مدارات

ورقة سياسية عن العدالة الاجتماعية في العراق (1-2)

بسام محي

مقدمة

تعتبر موضوعة العدالة الاجتماعية واحدة من اهم عناصر ضمان المساواة والعدالة في توزيع الثروات والدخل وتوفير فرص متكافئة للمواطنين دون اي تمييز او تفرقة، وهي السبيل لتعزيز الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والتنمية نحو تلبية الحاجات الاساسية للمواطنين.
ومنذ انقسام المجتمع الى طبقات وتقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة لوسائل الانتاج برزت فوارق طبقية وفجوة بين الطبقات والفئات الاجتماعية، بين الفقراء والاغنياء، وتمركزت الثروة بيد فئة صغيرة مقابل عملية افقار اكبر للطبقات الفقيرة والمهمشة، وصلت الى حد الاملاق، مما زاد من حدة الصراع السياسي الاقتصادي الاجتماعي، وعلى اثر ذلك اندلعت الثورات والانتفاضات والحركات الاجتماعية الرافضة للواقع المرير والبؤس والحرمان متطلعة الى العدل والانصاف والمساواة.
لقد تعامل الاغريقيون مع العدالة باعتبارها نسقا وعملوا على تشريع قانون عادل ليؤسس مجتمعا عادلا يعطي للافراد حقهم. واعتبر المسيحيون العدالة هي حق متساو في توزيع الموارد الطبيعية للارض لسد الحاجات الاساسية وارضاء افراد المجتمع.
ودفع الكثير من مفكري القرن الثامن عشر الى اعتبار ان الانسان له حاجات طبيعية مادية واخرى حياتية وحاجة الى فرص متساوية للحصول على المصادر المادية والاخلاقية تتجسد لاول مرة في مصطلح العدالة الاجتماعية الذي استخدم في نهاية القرن التاسع عشر.
وفي كتاباته، اعتمد الفليسوف الليبرالي جون رولس على افكار العقد الاجتماعي عند جون لوك في تقديم " نظرية عن العدالة الاجتماعية " في 1971، والذي اعتبر ان العدالة الاجتماعية فكرة فلسفية لا سياسية وحسب، مؤكدا على الحريات الاساسية ( حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية التظاهر والتجمع السلمي وحرية التنظيم وحرية العمل وحرية التنقل).
وتشكل قضايا حقوق الانسان والمساواة اهم دعائم العدالة الاجتماعية حيث تسربت الى الفكر الاسلامي كما عبر عنها الامام الشيرازي باعتبار الانسان له حاجات اساسية كالمأكل والمشرب والمسكن والعمل والصحة والتعليم والمساواة والحرية وتكافؤ الفرص في ثلاثية ( البقاء، النمو،التقدم).
ان فكرة العدالة الاجتماعية مرتبطة بشكل وثيق بالمساواة في تحقيق الصالح العام، وتتجسد عبر تطبيق القوانين والاحكام على الجميع بالتساوي، وتفعيل مبدأ التعايش بين الامم والقوميات، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز حقوق الشعوب الاصلية والمهاجرين. وينبغي التركيز على ان العدالة الاجتماعية ترتبط بالمصالح الفردية في النظام الاجتماعي بمعنى التنافس على الثروات المادية وكيفية توزيعها، اي، الحقوق الممنوحة والمكتسبة للفرد، فكلما زادت الفوارق الطبقية زادت مخاطر الانفجار على النظام السياسي  الاقتصادي- الاجتماعي السائد، فالاحساس بالظلم والتوق الى العدالة ينتج اختلالا في موازين القوى ويقود الى اضطراب وتغيير الاوضاع، وكلما سادت العدالة الاجتماعية زاد معها ثبات النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي، ومع تطور المجتمعات وزيادة التوترات الداخلية نتيجة للتفاوتات الاجتماعية تحولت العدالة الاجتماعية الى عنصر توازن او كبح احيانا للصراعات الاجتماعية واداة لتهدئة التناحرات والصراعات الطبقية، وتستخدم في ردم الفجوة عبر التوزيع العادل نسبيا للثروة وتوفير فرص متكافئة وسد الحاجات المعاشية الاساسية وضمان المساواة بين الجنسين. وتبقى العدالة الاجتماعية مطلبا وهدفا انسانيا تكون غاياته احلال فكرة الحق محل العنف.
