والدكتور غازي الخطيب، عضوا مجلس المحافظة، عن استعدادهما لدعم المشاريع والبرامج الثقافية التي تقدم للمجلس، لاسيما وان المحافظة تمتلك طاقات كبيرة وفيها مثقفون كبار لايزال التعامل معهم يتسم بالجفاء. وشدد د. غازي الخطيب على ضرورة تحرك المثقفين اصحاب الشأن للمطالبة بدعم الثقافة والنتاج الثقافي.
واشارت الاديبة كاتبة القصة السيدة سعدية ناجي إلى افتقار مدينة السماوة إلى منتدى ثقافي يفتح ابوابه لحضور ومشاركة الكتاب والادباء والشعراء من الرجال والنساء، وهذه الحاجة قائمة بالنسية للنساء بصورة خاصة لعدم وجود اماكن لقاء عامة متاحة لهن كالرجال، وفي هذا تم اقتراح ايضا اقامة منتدى ثقافي نسوي. ودعا الشاب اسامة الزهيري الذي انشأ صالون يحي السماوي الأدبي، دعا مجلس محافظة المثنى إلى اقامة مهرجان ثقافي سنوي، يحمل اسم احد الرموز الثقافية البارزة للمحافظة على سبيل المثال، ما سيساهم في دعم وتشجيع وتنشيط الحركة الثقافية في المحافظة. ويرى الكاتب والصحفي النشيط والمبدع عامر موسى أن المثقف العراقي فاعل ، كما تثبت ذلك مشاركته في تظاهرات ساحة التحرير عام 2011 وانطلاق الكثير من المبادرات التي تذهب بالفعل والنشاط الثقافيين إلى الشارع كبعض المهرجانات التي اقيمت في السماوة في السنوات الاخيرة، ولكن هذه النشاطات بحاجة الى تفعيل ودعم مؤسسي واعلامي، لذا يدعو إلى تبني فعاليات ثقافية مدروسة ، كاقامة مهرجان مسرحي ونقله الى المحافظات ، باعتبار المسرح قناة وشكل تعبير وتواصل مقبول ومؤثر على المستوى الشعبي العام، كما اقترح اقامة مركز سينمائي في السماوة وانشاء صناديق ثقافية وجائزة دولة ثقافية من شأنها تشجيع منتجي الثقافة والمبدعين. ولفتت مساهمات أخرى الانتباه إلى مسؤولية المثقفين انفسهم في تضييق دائرة تأثيرهم، حيث ان الكثير من نتاجاتهم ، ان لم تكن معظمها، موجهة للنخب الثقافية وغير مؤثرة في عامة الناس لأنهم يجوم صعوبة في فهمها او لأنها تبدو لهم بعيدة عن همومهم المباشرة، لذا على المثقفين مواجهة مسألة الوصول إلى الناس وزيادة عدد القرّاء، فالساحة الان يشغلها الدعاة والخطباء والمنبريون الذي يستخدمون خطابا مؤثرا يمس حياة الناس اليومية ومشاكلهم ولكن من دون أن يرتقي بوعيهم. وجرى تأكيد ايجاد طرق سليمة في دعم الانتاج الثقافي تحول دون اضطرار الكاتب او الشاعر بتحمل تكاليف طباعة ونشر نتاجه.
وتناولت المداخلات ضرورة التصدي للحرب النفسية التي تشنها داعش والاوساط الداعمة لها، وذلك بتفكيك وتفنيد خطابها والاشاعات التي تطلقها وتروج لها، ويمكن للمثقفين ان يتولوا هذه المهمة في تحليل ودحض الاشاعات والخطاب المضلل.
وقيّم المشاركون ايجابيا مبادرة محلية الحزب الشيوعي في محافظة المثنى واقترحوا عليها اقامة برامج فعاليات ثقافية دورية كما اقترحوا على منظمات المجتمع المدني والناشطين الشباب اقامة ندوات حول طريقة القراءة السليمة، كما اكدوا فائدة تكرار مثل هذه اللقاءات.