مدارات

من تأريخ الكفاح المسلح لأنصار الحزب الشيوعي العراقي (1978- 1989 ) "6" / فيصل الفؤادي

ولكن يبدو أن السياسة الجديدة (من الجبهة إلى الجبل) لم تكن المواقف في قيادة الحزب موحدة بشأنها. وللتدليل على ذلك يشير قادر رشيد إلى الحادثة التالية: "في مكتب طريق الشعب في بغداد التقيت بأبو مخلص (عبد الرزاق الصافي) .. قلت جئت لكي آخذ قسمًا من الأسلحة الموجودة لديكم فقال لي نحن لا نعطي أي سلاح فارجع من حيث أتيت وسنعيد هذه الأسلحة إلى البعث ... وأخيرًا سمعنا أن الرفيق أبو مخلص قد سلم البعث سبعمائة قطعة سلاح وعشرات الصناديق من الأعتدة والأسلحة الشخصية للرفاق وأعدادًا من السيارات وسيارات الحمل وأن الأسلحة بسمرت في صناديق خاصة وتم نقلها إلى الحكومة وكتبت عليها عبارة (عائدة إلى البعث) " .
وفي رسالة للكاتب من الرفيق جاسم الحلوائي حول سؤال – هل الحزب كان لديه قرار للتوجه إلى الجبل؟ أجاب: لايوجد هكذا توجه. وعندما سالته: ومن الذي سلم السلاح إلى الحكومة؟ أجاب: عبد الرزاق الصافي!
وبالمقابل يقول بهاء الدين نوري في مذكراته: "رفض المكتب السياسي طلبنا وجمع الأسلحة كلها في إحدى غرف المقر العام وكتب ورقة متروكة مع الأسلحة العبارة التالية (هذه أسلحة السلطة وتعاد إليها)، وهو يحمل عضوي المكتب السياسي عبد الرزاق الصافي وباقر إبراهيم ).
أول موقع (ناوزنك )
كان الموقع الجديد (ناوزنك) هو عبارة عن غرفة (سجن) لا تتسع إلى أكثر من ثمانية أشخاص، فخصص إلى الكوادر الحزبية والقيادية في حين نصبت بعض الخيام للأنصار والملتحقين الجدد من الرفاق. اذ إلتحق عدد غير قليل من منظمات مختلفة (من بغداد وأربيل وسليمانية والموصل) وتم تدبير الأمر وإسكانهم في هذه الخيام وكانت الظروف صعبة حيث نهاية آذار وبداية نيسان ولازال الشتاء وبرده خاصة في الليل.
كانت بداية التشكيلات الأولى للأنصار أواخر عام 1978 عفوية (كما اسلفنا)، ولم تسبقها دراسة أو تهيئة من قيادة الحزب، وواجه الرفاق أوضاعا صعبة وقاسية وخطيرة للغاية عند وصولهم إلى ناوزنك، حتمت عليهم تنظيم أنفسهم ودفعتهم للعمل من أجل الحصول على أية قطعة سلاح للدفاع عن حياتهم.
في الذكرى السنوية الثامنة لتأسيس فصائل الأنصار الشيوعيين 1987 كتبت جريدة (نهج الأنصار) جريدة المكتب العسكري المركزي للحزب مقالا تقول فيها: (يحمل شهرا كانون الأول 1978 وكانون الثاني 1979 ذكرى عزيزة لكل الشيوعيين وأصدقائهم وجماهيرهم، هي ذكرى تأسيس أولى الفصائل المسلحة لحزبنا...)، وهذا يعني أن بداية التأسيس للحركة الأنصارية ثبت في هذا التاريخ من خلال أعلى هيئة تقود العمل العسكري الأنصاري.