ويمكن القول بان العدالة هي منظومة فكرية اقتصادية اجتماعية يتداخل فيها الجانب السياسي حيث تشمل المساواة والعدل والتمكين والانظمة السياسية وتشريع الدساتير والقوانين المرعية ومنها قانون الضمان الاجتماعي لتستخدمه الانظمة السياسية في تقليل حدة الفوارق الطبقية وتخفيف حدة التوترات الاجتماعية وضمان حقوق التقاعد والدعم المادي للعاطلين والعاجزين ومحدودي الدخل والفئات الضعيفة( كما نص عليه الميثاق الاجتماعي الاوربي في 1996) لتوفير الخدمات التي تساهم في رفاهية كل الافراد والجماعات في التمتع وتدمجهم مع البيئة الاجتماعية وتشجيع المنظمات الطوعية في انشاء ومراقبة تطبيقات هذه الخدمات من اجل ضمان الحقوق الاجتماعية والحفاظ على كرامة وادمية الانسان في حياة معاشية كريمة.
ويتفق معظم الباحثين في الشأن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي اعتبار العدالة الاجتماعية هي نظام اقتصادي، اجتماعي يهدف الى ازالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، وتسمى احيانا العدالة المدنية التي تصف فكرة المجتمع الذي تسوده العدالة في كافة مناحيه بدلا من حصرها في عدالة القانون، وتتمثل العدالة في المصالح الاقتصادية، وفي اعادة توزيع الثروة وتكافؤ الفرص بشكل متساو، وتطبيق مبادئ الحرية والمساواة وتنظيم العلاقة بينهما.
ان الديمقراطية باعتبارها نظاما للحكم على اسس دستورية يكون الهدف الرئيسي تلبية حاجات المواطنين والاعتراف بكافة حقوقهم وان يكونوا متساوين في اشغال المناصب والاشتراك في الحياة السياسية وفي صناعة القرارات والتأثير على السياسة العامة عبر المجتمع المدني.
فبالاضافة الى وجود قاعدة دستورية وعدالة اقتصادية تستند عليها العدالة الاجتماعية الا انها ترتبط بشكل وثيق مع فكرة الدولة والانظمة الديمقراطية واحترام حقوق المواطنين للصالح العام عبر مؤسسات تعمل بشكل شفاف غير تلك الانظمة الاستبدادية التي عادة ما تعمل على مزاوجة القوة والسلطة لتأمين مصالحها الخاصة ضد الصالح العام، ويعتبر مدخل العدالة الاجتماعية هو نقض التزاوج بين الحكم التسلطي وبربرية النظام الرأسمالي من خلال التنمية الاجتماعية الانسانية عبر احلال تحالف بين الاقتصاد والديمقراطية، اي تطبيق الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي لتأسيس نظام سياسي اقتصادي اجتماعي مبني على اسس الحرية والمساواة وفصل السلطات والتداول السلمي للسلطة، واعتماد تنمية اجتماعية، وتوزيع الثروة بشكل عادل، وتحقيق نظام ضريبي وضمانات اجتماعية وحقوق مدنية وسياسية وثقافية وخدمات صحية وتعليم واعلام حر وسكن لائق ورعاية العجزة والشيخوخة لتكون اساسا في معالجة الفقر ومكافحة البطالة والعوز.
وينبع دور الدولة في المساهمة بتحقيق الصالح الاجتماعي عبر تغيير الواقع وان تكون حارسا على توفير مستلزمات تطبيق القانون وتطوير مؤسساتها وان لا تكون منحازة وان تؤمن مصالح المواطنين وتنظم العلاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني وان يجري التعاون والمشاركة الجادة والعادلة في السلطة والثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

