مدارات

احتفالات الذكرى الــ 150 لتأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني .. محاولة للقفز على التاريخ وتغييب دور اليسار الحقيقي / رشيد غويلب

قبل 150 عاما، وفي الثالث والعشرين من أيار 1863 تنادت في مدينة لايبزغ حفنة من الرواد وأسسوا الجمعية العامة للعمال الألمان، وبهذا ولدت أول منظمة للحركة العمالية الألمانية

وفي عام الانتخابات 2013 يحتفل الحزب الاشتراكي الديمقراطي في نفس المكان، معتبرا المناسبة الذكرى 150 لتأسيسه. ولكن الثالث والعشرين من أيار وقبل كل شيء هو ذكرى ولادة الحركة العمالية، وهي حركة لتحرير أولئك، الذين ليست لديهم أملاك كبيرة، ولا يملكون الملايين في المصارف، وهي الحركة التي يقف في تقاليدها اليوم كل الذين يناضلون من اجل بديل جذري للرأسمالية.
وكانت الاحتفالية المركزية للاشتراكيين الديمقراطيين موضع نقد حاد وشامل من قبل وسائل إعلام، وشخصيات يسارية، شارك بعضها في الفعالية. فقد خلت الفعالية، ولو من كلمة نقد واحدة لتصويت الحزب الديمقراطي الاشتراكي، لصالح مشاركة الجيش الألماني في الحرب الجارية في أفغانستان، وكذلك هو الحال مع نصب صواريخ باتريوت على الحدود التركية السورية. لقد صمت المتحدثون عن هذا الجانب العملي من التاريخ الحديث للاشتراكيين الديمقراطيين في حين جرى التذكير بطريقة احتفالية بالرفض الوحيد واليتيم للحرب على العراق في نيسان 2003، والذي يعلم الجميع انه جاء حينها لأسباب تكتيكية - انتخابية لا غير. ولم تشهد الفعالية كلمة نقد واحدة أيضا، للموافقة الخجولة على حزم التقشف، التي مررتها المستشارة ميركل "لإنقاذ" البنوك. ويبدو ان الاشتراكيين الديمقراطيين يصرون على قلب الحقائق التاريخية، وإلغاء دور اليسار الجذري، فهم في الوقت الذي يمتدحون تصويت مجموعة من نوابهم بقيادة أوتو فيلز، الذين صوتوا ضد القوانين النازية في 24 آذار 1933، والتي تعد، إلى جانب حريق الرايخستاغ الألماني الأرضية التي أكمل هتلر على أساسها قضم كامل السلطات، ويعيدون ذلك مرارا وتكرارا، يتجنبون ، في ذات الوقت، عن عمد الإشارة إلى ان النواب الشيوعيين حرموا من المشاركة في التصويت، بعد طردهم من البرلمان، واعتقالهم. ويحلو للاشتراكيين الديمقراطيين محاولة احتواء المقاومة ضد الفاشية أيضا، وتقديم أنفسهم باعتبارهم الممثل الوحيد لها، وهو أمر يجافي الواقع فقد اشترك في هذه المقاومة مئات الآلاف من الألمان مثلوا طيفا سياسيا واسعا، وكان الشيوعيون من أوائل من واجه الخطر الفاشي، ودعوا إلى مقاومته بكل السبل. وكذلك في مقدمة نزلاء معسكرات الاعتقال الفاشية. لقد كان ممكنا ان تتحول مناسبة الاحتفال بمناسبة تأسيس أول منظمة عمالية ألمانية إلى وقفة في حوار مشترك بشأن تاريخ كبير، وتضحيات جسيمة، وكذلك بشأن الأخطاء الكبيرة التي عاشتها الحركة العمالية، وأيضا كانت كأن يمكن ان تكون هناك فرصة للحوار بشأن التصورات المشتركة لمستقبل أفضل. لقد كان الهدف من الاحتفال الضخم، الذي حضرته المستشارة الألمانية ميركل، والرئيس الفرنسي هولاند إلى جانب العديد من الوفود التي تمثل قوى الوسط واليمين في العالم، بينها وفود عربية، تسليط الضوء على فكرة احتكار الاشتراكيين الديمقراطيين لتاريخ اليسار الألماني. ولهذا يرى ممثلو قوى اليسار الألماني ان استذكار انطلاق الحركة العمالية المنظمة سيجري في الحادي والثلاثين من أيار الحالي، والأول من حزيران المقبل، عندما يشارك عشرات الآلاف من قوى اليسار، والحركات الاجتماعية في الفعاليات الاحتجاجية التي ستشهدها مدينة فرانكفورت للنضال من اجل الديمقراطية، وضد الأسواق المالية, هناك في فرانكفورت سيستمر السير على تقاليد الحركة العمالية، وليس في احتفال الحزب الذي أصبح جزءاً من قوى الليبرالية الجديدة، وغادر مواقع الدفاع عن القيم الحقيقية للتحرر، والتقدم، والعدالة الاجتماعية.