مدارات

داعش يستبيح متحف الموصل ويدمر محتوياته الآثارية

طريق الشعب
ارتكبت عصابات داعش الإرهابية، جريمة نكراء بحق التراث الإنساني العالمي، من خلال تطاولها على آثار مدينة الموصل، واقدامها على تحطيمها في مشهد أدمى قلوب العراقيين والعالم.
وأظهرت صورٌ نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، إرهابيي داعش وهم يقومون بتدمير الآثار الآشورية التاريخية في متحف مدينة الموصل.
كما نشر التنظيم الإرهابي، تسجيلاً مصوراً يظهر فيه بعض عناصر الحسبة التابعة للتنظيم، وهم يقومون بتحطيم قطع ومجسمات أثرية، يعود تاريخ بعضها الى القرن الثامن قبل الميلاد، في متحف نينوى الأثري الذي يعد من أهم المتاحف في العالم.
ويظهر في التسجيل متحدثٌ من التنظيم يقف أمام مجسم أثري كبير في ما يفترض أنه متحف نينوى الأثري، مشيراً بيده إلى المجسم، واصفاً إياه بـ"الاصنام"، قائلاً أن "إزالتها واجب شرعي... ولو كانت بمليار من الدولارات».
وكان تنظيم داعش ، قد جني ملايين الدولارات خلال الأشهر الماضية من ل بيعه قطعاً آثارية الى المافيات الدولية، حسبما صرح أكثر من مسؤول عراقي ودولي.
كذلك أظهر شريط الفيديو استخدام عناصر التنظيم المطارق الكبيرة وأدوات الحفر الكهربائية لهدم تلك التماثيل الضخمة ، من بينها تماثيل تعود إلى حضارات بلاد الرافدين، وتمثال للثور الآشوري المجنح داخل المتحف يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد، كما يشاهد في الفيديو ، تدمير ثور مجنح آخر موجود في "بوابة نركال" الأثرية في مدينة الموصل.
استنكار دولي
وما أن انتشرت الصور والتسجيلات الفيديوية، حتى اصدرت دول ومنظمات دولية بيانات شجب وإدانة لهذه الجريمة.
وقالت إيرينا بوكوفا، مديرة منظمة اليونيسكو، أن تدمير داعش الآثار في العراق "جريمة حرب"، "ونسعى للرد عليها"، مؤكدة "أننا نواجه أيديولوجية متشددة وشاملة تسعى للسيطرة على الأرض وتعذيب المواطنين"، مضيفة أن داعش يهاجم المدارس والمراكز الثقافية والصحفيين والمتاحف.
وأضافت بوكوفا خلال المؤتمر الصحفى لليونيسكو بشأن تدمير داعش الآثار فى الموصل والذي عقد في باريس، "أننا ندعو لاجتماع طارئ لمجلس الأمن بشأن تدمير داعش الآثار في العراق وسوريا"، مؤكدة أنه تدمير متعمد للإرث الإنسانى، حيث يريدون القضاء على الإرث التاريخي والثقافي.
وبينت مديرة منظمة اليونيسكو، "إن تدمير داعش الآثار فعل يشجع على العنف الطائفى، وهو خطر بالنسبة للمجتمع والاندماج بين الطوائف".
وتابعت قائلة: إن "هذا الاعتداء أكثر بكثير من مأساة ثقافية، فهو أيضا شأن أمني يغذي الطائفية والتطرف العنيف والنزاع في العراق". واضافت انها تواصلت مع رئيس مجلس الأمن الدولي لتطلب منه عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن حول حماية الإرث الثقافي العراقي، كمكون أساسي من أمن البلاد.
وأشارت بوكوفا الى أن بعض التماثيل التي دمرت، بحسب الشريط الذي بثه داعش الخميس الماضي، تعود إلى مدينة الحضر التاريخية المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، والواقعة على مسافة 100 كلم جنوب غربي الموصل.
من جهته، دان مجلس الأمن الدولي تدمير تنظيم داعش متحف الموصل، وقال في بيان له إنه "يدين الأعمال الإرهابية الوحشية الجارية في العراق بما في ذلك تدمير داعش المتعمد للتحف الدينية والثقافية التي لا يمكن تعويضها والموجودة في متحف الموصل، وحرق الآلاف من الكتب والمخطوطات النادرة".