وفي الوقت نفسه يشير تقيم حركة الأنصار التابعة للحزب المشار إليه سابقًا إلى ما يلي: "جرت الموافقه من المكتب السياسي في وقت متأخر (تشرين الأول 1978) بعد إتخإذ الخطوات الأولية المطلوبة على الانتقال الفعلي إلى المواقع الأنصارية، وكان قد ظل رفاق المكتب السياسي في الداخل ثلاثة فقط، وظهرت مبادرات فردية وجماعية من بعض الرفاق للإلتحاق ببعض المواقع الأنصارية وكان لها دور كبير في دعم الوجهة اللاحقة" .
كانت أغلب الإلتحاقات قد تمت في بداية شهر آذار, وجاءت تباعًا في الأشهر الأخرى وزاد عدد الرفاق الملتحقين حتى أصبح أكثر من 80 رفيقًا وصديقًا ولكنها كانت تفتقر إلى السلاح الذي كان لا يتجاوز عدد قطعه عن 6 رشاشات أغلبها جلبها الرفاق من منطقة بشدر و بتوين. وقد عانى الرفاق الملتحقون من بعض الصعوبات حيث السرية والإختفاء بعيدًا عن المتربصين وعملاء السلطة، وكان بعضهم يصعد إلى الجبل للمرة الأولى وهم طلاب وموظفين وعمال وكسبه ومن مختلف المهن الأخرى. فقد خرجت مجموعة من تنظيمات الموصل بإتجاه السليمانية، في حين بقيّ في مدينة كويسنجق بعض الرفاق لغرض إيصال المجاميع التي ستأتي لاحقًا، والبقية واصلت المسيرة إلى أن وصلت في نهاية آذار وبداية نيسان من عام 1979. وهذه المجموعة(تنظيم نينوى) التي كان يقودها الرفيق أبو ماجد (علي خليل) مع أبو فؤاد وصباح كنجي وخليل ودرويش (خالد سردشتي)وابو حربي وكامل وابو ايفان وياسين وهشام وخورشيد وابو سلام والشهيد سلام ومام قادر وناظم وابو داود ومحسن وهادي وابو ليلى وسعيد اليزيدي وآخرون), قد مرت بأوضاع صعبة بعد مسيرة أكثر من شهر، تعرضوا فيها إلى الجوع، مما أضطرهم إلى ذبح حصان لسد رمقهم (الجوع)، إضافة إلى صعوبة الطريق والوضع النفسي للمفرزه.
كان كلّ رفيق يسارع إلى إيجاد مهمة يكلف بها من قبل الحزب لإنجازها بغية تخليص ما تبقى من التنظيم من براثن همجية النظام.
وفي هذا الصدد يشير جلال الدباغ إلى أنه (بعد أربعة أيام من بقائي في ناوزنك کلفني الرفيق کريم أحمد بإسم المکتب السياسي للجنة المرکزية للحزب بالنزول إلی الداخل بمهمات حزبية والوصول إلی السليمانية وأربيل وبغداد والإطلاع علی المستجدات والإتصال ببعض الرفاق المقطوعين وبرفاق قيادة الحزب المتواجدين في بغداد، وإخبار الرفيق يوسف حنا (أبو حکمت) الموجود في أربيل وآخرين للتوجه فورًا إلی طرف الرفاق في ناوزنك) .
لقد تحرك تنظيم الإقليم بقوة ونشاط متميز في إيجاد مأوى للرفاق القادمين من مختلف المناطق والذين ضاقت بهم أماكن سكناهم في أغلب مدن العراق. ولا شك أن هذا التوجه أنقذ الكثيرين من رفاق الحزب، بعضهم تحمل المسؤولية ذاتياً برغم إختلافه مع مسؤوليه، علمًا أن بعض القيادات والتي ذكرنا فيها لم تكن القيادة منسجمة مع قراراتها ولا مع تنفيذها وهذا ماعبرت عنه تقارير اللجنة المركزية للمؤتمر الرابع 1985.
وكان للرفيق أحمد باني خيلاني دورًا مشهودًا في تنظيم عملية الإنسحاب أي إنسحاب الرفاق إلى الجبل وكذلك في تطوير العلاقة مع الأحزاب الكردستانية في إيران والعراق والتي وصلت إلى تحالفات سنأتي على ذكرها لاحقًا.
