مدارات

الرفيق كاظم الحسيني: الاستقطاب الطائفي حال دون وصولنا الى بعض مجالس المحافظات والبرلمان

اجرت مجلة "الغد"* حوارا سياسيا مكثفا مع الرفيق كاظم الحسيني عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وسكرتير لجنته المحلية في البصرة نحدث فيه عن التطورات السياسية والأمنية ومهمات الشيوعيين في المرحلة الحالية وتصوراتهم لمستقبل العملية السياسية بعد الاختراق الذي حققته قوى الارهاب بسيطرتها على مدن عراقية والخطر المحدق الذي تمثله ودور الشيوعيين في البصرة..
هل تغيرت مهام والتزامات الشيوعيين في هذه المرحلة عن سابقاتها؟
مؤكد أنها اختلفت كثيرا. فقد أمضينا شطرا كبيرا من نضالنا في ظروف شاقة اضطررنا فيها الى اتخاذ تدابير من الحيطة والحذر واعتماد العمل السري في ادارة شؤون الحزب والعلاقة مع الجماهير. وكانت مرحلة البعث اختبارا شاقا لقدراتنا وقدمنا عشرات الشهداء.. ولأول مرة بعد نيسان 2003 يعمل الحزب بشكل علني وافتتح مقرات له في مختلف المحافظات والمدن. ففي البصرة كانت لنا مقرات في القرنة والمعقل والزبير فضلا عن المقر الرئيس في مركز المحافظة. العمل العلني يتطلب التزامات ومهاما لعل من بينها الحفاظ على المكتسبات الايجابية التي تحققت وتعميق الديمقراطية في الحياة السياسية والتصدي للعنف ومصادرة الآخر وظواهر الفساد واهدار المال العام والعبث بالثروة الوطنية، والنضال الدؤوب من أجل العدالة الاجتماعية وتكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة. ومن ما يؤسف له ان التطورات بعد 2003 حفلت بأخطاء شنيعة من طرف سلطة الاحتلال ثم تبلور نظام المحاصصة الطائفية والاثنية الذي يعبر عن مصالح وأهداف قوى معينة وهذا ما اضر بمصالح شعبنا في الأمن والاستقرار وادى الى تعثر عملية التنمية الاقتصادية وتبديد موارد البلاد والتدخل الاقليمي في شؤوننا.
بعد فوز الحزب في انتخابات مجالس المحافظات بالحصول على عضويتها في عدد من المحافظات هل هناك أمل بتعزيز هذا المكسب في المستقبل؟
كنا نطمح ان يكون هناك فوز محسوس لحزبنا والتيار الديمقراطي يتناسب والكتلة المجتمعية التي يمثلها ومشروعه وبرنامجه السياسي. ولكن الاستقطاب الطائفي حال دون وصولنا الى بعض مجالس المحافظات والى البرلمان، ما انعكس على أداء السلطة التشريعية والحكومات المحلية وها هي أكثر من عشر سنوات تمر دون تغييرات ملموسة في القطاع الخدمي والبنية التحتية ومستوى معيشة الجماهير والوضع الأمني. نحن نحتفظ بعلاقات طيبة مع القوى والأحزاب السياسية في البصرة وقد بادرنا منذ الايام الأولى للتغيير في 2003 الى بناء صيغة تنسيق القوى السياسية وصولا الى مساهمتنا في المجلس السياسي للاحزاب العاملة في المحافظة. والى جانب ذلك نرتبط بعلاقات تنسيق وتعاون مع حلفائنا في التيار الديمقراطي ونتواصل معهم لتفعيل دور القوى الديمقراطية في الحياة السياسية. لقد أحرزنا مكاسب في عدد من المحافظات خلال انتخابات العام الماضي ويحظى ممثلونا بالتقدير والاحترام من قبل أقرانهم. فأنهم يتابعون قضايا واحتياجات الجماهير ويتمتعون بالنزاهة والصدق والموضوعية في التعاطي مع الملفات المختلفة.. نحن نعول على انجاح التجربة وإدامة فوزنا ومشاركتنا في الانتخابات.
ما التحديات التي يواجهها العراق في نظر الحزب الشيوعي بعد تمدد داعش وسيطرته على أراض ومدن عراقية؟
هذه التحديات تواجه شعبنا والعملية السياسية وهي تنذر بخطر مصدق بالبلاد وكان للتطورات بعد 10 حزيران أثر بالغ وهي تثير قلق حزبنا وقد سبق ان حذرنا منها عبر بيانات ونشاطات جماهيرية. وأهم ما يمكن استخلاصه هو ضرورة عدم التمسك بالنهج الطائفي والانفراد بالسلطة وتهميش الآخرين، واشراك القوى الوطنية في إدارة قطاعات الدولة. وتنتصب امام التشكيلة الحكومية الجديدة مهمات جسيمة في مقدمتها تعزيز دور القوات المسلحة في مجابهتها لقوى الارهاب واستكمال تجهيزها، واعادة النظر في الاجراءات والبرامج التي بنيت على أساسها لسنوات مضت، وتفعيل مشروع المصالحة الوطنية وتوجيهه بما يتفق ومهمة بناء إجماع وطني عام على مكافحة الارهاب والتصدي لأعداء الشعب ومواجهة الفساد الذي ينخر في جهاز الدولة ويبدد مواردها.. من الضروري الإفادة من الأخطاء والثغرات السابقة وعقد مؤتمر وطني بمشاركة القوى الفاعلة، والتمسك بالمصالحة الوطنية والحوار البناء وحل الأزمة مع الاقليم وتبديد الشكوك والمخاوف المتبادلة بين القوى الاساسية، والاستناد الى الدستور لحل المشاكل العالقة ولجم التدخل الاقليمي..