وشدد المجلس في البيان على ضرورة "دحر تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء عليه وعلى التعصب والعنف والكراهية التي يعتنقها"، مبديا قلقه من "قيام تلك الجماعات الإرهابية بالحصول على الموارد المالية من جراء الانخراط بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات السلب والنهب وتهريب عناصر التراث الثقافي من المواقع الأثرية والمتاحف والمكتبات والمحفوظات وغيرها من المواقع في العراق وسوريا، والتي يتم استخدامها لدعم جهود التوظيف وتعزيز القدرة التشغيلية لداعش وتلك الجماعات الإرهابية".
وأكد المجلس في بيانه أن "من المهم هزيمة التعصب والعنف والكراهية التي يشكلها تنظيم داعش"، مشيرا الى أن "تلك الأعمال الإرهابية لا تخيف المجلس بل تشد من عضده لحشد الجهود المشتركة من قبل الحكومات والمؤسسات بما في ذلك تلك الموجودة في المنطقة الأكثر تضررا لمكافحة داعش، وتنفيذ جميع قرارات المجلس السابقة في هذا الصدد".
استنكار رسمي
وعلى المستوى المحلي الرسمي، دان رئيس الوزراء حيدر العبادي قيام عصابات داعش الارهابية بتخريب وتدمير الآثار في متحف مدينة الموصل التاريخي.
وقال العبادي ان استهداف آثار وشواهد حضارة وادي الرافدين التي قامت على ارض العراق، انما هو استهداف لوجود هذه البلاد وشعبها، ومحاولة لطمس الدور الإنساني الرائد للعراقيين الذين قدموا للانسانية أولى الحضارات، ويمثل استفزازا وتحديا لمشاعر العالم اجمع.
وأضاف ان "اقدام تنظيم داعش الارهابي على تدمير متحف الموصل هو عمل همجي جبان لن يمر دون عقاب، وهو دليل اخر على العقلية المتخلفة لهذه العصابة الارهابية".
وأشار العبادي الى انه "أمام هذا التحدي السافر، نجدد الدعوة لجميع دول العالم للوقوف معنا وقفة جادة وحاسمة للقضاء على داعش وتجفيف منابع تمويله ومحاربة الافكار المتخلفة التي ينتهجها".
وأكد رئيس الوزراء "أننا عقدنا العزم على تطهير ارضنا ومدننا، وكلنا ثقة بقدرات شعبنا على الحاق الهزيمة بهذه العصابة المجرمة التي تريد محو حضارة وتاريخ العراق وحاضره ومستقبل أجياله".
من جهته، اعتبر نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، أن "ما حدث في الموصل الحدباء أمر يفوق كل قدرة على وصف البشاعة والتردي والسقوط، فآثار بعمر آلاف السنين، تختزن وتختصر مسيرة الانسان عبر العصور، تصبح هدفاً لمعاول داعش، تضرب وتدمر، وتحطم، بدم بارد لا يمت الى الدم البشري بأية صلة قريبة أو بعيدة."
وأضاف النجيفي في منشور على صفحته الشخصية في "الفيسبوك" أنه "لا مناص من فعل يرتقي إلى مستوى ما يعانيه الإنسان ومستوى التدمير والتحطيم ولا مناص من تحشيد كل جهد وقوة وطاقة لضرب المجرمين وطردهم من مدينة الأنبياء والقديسين".
وأكد أن "داعش كتبت موتها وأعلنت نهايتها ولم يتبق غير الإعلان النهائي عبر معركة التحرير".
من جانبه، نشر رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، بياناً استنكر فيه "ما قامت به عصابات داعش الارهابية بتفجير المتحف التاريخي في مدينة الموصل ونهب وتخريب ما فيه من آثار ومخطوطات تاريخية".
وأوضح الجبوري على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، "أن هذه المجاميع الظلامية تثبت في كل يوم أنها عدو للعراق بماضيه وحاضره ومستقبله، وأن تاريخ هذه المدينة الناصع والذي يمثل تاريخ الحضارة البشرية لا يمكن لمثل هذه الثلة الضالة أن تمحوه".
