مدارات

ورقة سياسية عن العدالة الاجتماعية في العراق (2-2)

بسام محي

6- الصحة

لقد ثبّت الدستور العراقي حق الحصول على الرعاية الصحية ولكن ما يجري على الارض هو واقع مرير من تخلف صحي مريع في العراق ، وتشير المعطيات الى وجود مشاكل جدية في النظام الصحي تتمثل بقلة الخدمات الصحية وقلة المراكز الصحية والمستشفيات وضعف مستوى الكوادر الطبية مقارنة بتطور الصحة في العالم، وقلة عدد الاطباء فلكل 1000 اسرة طبيب واحد، وضعف كفاءتها وغلاء الادوية لمحدودي الدخل وارتفاع اجور العلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة، وما زالت البلاد تعاني من ضعف التغذية للفرد وسوء الاطعمة، وانتشار الاوبئة والامراض المستوطنة وكان آخرها عودة شلل الاطفال بشكل غير مسبوق، وعدم وجود رؤية واضحة للتخلص من اثار الحروب في توفير مستلزمات صحية لاصحاب الاحتياجات الخاصة، وتنظيف البيئة التي لوثتها الحروب بمواد كيمياوية وظهور مشاكل بايولوجية وعاهات خلقية.

5- غياب التنمية

التنمية هي عملية تغيير حضاري، وهذا التغير الحضاري بالغ الصعوبة والتعقيد، ولذلك فالتنمية تتطلب تبديلا اجتماعيا للواقع الذي يعيشه المجتمع المتخلف بأساليب الإنتاج الاقتصادي وأنماط السلوك الاجتماعي. وهذا يعني أن التغير الاجتماعي هو عملية تحول من التخلف الاجتماعي والحضاري إلى التقدم الاجتماعي ولذلك فهو يتصل بالإنسان ككائن اجتماعي لأنه المعني بهذا التغيير. وتتركز أهداف التغيير الاجتماعي على ما يأتي:-
- زيادة المتوسط الحقيقي لدخول الأفراد.
- توفير العمل المثمر لكل مواطن.
- توفير الخدمات المختلفة للمواطنين.
- تبني سياسة سكانية مناسبة ومتوازنة مع معدل نمو الدخل القومي.
- الاهتمام بتركيب المجتمع وتنظيماته المختلفة بما يضمن تنمية الجهاز الاجتماعي بالكامل.
ان غياب التنمية الاجتماعية يشكل أحد الملامح الأساسية في العراق على الرغم من ارتفاع الموارد النفطية خلال السنوات 2004 - 2012 فقد تم تخصيص 160 مليار دولار، علما جرى هدر اكثر من 600 مليار دولار دون رقيب، للنفقات الاستثمارية للوزارات والمحافظات والاقاليم الا انها لم تنعكس ايجابيا على الواقع المعاشي للمواطن، وذلك لان معظم المشاريع الحكومية تعاني من التلكؤ وسوء التنفيذ، ولم تتجاوز نسبة التنفيذ 10 بالمئة، ولم تكن قلة المنجز بمعزل عن النهج السياسي والاقتصادي. ورغم الحجم الكبير للواردات فان أبرز سمات غياب التنمية الاجتماعية في العراق الذي يحتل مرتبة متدنية في مؤشرات التنمية البشرية في ارتفاع نسب الفقر والبطالة والامية وتراجع الرعاية الصحية، وتشكل هذه المعضلة بالاقتصاد العراقي المرتبط بالانتقال الى اقتصاد السوق دون ضوابط، والصراعات السياسية وسوء استخدام الواردات النفطية وتوزيعها بشكل عادل وكفوء.