أولا: معوقات تطبيق العدالة الاجتماعية في العراق
1. التشريعات والدستور العراقي

في المادة الاولى من بابه الاول يثبت الدستور العراقي ( جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي( برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضمان لوحدة العراق)، هذه المادة الاولى من الدستور تعبر بشكل جلي على ان بناء الدولة يكون على اساس مؤسساتي تحفظ فيها كرامة المواطن وتؤمن له مستلزمات العيش الكريم من خلال تشريعات وقوانين تشرع من مجلس نواب منتخب وسلطة تنفيذية تسعى لتقديم خدماتها للمواطن وتنظم العلاقة مع المجتمع المدني وان نظام الحكم قائم على اساس ارساء مبدأ المواطنة الحقة وبناء الدولة المدنية الديمقراطية وفق العدالة الاجتماعية وهذا ما سنراه في المواد الاخرى المثبتة في الدستور، فعلى صعيد بناء النظام السياسي تشير المادة (6) الى تداول السلطة سلميا، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور، وهذا ما يتمناه المواطن في الفصل الاول من الباب الثاني في الحقوق المدنية والسياسية، والتي تهم موضوع البحث بشكل اساسي، فالمادة (20) ثبتت الحقوق للرجال والنساء في حق التصويت والانتخاب والترشيح، فهي تعطي للمواطنين حقوقا ومن جهة اخرى تثبت دعائم ممارسة احدى آليات بناء الدولة الديمقراطية المدنية.
وتأتي مواد اخرى تبني اساسا مهما لبناء نظام العدالة الاجتماعية في العراق حيث جاءت المادة (15) من الدستور تؤكد على ان لكل فرد الحق في الحياة والامن والحرية ولا يجوز حرمانه من هذه الحقوق إلا بأمر قضائي، وتعطي المادة(16) حقا مكفولا في تكافؤ الفرص للمواطنين، وهناك المادة (22) تضمن ( العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة) وفي فقرتها ثانيا تؤكد على تشريع قانون ( ينظم العلاقة بين العمال واصحاب العمل على اسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية) وتم تثبيث ثالثا من نفس المادة ( تكفل الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية، او الانضمام اليها وينظم ذلك بقانون)، اي بمعنى ان هذه المادة (22) انما تضع امام السلطة التشريعية سن قانون للعمل بما يكفل حقوق العمال وضمان حياة اقتصادية مناسبة ومعاشية ملائمة وحق ممارسة نشاط نقابي.
وثبت الدستور مواد كالمادة (25) تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته) وكذلك المادة (26) التي ( تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة وينظم في قانون)، وهي تشريعات انما يراد منها ان تضمن اعادة بناء الاقتصاد العراقي واستثمار موارده الطبيعية وتنمية القطاعات الانتاجية الاخرى وسن قانون للاستثمار الاجنبي والوطني ذو اهداف اقتصادية واجتماعية دون المساس بسيادته والتدخل في شؤونه الداخلية. وتأتي المادة (111) لتؤكد على ان( النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات) واما المادة (112) تؤكد على وضع استراتيجية لتطوير الثروة النفطية والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي.
ويمكن القول ان المادة ( 30 ) من الدستور تعبر بشكل جلي على احدى اهم اركان بناء العدالة الاجتماعية في العراق حيث تشير في فقرتها الاولى الى ( تكفل الدولة للفرد والاسرة، وبخاصة الطفل والمرأة، الضمان الصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياة حرة كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم) وتضيف الفقرة الثانية من نفس المادة (تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة او المرض او العجز عن العمل او التشرد او اليتم او البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفير السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم وينظم ذلك بقانون). وتكفل المواد الاخرى لكل العراقيين حق الرعاية الصحية كما في المادة (31)، وحق التعليم ومجانيته في المادة (34)، وتأتي الحريات العامة في مواده (38، 39 و40) التي تكفل حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي وحرية تأسيس الاحزاب، وحرية تبادل المعلومات.
وارتباطا بمواد الدستور، الذي يعتبر من الدساتير المتقدمة في البلدان العربية والذي لا يخلو من نواقص بحاجة الى تعديلات لفك الاشتباك في ازدواجيتها او زيادة على توضيحها وتحويل مواده الى قوانين نافذة المفعول، الا ان تطبيقاته على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ظلت مرهونة بتطورات الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونمط التفكير السائد لدى الحكام والذين لا يستندون في حكمهم على مشاريع تنموية .