كما شدد على أن "هذه الاعمال الاجرامية التي أقدم عليها داعش جعلت من العراقيين بكل دياناتهم وطوائفهم وقومياتهم أكثر توحّدا وعزما على انهاء وجود كل أشكال الارهاب في بلدهم العراق
أدباء العراق يدينون الجريمة
وأعلن اتحاد أدباء العراق أنه سوف يقاضي أمام القانون والتاريخ كل الذين دعموا عصابات داعش بالمال والسلاح والفتاوى التكفيرية المضللة وهيؤوا المناخ لصعودهم.
وقال الناطق الإعلامي للاتحاد الشاعر إبراهيم الخياط أن: "الاتحاد أصدر بيانا دان فيه بشدة عصابات الإرهاب والتكفير الداعشية على ارتكاب واحدة من أبشع الجرائم بحق الثقافة والتراث الإنساني بتدميرها بطريقة وحشية جميع كنوز ومقتنيات متحف نينوى الأثري الذي يضم نفائس ومقتنيات أثرية عالمية لا تقدر بثمن تعبر عن عمق وأصالة الثقافة الإنسانية في العراق وتمثل وجها مهما من وجوه الهوية الثقافية والوطنية للشعب العراقي".
وأضاف الخياط أن الاتحاد دعا إلى موقف وطني وعربي واقليمي وعالمي موحد لإدانة هذه الجرائم ووضع حد لوجود العصابات الإرهابية والتكفيرية التي دنست ترابنا الوطني، وأهاب بالمنظمات الثقافية والاجتماعية ومنظمات حقوق الإنسان الوقوف ضد هذه الهجمات المتوحشة.
هذا، وقد وجه الاتحاد بيانه إلى منظمة اليونسكو، الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، منظمة الصحفيين العالمية، منظمات حقوق الإنسان في العراق والعالم.
ومن ما جاء في البيان "إن هذه الجريمة النكراء تؤكد للعالم اجمع بشاعة الممارسات البربرية المتوحشة التي تقوم بها هذه العصابات، وللأسف تحت لافتة "الإسلام السياسي" وباسم الدين الإسلامي الحنيف، دين التسامح والمحبة والاخاء، وهي ممارسات لم يسلم منها بشر ولا حجر، ولا طفل ولا امرأة (...) إن جرائم عصابات داعش الإجرامية التي فاقت كل تصور، تتطلب اليوم منا جميعا موقفا وطنياً وعربياً واقليميا وعالمياً موحداً لإدانة هذه الجرائم ووضع حد لوجود العصابات الإرهابية والتكفيرية التي دنست ترابنا الوطني (...)كما نتطلع من زملائنا المثقفين والكتاب والإعلاميين والأكاديميين العرب إلى موقف تضامني واضح، ونعلن أننا سوف نقاضي أمام القانون والتاريخ كل أولئك الذين دعموا هذه العصابات بالمال والسلاح والفتاوى التكفيرية المضللة التي هيأت المناخ لصعود هذه التنظيمات الإرهابية المستذئبة".
وفي السياق نفسه دان اتحاد الأدباء والكتاب في محافظة النجف الجريمة التي ارتكبتها عصابات داعش الارهابية.
وطالب اتحاد الأدباء والكتاب في النجف الأشرف "الجهات المعنية في العراق والمنظمات الدولية بالتدخل بقوة من أجل المحافظة على إرث بلادنا ومنع استهدافه، سواء بالتدمير أو بالسرقة، فإنه يطالب مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية ومنظمة اليونسكو والمنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، بإدانة هذه الجريمة بشكل واضح والعمل على وقف استهداف تراث حضارة وادي الرافدين وحضارات المنطقة، فضلاً عن استهداف شعوبها الآمنة ومقدراتها ومستقبلها".
مواقع التواصل الاجتماعي تشتعل
واشتعلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات المدونين والنشطاء المستنكرة والساخطة على جريمة تدمير الآثار العراقية.
ولم تقتصر التعليقات في هذه المواقع على العراقيين فقط، بل شملت تعليقات من مسؤولين ونشطاء ومدونين عرب وأجانب تعبر عن الألم لما قامت به عصابات داعش من فعل شنيع.
وأعتبر عديد من المدونين أن الآثار التي جرى تدميرها من قبل ارهابيي داعش، لا تخص العراقيين وحدهم بل أرث الإنسانية جمعاء، واستهدافها يعني استهدافا لشواهد تاريخ الحضارة الانسانية.