ثانيا: تحديات تطبيق العدالة الاجتماعية

امام المعطيات اعلاه نتوصل الى ان تطبيقات العدالة الاجتماعية توجه تحديات كبيرة منها:
1- قيام العملية السياسية على نهج المحاصصة الطائفية الاثنية، وعجز على معالجة الملف الامني لتحقيق السلم الاهلي.مثال على ذلك بان بامكان توسيع دائرة المشاركة في الحكومة وفق الكفاءة والنزاهة وليس على اساس الطائفة والولاء الحزبي تحت ذريعة مبدأ التوازن ".
2- عدم وجود علاقة منتظمة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني. على الرغم من اهمية ودور المجتمع المدني والمؤسسات المدنية في البناء الديمقراطي الا ان هناك فراغاً تشريعياً اضافة الى محاولات من السلطة السياسية للهيمنة على دور المنظمات المدنية.
3- غياب المشروع الوطني ذو البرامج الموحدة لتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص للمواطنين وضمان الحريات العامة.
4- عدم وجود تنمية اقتصادية اجتماعية بل تنمية استهلاكية للمجتمع. يعتبر الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي يعتمد على واردات النفط الخارجية ولا تستثمر تلك الواردات لخطط تنموية لتطوير القطاعات الانتاجية، وانعدام الرؤية الاستراتيجية لبناء اقصاد منتج، اضافة الى عدم تشريع قانون النفط والغاز، الذي يعالج الكثير من المشاكل في البلاد.
5- عدم وجود جهاز اداري قادر على ادارة الدولة ومؤسساتها. لازالت المنظومة الادارية متخلفة ولا ترتقي الى مستوى التطور التكنولوجي والتقني للادارة او ما يسمى الحوكمة او الحكومة الالكترونية في الشؤون الادارية.
6- تفشي الفساد الاداري والمالي.على الرغم من وجود دوائر ما يسمى بالمفتش العام في كل وزارة ومؤسسة حكومية الا انها لم تفعل بالشكل المطلوب، ولم يأخذ البرلمان العراقي دوره الرقابي اضافة الى مهمته التشريعية في وضع حد لآفة الفساد، وضعف الوعي الشعبي والرقابة الشعبية في التصدي للفساد المنتشر في كل مؤسسات الدولة، وانعدام الشفافية.
7- اللجوء الى الحلول الارتجالية في معالجة الازمات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. اشرنا الى عدم وجود خطة واضحة لحاضر ومستقبل العراق فلم تقر الموازنة السنوية لعام 2014 ، وهذا يعني ان القرارات التي تهم الناس ستكون خاضعة للارتجال في معالجة الازمات.
8- انعدام سياسة استراتيجية نفطية على اسس علمية بل الاعتماد على الاقتصاد الريعي الذي يشكل تهديدا لمستقبل الديمقراطية في العراق .
9- انعدام الخطط الكفيلة بمكافحة الفقر والبطالة والتخلص من الامية وتحسين الصحة والحقوق الاجتماعية الاخرى.
10- زيادة الانفاق التشغيلي على حساب الاستثماري في موازنات الدولة وعجز الموازنة عن المساهمة في تحسين اوضاع المواطنين. يشكل الانفاق التشغيلي الذي يصل الى اكثر من 67 بالمئة من الموازنة السنوية لعام 2013 عائقا هاما في تطوير الحياة الاقتصادية وانعكاساتها على الحياة المعاشية والاجتماعية للمواطنين.
11- انعدام الخطط الاقتصادية الهادفة الى تفعيل دور القطاعات الانتاجية الاخرى كالزراعة والصناعة وتحويل قطاع الخدمات الى قطاع منتج.
12- عدم وجود سياسة ضريبية كمصدر للتقليل من التفاوت الطبقي في المجتمع. على الرغم من وجود استقطاعات ضريبية من جميع العاملين الا انها لم تتلمس طريقها في اي مجال في حقل الصرف او الاستثمار وحصة صندوق الرعاية الاجتماعية منها.

