مدارات

إلى حتفها تسير هذه البلاد !/ حسام الحاج

الأزمات السياسية المتعاقبة والمتنامية في العراق لها ما يبررها وربما يكون أكثر المبررات دقة هو عدم وجود نخب سياسية في مواقع القرار على مستوى من الوعي تتمكن من قيادة البلاد إلى بر الأمان. ثمة أسباب يمكن الرجوع إليها في تشخيص هذا العوق السياسي، أبرزها التناغم الحاصل بين الناخب والمرشح.

فلا يمكن تحديد السلوك السياسي للأحزاب إلا من خلال قواعدها الجماهيرية أو من تستهدفهم في الخطاب. ولأن الدولة العراقية تعاني من أزمة الهوية الراسخة والتاريخ المشترك فأن النخب السياسية ولدت من مخاض مجتمع جد معقد ويبدو متباعدا من حيث الاعتقاد على الأقل بالرؤية السياسية المشتركة لبناء دولة حديثة يسود فيها القانون. فكل ينظر من زاويته لبناء الدولة الموعودة.
ما خاضه رئيسا مجلس الوزراء ومجلس النواب في اليومين الماضيين، من جولة تنابز جديدة، يدعم ركائز التناغم الحديث في الخطاب الانتخابي، المالكي يدعو الى خرق الدستور علانية، والنجيفي يؤجج أوار الفتنة، من خلال خطاب متشنج، هم مشغولون بتبيان أعداء المذهب للطائفتين ومنهمكون باعتلاء منصة الإمارة الطائفية أو الإمارة الحربية.
ليسوا مكترثين بما ستؤول اليه الامور ، المهم ان يبقيا في السلطة بأي ثمن، يلبسون شتى الالوان ويخلعون شتى الثياب، يتقمصون اعمق الادوار وينزلقون الى قعور مظلمة.
في المقابل لا شيء يشغل كثيرين من الطائفتين هذه الأيام سوى الزحف إلى سوح الوغى ! للاقتتال، مغمضين عيونهم مغيبين عقولهم يسيرون على غير هدى نحو الهلاك . آذانهم ترفض صوت الاعتدال وقلوبهم لا يعتمرها سوى الانتقام. ما دام الرؤساء لا يبخلون بإيقاظ الفتنة.
وإزاء هذه الاحداث المقلقة ينبغي الالتفات الى صانعي (الشوفينية الشيعية المستحدثة) ومن يدفع باتجاه انعاش الريفانشية السنية المستحدثة (وهو مصطلح في المعجم السياسي يعني الانتقام السياسي من المعارضين والمناوئين)، اذا كان الشيعة يمارسون الطائفية سلطويا فان السنة يعبرون عنها ثوريا وثمة وطن مذبوح بين السلوكين.
الانتخابات العامة المقبلة ستفرز كسابقتها اناسا يمثلون هذه النظريات المتطرفة، مرشحين يحامون عن الشيعة من الزحف السني واخرون ينتزعون الحكم من (برامكة العصر).
واغلب النخب الوطنية والسياسية المدنية وصلت حد الاستنكاف او اليأس فاختاروا إما الهجرة أو النأي بالنفس عن الصخب الطائفي الذي يبدأ من البقال وسائق التكسي ولا ينتهي عند صاحب نظرية (الجعير) ونظيره في (الرياسة ) صاحب نظرية (الفقاعات). لذا فأن على من تبقى منهم من تيارات واحزاب تناضل من اجل دولة مدنية حديثة أن يضاعفوا مسؤولياتهم.
المناخ الموبوء بالطائفية لا يفرز إلا قوى طائفية عاجزة عن الاتفاق و المضي نحو بناء الدولة لأن البيئة العراقية غير مهيأة تماما لتعزيز المفهوم الوطني وسيادة القانون ودعم الدولة من حيث ترسيخ العدالة.