مدارات

أسباب انخفاض أسعار النفط وتأثيراته على الاقتصاد العراقي

عادل عبد الزهرة شبيب
هنالك علاقة وثيقة بين النفط والازمات والصراعات السياسية حيث يعتبر النفط محركا أساسيا في الازمات والصراعات الدولية واصبح احد اهم الاهداف العسكرية واحد المقومات الاساسية في رسم الحدود السياسية والاقتصادية.
لقد انخفضت اسعار النفط الى ادنى مستوى لها منذ ايار 2010 خاصة بعد ان قررت منظمة (اوبك) في اجتماعها الاخير عدم خفض الانتاج لمواجهة الازمة وابقاء سقف انتاجها كماهو (30) مليون برميل.
قلق ومخاوف متزايدة من انخفاض اكبر في اسعار النفط في ضوء تراجع الطلب العالمي ووفرة المعروض.
فماهي الاسباب التي ادت الى تراجع اسعار النفط في السوق العالمية؟
1) ارتفاع مؤشر سعر صرف الدولار بالنسبة للعملات الرئيسية تدريجيا منذ عام 2014 ثم ارتفاعه بشكل اسرع منذ شهرين تقريبا. فبارتفاع سعر صرف الدولار سيكون هناك اضطرار الى دفع زيادة بسعر البرميل مقارنة بسعر الصرف السابق رغم انخفاض سعره للدولار. لقد ادى ارتفاع سعر صرف الدولار الى انخفاض الطلب على النفط وفي نفس الوقت زادت بعض دول اوبك انتاجها لتعويض انخفاض انتاج بعض اعضائها الاخرين بسبب الاضطرابات من غير ان تحسب حسابا لانخفاض الطلب بسبب ارتفاع سعر الدولار ما ادى الى حدوث فائض في السوق وبالتالي انخفاض سعر النفط اي ما له صلة بالعرض والطلب . ولكن هل سيواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه ويواصل سعر برميل النفط انخفاضه ؟ ليس من صالح امريكا ان يواصل الدولار ارتفاعه لانه سيؤدي الى انخفاض صادراتها وزيادة وارداتها وبالتالي عجز ميزانها التجاري ولذا ستلجأ امريكا الى الحد من ارتفاع الدولار.
2) تراجع الطلب على النفط مع وفرة العرض يعتبر من الاسباب التي ادت الى انخفاض اسعار النفط. لقد زادت الولايات المتحدة من انتاجها للنفط منذ 2008 وحتى الان وبنسبة 70بالمائة وقد تراجع الطلب على النفط من قبل المانيا والولايات المتحدة والصين واليابان مما اثر على تراجع الاسعار خاصة وان امريكا التي تعتبر اكبر مستهلك للنفط قد تراجع طلبها للنفط الخام بسبب زيادة انتاجها من النفط والغاز الصخري وتراجع وارداتها .ويرى بعض الخبراء ان للطفرة في مجال النفط الصخري دوراً واضحاً فيما يشهده العالم من تراجع للطلب العالمي على النفط ،وقد ارجعت جريدة ( فايننشال تايمز) البريطانية في 12/10/2014 هبوط اسعار النفط الى الطفرة التي تشهدها الولايات المتحدة في انتاج النفط الصخري وهو ما مكن الامريكان من الاعتماد على انتاجهم المحلي بشكل اكبر والاستغناء عن النفط المستورد من الخارج.وقد رفضت السعودية رفع اسعار النفط وابقائها بحدود 80 دولارا للبرميل حتى تجعل من استخراج النفط الصخري الامريكي امرا غير مجد اقتصاديا مايدفع واشنطن في النهاية الى العودة لاستيراد النفط الخام اذ ان انخفاض سعر برميل النفط عن 80 دولاراً يقلل من ارباح الشركات الامريكية بشكل يؤثر على الانتاج خاصة المنتجة للنفط الصخري عالي الكلفة، في حين يتميز النفط الخليجي بانخفاض تكلفة استخراجه حيث لاتزيد تكلفة استخراج برميل النفط العربي عن( 15) دولارا في حين تتراوح مابين 60_ 80 دولار لبرميل النفط الصخري الامريكي. غير ان رئيس ابحاث المجموعة الامريكية (MORSE Ed) له راي اخر حيث يرى ان انخفاض اسعار النفط ليس بسبب نمو الانتاج الامريكي من النفط الصخري وانما بسبب انهيار الطلب العالمي على النفط والذي نتج عنه زيادة المعروض النفطي والذي سيضغط على الاسعار في السنوات المقبلة.
3) تباطؤ الاقتصاد العالمي ومعدلات الاستثمار وبالتالي تراجع الطلب على الطاقة.
4) المخاطر السياسية واضطراب المشهد الجيوسياسي في المنطقة العربية.
5) يرى بعض الخبراء والمحللين ان تراجع اسعار النفط هو لغرض معاقبة روسيا اقتصاديا بسبب موقفها من ازمة اوكرانية حيث ان هذا الانخفاض سيؤدي الى عجز الموازنة فيها. وكذلك معاقبة ايران ايضا لمواقفها ونشاطها النووي.