ثالثاً: نحو العدالة الاجتماعية في العراق

يمر الطريق الى العدالة الاجتماعية عبر العمل على معالجة الاحوال السياسية والاقتصادية وتشريع القوانين التي من شأنها بناء الدولة على اساس مبدأ المواطنة ليكون المواطن شريكاً حقيقيا في تحديد مصيره ومستقبله ومستقبل الاجيال القادمة، وهذه الشراكة تبنى على اساس الممارسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، والعناية بمحدودي الدخل والفئات الاجتماعية المتضررة، واعادة توزيع الثروة بشكل عادل.
ان الوصول الى تطبيقات العدالة الاجتماعية انما يمر عبر تحديد الاهداف للتخلص من التخلف والاستبداد ووضعها على طريق الحرية والتقدم واحترام حقوق الانسان، وهذا ما يستحقه الشعب العراقي بعد ما ذاق ويلات النظام السابق والاحتلال ونظام المحاصصة الطائفي الاثني المقيت، وهي مهام بحاجة الى قوانين ديمقراطية ومؤسسات دولة تجعل المواطن المحور الاساسي في تأدية وظيفتها. فتلك القيم لا يمكن تحقيقها دون عملية لتغير الواقع عبر حركة جماهيرية ومطلبية ودور اكبر لمؤسسات المجتمع المدني لتطوير المستوى الاقتصادي والاجتماعي وتحسن من الاجواء السياسية وان يرسخ مبدأ المواطنة في كل التشريعات ونشاط مؤسسات الدولة. وهذا يتطلب جملة من القضايا:
1- ان مفهوم المواطنة هي ان يشعر المواطن العراقي في بلده ان له حقاً في ان يتمتع بكامل حريته وله حقوقاً وواجبات في دولة المؤسسات التي تلتزم بخدمة المواطن وان تتحرر من استخدامها كأداة تسلطية، وفصل الدين عن السياسة، ليبقى الدين داعية للارشاد والدعوة للمحبة واحترام المعتقد والشعائر الدينية.
2- التخلص من النهج الطائفي الاثني واعتماد مبدأ المواطنة في بناء الدولة المدنية الديمقراطية.
3- بناء الدولة المدنية الديمقراطية على اساس القانون والمؤسسات الدستورية وفصل السلطات والتداول السلمي للسلطة واحترام ارادة المواطنين وحقوقهم وحرياتهم دون ممارسة اي شكل من اشكال التضييق على الحريات او الاكراه، وتحريم انتهاك حقوق الانسان والاعتداء على المواطنين دون امر قضائي.
4- اتباع استراتيجية اقتصادية تعتمد على التنمية المستدامة تهدف الى تطوير الاقتصاد وتفعيل كافة القطاعات الانتاجية الاخرى، ووضع استراتيجية نفطية تساهم في تطوير الاقتصاد العراقي وتخليصه من طابعه الريعي.
5- الانطلاق بالتنمية الاجتماعية وهي تنمية لتحسين احوال واوضاع المواطنين الصحية والتعليمية والاجتماعية.
6- مكافحة التفاوت والتهميش الاجتماعيين عبر تأمين الضمان الاجتماعي ومكافحة البطالة وتحسين الخدمات والتعليم ومحاربة الامية وتحسين الرعاية بالصحية.
7- دعم البطاقة التموينية وتحسين مفرداتها التي تشكل عونا اساسيا للفقراء والمحتاجين.
8- وضع برنامج لمكافحة البطالة وتوفير فرص عمل.
9- تنفيذ السياسات الاستراتيجية لمكافحة الفقر .
10- وضع سلم للاجور يقلص الهوة بين الدخول العليا والدنيا وتطبيق سياسة ضريبية تصاعدية.
11- تشريع قوانين من شأنها تحقيق استقرار سياسي منها قانون الاحزاب ليضمن نشاط الاحزاب وتأسيسها ويراقب مواردها ودورها السياسي وتطبيقات برامجها وسن قانون للانتخابات منصف يقوي اساس بناء الديمقراطية السياسية.
12- العمل على تشريع قوانين تضمن بناء العدالة الاجتماعية على قاعدة الديمقراطية الاجتماعية، وهي مهمة الدولة بكل اركانها منها قانون العمل وقانون الاستثمار وقانون الضمان الاجتماعي وقانون تبادل المعلومات وقانون النفط والغاز.
13- اعتماد معايير في ادارة البلاد وفق الكفاءة والنزاهة والوطنية للوظيفة العامة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ومحاربة كل اشكال المحسوبية والمنسوبية، والحزبية الضيقة في اسناد الوظائف الحكومية.
14- محاربة الفساد باعتباره الوجه الآخر للارهاب وتخريب مؤسسات الدولة والمجتمع.
15- تطوير دور ومشاركة المجتمع المدني في عملية التنمية والحياة السياسية والمجتمعية والتخلص من تأثيرات الانتماءات القديمة والاشتراك في مؤسسات وجمعيات اجتماعية وثقافية واحزاب.
16- اعتماد نظام رقابي يكون من مهمة الاجهزة التشريعية والرقابية والهيئات المستقلة ومنظمات المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ الخطط والبرامج التنموية وتطبيق القوانين والانظمة.
17- الاهتمام بميدان الثقافة والمعرفة وتحويلها الى قطاعات انتاجية للقيم الانسانية ولزيادة الوعي الجمعي بمصالح المواطنين.
18- الاهتمام بتنشئة الاجيال ورعاية اهتمامات الشباب تعليما وتوفير فرص عمل تساهم في بناء شخصيته ومستقبله.
19- تخليص المرأة العراقية من التخلف الاجتماعي والظلم والتهميش وتشريع قانون احوال شخصية يضمن حقوقها ومساواتها الاجتماعية والاقتصادية بأخيها الرجل.
20- معالجة الخلافات العالقة مع اقليم كردستان وفق الدستور عبر الحوار البناء والهادف.
21- معالجة القضايا القومية والاثنية بعيدا عن النظرة العنصرية او الشوفينية وتأمين الحقوق الدينية والثقافية والادارية.
22- تنظيم العلاقة مع دول الجوار والعالم على اساس التكافؤ وتبادل المصالح المشتركة بما يضمن امن وسيادة العراق.
23- اعادة الاعتبار لضحايا الاضطهاد والارهاب وضحايا النظام السابق وانصاف السجناء السياسيين وعوائل الشهداء، وتوفير ضمانات لعودة المهاجرين والمهجرين وتعويضهم.
بغداد
آيار 2014
ــــــــــــــــــ
المصادر:
ــــــــــــــــــ
1. جاسم الحلفي: التيار الديمقراطي في العراق..الواقع والآفاق بغداد 2013
2. مقالة خالد الخولى: تطور المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية موقع مصر الجديدة 2012.
3. وثائق المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي ايار 2012.
4. تقرير الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات بوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية بغداد 2009.
5. تقرير: مركز المعلومة للبحث والتطوير و منظمة تموز للتنمية الاجتماعية بغداد 2013.
6. د. صالح ياسر: الريوع النفطية وبناء الديمقراطية الثنائية المستحيلة في اقتصاد ريعي بغداد 2013
7. مقالة د. سعد علي حسين: أسس التنمية الاجتماعية في العراق مواقع الانترنيت.
8. تقرير الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات بوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية بغداد 2013.
9. د.علي عبد الهادي: نحو استراتيجية فعالة للتنمية الاقتصادية في العراق.