مدارات

حذف الأصفار: وحدة إرادة الدولة شرطا / رائد فهمي

صدرت خلال الأسبوع المنصرم مطالبات متعارضة من بعض النواب للبنك المركزي بشأن تنفيذ مشروع حذف الأصفار من الدينار. فالبعض دعاه للاسراع في العملية نظرا الى الظروف الملائمة بعد خروج العراق من الفصل السابع. فيما أكد بعض آخر ضرورة التريث، مبينا ان ذلك سيربك الموازنة العامة للدولة ويحرج الحكومة، فضلا ً عن واقع الوضع السياسي مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب واشتداد حمى المنافسة والصراع بين الكتل.
ومعلوم ان البنك المركزي كان قد تقدم إلى مجلس الوزراء اواخر عام 2011 بمشروع مهني متكامل لعملية حذف الأصفار من الدينار، ووضع في الأعتبار الجوانب الاقتصادية والمالية والفنية والأمنية والاجتماعية والنفسية، واستعان بخبرات عالمية وافاد من تجارب بلدان أخرى، منها بعض بلدان الجوار والمنطقة. وابدى البنك في حينه استعداده للشروع بتنفيذ العملية ابتداء من كانون ألاول 2013.
لكن البنك عاد فاصدر بيانا في ايار 2012 اعلن فيه تأجيل تنفيذ المشروع، رغم انه انجز الجزء الأكبر من الاجراءات الضرورية التي تتطلبها العملية. وعزا سبب التأجيل إلى ضرورة تأمين متطلبات التنسيق والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولم تجر الاشارة في المناقشات والسجالات التي دارت بشأن هذه القضية إلى الفصل السابع كمعوق رئيس، وانما تمحور اهم الاعتراضات حول عدم القدرة على التحكم والسيطرة على عمليات التزييف وتبييض الأموال ومجالات الفساد الأخرى، التي يمكن أن ترافق عملية تغيير العملة. بل ذهب بعض القريبين من مركز القرار إلى القول انها قد تطلق أكبر عملية فساد، في حين اتهم البنك المركزي جهات نافذة بانها تعيق عملية الاصلاح النقدي.
وهكذا فان الجدل ينصب اساسا على توقيت تنفيذ العملية ومدى توفر شروطها ، وفي مقدمتها توفر إرادة موحدة حاسمة من جانب الدولة بجميع اركانها وسلطاتها للمضي في تنفيذ هذا المشروع، لأنه يتطلب التعاون الوثيق بين مختلف اجهزة الدولة من جهة وبينها وبين المواطن ووسائل الاعلام ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي من جهة أخرى.
إن ما نلاحظه من غياب الانسجام والتوافق في الرأي داخل اللجان البرلمانية المتخصصة، ناهيك عن الكتل البرلمانية المختلفة ، وبين السلطة التشريعية ككل والحكومة والسلطة التنفيذية بمجموعها، يشير بجلاء إلى عدم توفر الشرط الأرأس الذي تم استنادا اليه تأجيل تنفيذ المشروع في العام الماضي. فجدوى المشروع واهميته يفوقان السلبيات المحتملة، شرط توفر الارادة المشتركة للدولة بجميع سلطاتها. وبدون ذلك يصعب انجاز الحلقات والجوانب المختلفة للمشروع بالصورة المرضية، القادرة على تطويق التلاعب وعمليات الفساد والسيطرة عليها، ومعها الاستغلال المسيء لعملية سحب وتغيير العملة المتداولة. ومن اللافت ان التصريحات تطلق عبر الاعلام في حين ان اللجان البرلمانية لم تبحث الموضوع بعد مع الادارة الجديدة للبنك المركزي.
ومن الضروري ايضا أن يتوفر وضوح في المغزى والمضمون العلمي والاقتصادي الدقيق لعملية تبديل العملة. فليس من شأن العملية القضاء على التضخم أو اطلاق النمو، أو اجراء تغيير جوهري في قيمة العملة وسعر صرفها. بل ان لحذف الأصفار تأثيرات ايجابية ملموسة ومباشرة على خفض تكلفة معاملات تداول العملة وتيسيرها، وتقليص احتمالات الخطأ المقترنة بالتعامل مع ارقام كبيرة. كما انه يقلل من كمية العملة المتداولة، وبالتالي من اعباء وتكاليف ادارتها واصدارها. يضاف الى ذلك ان لتغيير العملة آثارا نفسية على المواطن وعلى سلوكه الاقتصادي والانفاقي، ما يستوجب التحسب لذلك بعمل توعوي، وبالتدرج في تنفيذ عملية التبديل.