ويثير تراجع اسعار النفط مخاوف من ظهور حرب تخفيض في أسعار بين الدول المصدرة للنفط (اوبك) اذ ربما تتنافس الدول بعضها مع بعض للحفاظ على حصصها في السوق وسط وفرة الامدادات وضعف الطلب . ويرى البعض ان انخفاض اسعار النفط لمستويات قياسية هي حالة غريبة قلما تحصل حيث كان من المفترض ان تؤدي اوضاع التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا والاضطرابات في اليمن وشرق افريقيا والازمة في اوكرانيا الى ارتفاع جنوني لاسعار النفط واشتداد الطلب عليه، الا ان ذلك لم يحصل حيث ارجع الباحثون ذلك الى اسباب تتوزع بين سياسية واقتصادية مع ترجيح السياسية منها بشكل كبير. وفي ظل انخفاض اسعار النفط عالميا ارتفعت اصوات المطالبين لاوبك بخفض الانتاج لحدود مليوني برميل يوميا للحفاظ على تماسك الاسعار،الا ان المنظمة ابقت على مستوى انتاجها دون تخفيض عند مستوى 30 مليون برميل.
ان انخفاض اسعار النفط لها آثار سلبية كبيرة على الدول المنتجة للنفط خاصة اذا علمنا ان اغلب هذه الدول هي دول نامية تعتمد اعتمادا كليا على النفط كمصدر رئيسي في اقتصادها واعداد موازنتها العامة كما هو حال العراق اليوم الذي يتميز اقتصاده بالاقتصاد الاحادي الجانب وهنا مكمن الخطورة الشديدة حيث ستكون هذه الدول الاكثر تضررا من هبوط اسعار النفط والذي قد يشكل ازمة لدى كثير من الدول النفطية التي تبني موازنتها على اسعار متوقعة للنفط. وفي حال انخفاض الاسعار دون 80 دولاراً للبرميل سيؤثر ذلك على ايرادات الموازنات الضخمة للدول العربية المصدرة للنفط والمبنية على صادرات النفط التي تشكل المورد الرئيس للموازنات العامة ولكن هذه الدول وخاصة الخليجية منها تمتلك احتياطات مالية ضخمة تمكنها من ادارة نفقاتها العامة الكبيرة على الاجل القريب.
اما بالنسبة لدول الاتحاد الاوربي ففي حال انخفاض سعر البرميل عن 90 دولاراً ستنخفض فاتورة الاستيراد الى اقل من 425 مليار دولار واقل بحوالي 80 دولاراً عن فاتورة واردات عام 2013 وسينتج عنه انخفاض تكاليف الانتاج للصناعات كثيفة الطاقة في اوربا، وبالنسبة للولايات المتحدة اذا واصلت اسعار النفط بالانخفاض فمن المتوقع ان ينخفض معدل الاستثمار الراسمالي لانتاج النفط والغاز الصخري وتتباطأ ثورة الغاز الصخري المحتدمة منذ سنوات رغم سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة والاستغناء عن نفط وغاز دول الخليج.
اما فيما يتعلق بروسيا وايران فقد يكون تاثير انخفاض الاسعار عليهما اصعب من العقوبات الغربية حيث تعتمدان بشكل رئيسي على صادرات النفط والغاز في تمويل ميزانيتهما وتحتاج روسيا وايران لسعر اكثر من 100 دولارللبرميل للحفاظ على استقرار ميزانيتيهما.
ان انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية الى ادنى مستوى لها خلال السنوات الاربع الماضية ينذر بازمة اقتصادية عالمية كما توقعت وكالة الطاقة الدولية واشارت الى ان الاسواق النفطية دخلت حقبة جديدة في تاريخها. وقد جاء في احدى الصحف الامريكية ان ( ظاهرة البترول ستنتهي عما قريب وليعودوا الى ركوب جمالهم) في اشارة واضحة الى العرب.
اما بالنسبة للاقتصاد العراقي فهو اقتصاد وحيد الجانب يعتمد اعتمادا كليا على النفط وعائدات تصديره كنفط خام ودون تصنيعه . وبناء على ذلك فانه يتاثر بتقلبات اسعار النفط في السوق العالمية وقد تاثرت موازنته اليوم بانخفاض اسعار النفط ولم يتم الاتفاق على تحديد سعر بيع النفط . المطلوب اليوم تنويع مصادر الدخل وتفعيل وتطوير الصناعة الوطنية والزراعة والتجارة والسياحة والتعدين وتصنيع النفط وتحويله الى منتجات لسد الحاجة المحلية وتصدير الفائض بدلا من تصديره كنفط خام . وبهذا الصدد فقد اشارت ادبيات الحزب الشيوعي العراقي الى ان السنوات الماضية قد شهدت تعمق السمة الاحادية للاقتصاد العراقي وازدياد اعتماده على العائد النفطي الذي يمثل في المتوسط اكثر من 90بالمائة من ايرادات الموازنة العامة وحوالي 60بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. واليوم وكما ورد في التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي ،(تبرز الحاجة الملحة لوضع خطة اقتصادية- اجتماعية استراتيجية واضحة المعالم تعتمد معرفة عميقة بخلفيات وامراض الاقتصاد العراقي وتوجه بناء يوظف امكانيات قطاع الدولة والقطاع الخاص والاستثمار الاجنبي في مسار منسق وفي اطار نهج سياسي ديمقراطي ثابت لانتشال البلد من تخلفه وتبعيته الاقتصادية وتخليصه من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة ،خطة تبعث فيه الديناميكية وتحفز تطوره المستدام وتطلق طاقاته الانتاجية الكامنة وتنوع مصادره وينابيع غناه لتحقق لشعبنا والاجيال القادمة مستوى معيشيا وثقافيا لائقا يتيح لبلدنا المساهمة بشكل فعال في قسمة العمل الدولية واللحاق بركب الحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجي.)