مدارات

لمناسبة مرور خمسين عاماً على جريمة "قطار الموت" / جاسم الحلوائي

قطار الموت

عرف الشعب العراقى "قطار الموت" بعد انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963. وكان هذا القطار يشتمل على 15 عربة مخصصة لنقل البضائع والمواشي،وهي شبيهة بعلبة حديدية صماء محكمة الاغلاق بلا نوافذ ولا مقاعد وغير مبطنة ومطلية بالقير. وكان المنفذ الوحيد للهواء الخارجي داخل العربات هو الشقوق الضيقة جداً الموجودة بين أبواب العربات وإطاراتها.
إثر انتفاضة معسكر الرشيد أصاب الذعر حكام الانقلاب كثيراً، وأقلقهم بوجه خاص وجود مئات من الضباط الشيوعيين والقاسميين في سجن رقم 1 في معسكر الرشيد قريباً من أي ثائر آخر مثل الشهيد البطل حسن سريع يمكن أن يحررهم. تداولوا في أمر قتلهم، ولكنهم خافوا عاقبة الأمر. فاختاروا طريقة تؤدي إلى موتهم، وعندها يمكن تلفيق أي عذر لذلك بما فيه الإهمال أو التقصير من موظف ما. وهكذا تم حشر السجناء في صيف تموز القائظ في ذلك القطار وهم في حالة يرثى لها جراء الجوع والعطش والقلق. وكان السجناء مكبّلين بالسلاسل ومربوطون إلى بعضهم، بقصد إرسالهم إلى سجن "نقرة السلمان" الصحراوي سيء الصيت. وبسبب الحرارة الشديدة ونقص الأوكسجين وفقدان السوائل، أخذ السجناء يفقدون قدرتهم على تحمل الحرارة. فأوصاهم الجراح العسكري العميد رافد أديب بابان، الذي كان من ضمن المعتقلين، أن يشربوا العرق الذي تنضحه أجسادهم باستخلاصه من ملابسهم الداخلية. ومن حسن الصدف أن يعرف سائق القطار الشهم عبد العباس المفرجي، بهوية ركابه في محطة الهاشمية في محافظة الحلة من أحد الأشخاص، فانطلق بالقطار بأقصى سرعته مخالفاً الأوامر والتعليمات، رغم احتجاج وصراخ الحرس القومي والجنود الذين يحرسون القطار. فوصل القطار إلى مدينة السماوة قبل موعده بحوالي الساعتين.

وكان الموقوفون في الرمق الأخير ومغمى على الكثيرين منهم. وفي محطة السماوة استقبلت الجماهير القطار وهي تحمل صفائح الماء البارد واللبن والرقي (البطيخ الأحمر) ، متحدّية بذلك الحكام الفاشست. فبادر الدكتور العميد رافد أديب بابان إلى تحذير الأهالي من الاقتراب من الموقوفين وسقيهم الماء، وطلب ملحاً فاستجاب المواطنون لطلبه، وجلبوا كميات من الملح. وتوّلى الأطباء العسكريون السجناء إسعاف رفاقهم، وقد استشهد منهم الرئيس الأول يحيى نادر. وصارت تعرف هذه الحادثة ﺒ"قطار الموت". وهي واحدة من جرائم حزب البعث التي لا تنسى.
و كان من ركاب هذا القطار، الذي كان يحمل 520 معتقل سياسي، العقيد ابراهيم حسن الجبورى، العقيد نادر جلال نادر،العقيد حسن عبود، العقيد سلمان عبد المجيد الحصان، المقدم عدنان الخيال، المهندس الضابط عبد القادر الشيخ، الرئيس صلاح الدين رؤوف، الضابط يحى نادر، الضابط محمود جعفر الجلبي، العقيد لطفي طاهر، الضابط ساجد نوري، الضابط نوري الونة،الضابط غضبان السعد، الضابط غازي شاكر الجبوري، الضابط ابراهيم الجبوري، الضابط عبد السلام بالطة، الضابط الطبيب رافد صبحي أديب الضابط الطيارعبد النبي جميل، الضابط الطيار حسين علي جعفر، الضابط طارق عباس حلمي، الضابط عزيز الحاج محمود، مكرم الطالباني،عزيز الشيخ محمود، عبد الوهاب الرحبي، كريم الحكيم، الدكتور احمد البامرني، علي حسين رشيد، جميل منير العاني، شاكر القيسي، حامد الخطيب، فاضل الطائي، عبد الصمد نعمان،علي ابراهيم، الطبيب سعيد غدير، الطبيب قتيبة الشيخ نوري،الطبيب سعد عزيز، الطبيب صلاح العاني والطبيب طارق عواد.
وورد ذكر هذا القطار في قصيدة الشاعر الكبير سعدي يوسف "إعلان سياحي لحاج عمران" أديس أبابا 19 آب 1983.
يا بلاداً بين نهرين
بلاداً بين سيفين
بلاداً كلما استنفرت الأسلاف، دقت طبلة الأجلاف..
قوميون لم يستنطقوا التاريخ إلا في قطار الموت.