2- صورة للواقع السياسي الاقتصادي

دشن العراق العملية السياسية في عام 2003، التي تهدف الى انتقال البلد من النظام الديكتاتوري ونظام الحزب الواحد الى نظام دستوري يضمن الحريات والحقوق واعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة واعادة بناء الدولة ومؤسساتها وصياغة دستور دائم يضمن تطور العراق نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
واجهت العملية السياسية مصاعب كبيرة في ظل صراعات دموية في مواجهة القوى الارهابية المعادية للعملية السياسية وهو صراع يدور حول السلطة والثروة وحول شكل ومستقبل النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي، وعليه دخلت البلاد في ازمات متتالية مع استشراء الفساد الذي تحول الى جزء من مؤسسات الدولة والبنية المجتمعية، وتردي الوضع الامني، والتدهور المريع للخدمات في عدم القدرة على توفير الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي وارتفاع الاسعار وزيادة معدلات التضخم وتصاعد نسب الفقر وتفشي البطالة، كل ذلك سمح بتدخلات خارجية دولية واقليمية في الشأن العراقي. لقد اثبت نهج المحاصصة الطائفية الاثنية، الذي ارتضته القوى المتنفذة، انه اس البلاء في البلاد وانتج ازمة نظام حكم حيث غابت الرؤى والاستراتيجيات الكفيلة باعادة اعمار العراق، وغابت الارادة السياسية للعمل المشترك وتنامي مظاهر التفرد في السلطة وتراجع حقيقي في الدور التشريعي لمجلس النواب وعجزه عن سن التشريعات المرتبطة بحياة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كقانون العمل وقانون الاحزاب وقانون الاستثمار وقانون الضمان الاجتماعي وقانون النفط والغاز.
وتنامت مظاهر التضييق على الحريات العامة والتعامل الانتقائي مع الدستور ومنع السلطات التظاهر السلمي الذي يكفله الدستور وممارسة السلطات الاعتقالات والتعذيب وتدخلها في الحياة النقابية ومحاولتها للهيمنة على النشاط المهني للاتحادات ومنظمات المجتمع المدني والتجاوز السافر على القضاء وتخديش استقلاليته.
واستمر الاقتصاد العراقي في احاديته باعتباره اقتصادا ريعيا يعتمد على الريوع النفطية من الخارج بنسبة لا تقل عن 90 بالمئة من مجمل الدخل القومي، وزيادة ملحوظة في قيمة الاستيرادات تصل الى 45 مليار دولار سنويا مع ضعف القدرات الاقتصادية الانتاجية الاخرى في الزراعة والصناعة وضعف التجارة الداخلية، وعدم وجود تنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية وهو انعكاس لعدم وجود رؤية اقتصادية استراتيجية في مجال التنمية مما يعيق اعادة اعمار العراق وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص ويزيد من نسب البطالة وزيادة نسب الفقر.

3. الفقر في العراق

لقد اظهرت ارقام الجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط ان حوالي 20 بالمئة من السكان، اي 6 ملايين مواطن عراقي يعيشون تحت خط الفقر، يكون مساويا لمبلغ اقل من 77 ألف دينار، وتزداد اعدادهم ونسبهم في الريف اكثر من المدن، وان فجوة الفقر في العراق تقدر بـ 4.5 بالمئة، اي قريبا من خط الفقر مع ارتفاع معدلات النمو السكاني 3.5 بالمئة، الذي يبلغ حاليا 34 مليون و700 الف نسمة.
وتؤكد معطيات وزارة التخطيط بان الفقراء يعيشون على النفايات والمزابل وان نسبة 7 بالمئة من سكان العراق يعيشون في العشوائيات وان 33.7 بالمئة منهم يحيطون بحزام بغداد، ناهيك عن انعدام الخدمات الاساسية كالماء الصالح للشرب والكهرباء والصرف الصحي والطبابة والتعليم.
وتكشف المعلومات والبيانات المتعلقة بالفقر الى التفاوت الشديد بين المحافظات والريف وزيادة الاستقطاب، والتفاوت في توزيع الثروة والدخل، بسبب غياب الرؤية الحقيقية للتنمية الاجتماعية وعدم ضبط آليات اقتصاد السوق وغياب ضوابط التجارة مما ادى الى ظهور فئات طفيلية زادت من ثرائها وتحالفت مع الفساد المستشري الذي تمارسه الفئات البيروقراطية من داخل مؤسسات الدولة وراكمت اموالها غير المشروعة مستغلة حالة الانفلات الامني وانعدام تطبيقات القوانين وضعف التشريعات واستغلال المال العام بتوظيفه في قطاعات الخدمات والعقارات والتجارة. وتعتبر الموازنة واحدة من اسباب التفاوت في توزيع الثروة وخاصة في ابوابها التشغيلية على حساب الموازنة الاستثمارية ومنح امتيازات لفئات اجتماعية قريبة من السلطة وفوارق واضحة في سلم الرواتب والاجور وتفتقر الى آليات تنفيذ المشاريع التي توفر فرص عمل، وتولي الحكومة اهتماما في زيادة مخصصات الموازنة للامن والتسليح على حساب معالجة الازمات الاجتماعية وسط غياب استراتيجية للتخفيف من الفقر في العراق.