ما رأيك في الحلف الدولي لمحاربة داعش والارهاب؟ وهل ان الحشد الشعبي يمكن ان يكون مظلة لعودة الميليشيات؟
موقف حزبنا واضح وصريح، نحن بأمس الحاجة الى الدعم الدولي لمقاومة الارهاب في التسليح والتدريب وتجفيف منابع الارهاب والخبرات الفنية والدعم السياسي في المحافل الدولية. ونحن نعتقد ان لا حاجة لتدخل قوات برية أجنبية في الحرب ضد داعش، فلدينا جيش كبير عددياً وبالامكان تجهيزه بمستلزمات واسلحة متطورة للنهوض بمسؤولياته في الدفاع عن الوطن. أما الحشد الشعبي فينبغي ان يكون بإشراف القوات المسلحة وتوجيهها وهي مهمة آنية تتعلق بمجابهة الارهاب وتنتهي بزوال الخطر وتكون مهمة الدفاع عن الوطن من مهام الجيش حصرا. واذا ما تطلب الأمر اشراك متطوعين فينبغي ان يكونوا تحت امرة الجيش وتجنب الانزلاق الى الخطاب الطائفي الذي ينتج الازمات والتوتر.. ويجري في هذه الايام تداول فكرة الحرس الوطني ونحن نعتقد ان تبني المشروع ودراسته بروية واهتمام ومناقشته المستفاضة في مجلس النواب والجهات ذات العلاقة يوفر الفرصة لإصدار تشريع ملائم وتجنب ان يكون محل تنازع ومحاصصة بين القوى المتنفذة او مجالاً آخر لنشاط الميليشيات وشرعنتها.
هل للحزب دور تعبوي في مجابهة الارهاب؟
بعد التداعيات الخطيرة في حزيران الماضي صدر بيان للحزب بعنوان (كل الجهود لمقاومة الارهاب) أهاب بقوى شعبنا الالتفاف حول القوات المسلحة وتعزيز دورها وتأمين مستلزمات القيام بواجباتها مع الأخذ بنظر الاعتبار ان التصدي لهذه المهمة هو مهمة الحكومة الاتحادية وصلاحياتها المنصوص عليها في الدستور. وحين تبلورت فكرة التطوع وتشكيل أفواج الحشد الشعبي فقد ارتأينا ان يكون الاطار الوطني هو الإطار الجامع لمبادرات المتطوعين، وقد شارك رفاق واصدقاء من حزبنا ضمن أفواج المتطوعين في الناصرية والسماوة وديالى وكركوك واضطلع رفاقنا في القوش في نينوى بمهمة تقديم الدعم للنازحين وارسال متطوعين كما شارك رفاقنا في الحزب الشيوعي الكردستاني مع فصائل البيشمركة في العمليات العسكرية هناك. والحق إننا نواجه صعوبة في تشكيل أفواج خاصة بنا لأنها تتطلب تجهيزات واسلحة وأموالاً كافية وهذا ما لا نقدر عليه في ظروفنا الحالية، فضلا اننا نفضل ان يكون المتطوعون تحت مظلة القوات النظامية، بينما تتوفر للميليشيات امكانيات كبيرة بفعل الدعم الاقليمي.
ما المهام والاعمال التي قمتم بها في ثمانينات القرن الماضي؟
بعد الهجمة الشرسة على حزبنا في اواخر السبعينات عملت على ترحيل عدد من الرفاق عبر قنوات غير رسمية تتسم بالمجازفة، وتأمين سلامتهم. ثم سافرت الى الكويت في منتصف العام 1980 بعد التضييق على نشاطي في ظل ظروف قاسية. وقد عملنا على اعادة التنظيم والتواصل مع رفاقنا في الداخل ومع منظمات الحزب في الخارج. لقد كانت ظروف وغايات العمل الحزبي تستهدف ادامة دور الحزب في النضال لتحقيق أهدافه للانعتاق من سطوة النظام الدكتاتوري وقبضته البوليسية المدمرة.
وبعد الخروج من الكويت ؟
بعد ان وضعت حرب الخليج 1991 أوزارها وانسحاب النظام من الكويت وانفجار انتفاضة آذار حدث نهوض ثوري في العراق، لان الانتفاضة كسرت شوكة الدكتاتورية التي اقترفت ما اقترفت من جرائم بحق ابناء شعبنا. ولكن بعد سنوات أعادت السلطة ترميم جهازها القمعي وألقت القبض على عدد من رفاقنا واصدقائنا. وقد اضطررت للذهاب الى اقليم كردستان من المنافذ المتاحة وعملت هناك في ادارة فوج الحزب في السليمانية والتواصل مع التنظيم في الداخل. وكان الفوج من طلائع القوى التي دخلت بغداد بعد سقوط الدكتاتورية في 9 نيسان 2003 وقد أمضينا في الطريق أكثر من ثلاثة ايام كما أمضينا 14 يوماً في مدينة كلار - السليمانية.
ــــــــــــــــــــــــــ
* مجلة فصلية تصدر عن اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في محافظة البصرة. والحوار منشور في عددها المؤرخ في كانون الاول 2014.