وفي مذكراته يشير أحمد باني خيلاني إلى أنه "تمّ الإتصال بجماعة السوساليست أي جماعة رسول مامند، خاصة وأن الأخ الدكتور محمود عثمان كان قد كتب رسالة مشتركة مع المرحوم ملازم طاهر علي، أبديا فيها إستعدادهم لمساعدتنا وطلبوا مني أن أخبر الرفيق عزيز محمد (سكرتير الحزب) بضرورة التوجه إلى الجبل وعدم الإعتماد على البعث، وقد غادرت ناوزه نگ بإتجاه الداخل فی 8/4/1979 بمرافقة الرفيقين النصيرين سليم حسن المعروف بـ (سليم سوور) ومحمد ديگهڵهيی وهما من أهالي قلعه دزة" .
في هذه الفترة التي تم تجميع الأنصار الشيوعيين في مواقع معينة من وادي ناوزنك والتي على أثرها إنطلقت إلى مواقع أخرى لبلورة نضال جديد والذي أصبح جزءًا من تأريخ الحزب الأنصاري.
إن ظروف العمل الحزبي والتنظيمي الصعبة حتمت على الحزب إيجاد هذه المواقع وكانت المبادرة الرئيسية هي لرفاقنا في منظمة إقليم كردستان وسميت لجنة العمل الأنصاري (لجنة هندرين)، ولابد من الإشارة هنا إلى أن "أغلب الذين التحقوا بحركة الأنصار منذ أيامها الأولى، كانوا من المنظمة الحزبية لإقليم كردستان، المبادرين إلى إيجاد النواتات الأولى للحركة، لاسيما من قيادتها وكوادرها البارزة، وكان هذا الأمر مفهومًا، فمعظمهم كان قد شارك في الأعمال الأنصارية السابقة وكانوا قد خاضوا المعارك في صفوف الثورة الكردستانية، وهم على دراية جيدة بأوضاع المنطقة، وعلاقاتهم جيدة بسكانها ويعرفون الطبيعة الجغرافية للمناطق التي يتوجهون نحوها" .
وبمرور الأيام وضرورة العمل الأنصاري وتوسعه، أسست قواعد أنصارية أخرى وربطت مع بعضها عن طريق الأجهزة اللاسلكية والتي قام بجهود كبيرة في تأسيسها الرفيقان أبو شاخوان وسلام والأخير خريج البحرية السوفيتية إضافة إلى جنود مجهولين آخرين.
ووفرت المستلزمات الضرورية للعمل الأنصاري, وتطورت النشاطات والإلتحاقات والعمليات العسكرية في أغلب المدن الكردستانية، في أرياف دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وكانت مساهمات منظمات الحزب في جميع المحافظات مساهمة فعالة في ذلك.
*********************************
1-قادر رشيد بشتاشان بين الآلام والصمت ، ص164- 165
2-بهاء الدين نوري (سكرتير الحزب الشيوعي العراقي) ص 492
3-تقيم الحركة الانصارية (1979 – 1988)، مصدر سابق، ص 7
4-هولاء الرفاق :أبو جوزيف ,سليم سور ,همزه سور ,حمه بجكول, رسول سور, أبو جنان ,أبو ازاد , أبو آسوس ، أبو أحلام مالية ، زيا ، آراس ، ملا نفطة ، ماموستا رزكار ، جميل ، د.فارس ، سلام ، علي حاجي ، حكمت ، عارف , ابو احمد , ابو شاكر , بكر تيلاني , ابو سركوت،أحمد , محسن ياسين ,حصاري، حيدر فيلي ، أبو سعد ، د.صادق, وغيرهم .
5-مذكرات جلال الدباغ المنشورة في موقع الناس
6-احمد باني خيلاني مذكراتي ص 243
عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3 ص7