4. البطالة

في ظل الخلل الاقتصادي تواجه التنمية في العراق تزايد اعداد العاطلين عن العمل وخاصة بين الشباب وحسب احصائيات وزارة التخطيط فانها تشكل 15 بالمئة من القوى العاملة وارتفاع نسبة البطالة الناقصة ( العمل باقل من 35 ساعة اسبوعيا)، وترتفع النسبة بين النساء لتتجاوز 33 بالمئة وتتفاوت بشكل كبير بين المدن والريف ولم تقدم الحكومة حلولا لمشكلة البطالة واعتمدت على نمط تشغيل غير انتاجي، وتكديس للبطالة المقنعة داخل مؤسسات الدولة ومنح فرص عمل في داخل المؤسسات الامنية والعسكرية المحسوبة لجهات سياسية ومتنفذة مع اهمال كبير للقطاع الخاص وتهميش دوره الانتاجي في النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في العراق.

5- التعليم والامية

يعد التعليم أحد العناصر الأساسية والمهمة لتحقيق التنمية الاجتماعية الحقيقية في العراق، ولذلك يتوجب على أية حكومة عراقية أن تجعل التعليم من أولوياتها الرئيسية خصوصا في الوقت الحاضر نتيجة لدوره في خلق أجيال متعلمة تساهم في بناء العراق وتعمل على تطوير وتحقيق تقدمه.
وقد قدرت منظمة اليونسكو نسبة الامية في العراق بـ 20 بالمئة، وهناك تقديرات تصل الى 30 بالمئة، وتتشكل نسبة 42 بالمئة للاعمار اقل من 15 عاما، وتتراوح نسبة الامية بين النساء 50 بالمئة وتزاد في الريف اكثر من المدن والمنطق الحضرية.
وتشير اسباب ذلك الى الاوضاع الامنية، وعدم اهتمام الدولة وخططها بالتعليم قد زاد من نسبة الامية، اضافة الى البطالة وتسرب الطلبة الى سوق العمل باعمار مبكرة والبيئة التعليمية غير الحضارية وتخلف المناهج وطرق التدريس والتربية وقلة الكوادر التربوية وزيادة فجوة التعليم بين الاناث والذكور، وقلة توفير الابنية للمدارس وزيادة الدوام المزدوج والثلاثي وانعدام الخدمات فيها الى حد تصل الى 70 بالمئة من المدارس تفتقر الى المياه النظيفة ودورات المياه.
وهذا يؤكد عدم وجود معالجة علمية على اساس مبرمج ذو ابعاد وطنية واجتماعية في القضاء على الامية او الارتقاء بالمستوى التعليمي والتربوي ولا توجد تشريعات ومخصصات مالية كافية، وتمتثل الحاجة الى وضع استراتيجية لمحو الامية وضمان مجانية التعليم وتوفير الكوادر التدريسية والتعليمية والاهتمام بتنشئة الاطفال والاجيال وتفعيل القوانين الداعية لرفع مستوى التعليم ومحو الامية.