مدارات

وقفة مضيئة عند كنيسة الأب غريغوري للمسيحيين الأرمن

تضامن عبدالمحسن
تواجدُ الأرمن في العراق غائرٌ في القدم، ولكنه ازداد في بداية القرن العشرين بعد مجازر الأرمن التي نفذتها جندرمة الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. وقد بلغ عدد الضحايا الأرمن ما بين مليون الى مليون وخمسمائة الف نسمة.
ويعد يوم 24 نيسان من كل عام يوم ذكرى مذابح الأرمن، وهو نفس اليوم الذي تم فيه اعتقال أكثر من 250 من أعيان الأرمن في اسطنبول، وقيام الجيش العثماني بطرد الأرمن من ديارهم وأجبرهم على المسير مئات الأميال الى الصحراء ليصلوا الى العراق وسوريا، وأثناء ذلك حرموا من الغذاء والماء.
وبهذه المناسبة أقامت كاتدرائية الأرمن الأرثوذكس مهرجاناً احياء للذكرى الأليمة في كنيسة الأرمن ببغداد يوم ٢٤/٤/٢٠١٥.
وقد شهد المهرجان حضورا واسعا لشخصيات مسيحية وسياسية بارزة، وجرى خلاله افتتاح
نصب تذكاري في باحة الكاتدرائية حيث رفع عنه الستار ووضعت عنده أكاليل الزهور والورود.
وهذا المهرجان هو أحد الفعاليات المتزامنة مع فعاليات دولة ارمينيا خلال هذا العام ٢٠١٥ تحت عنوان "أتذكر .. أطالب" والتي نظمتها كذلك الطائفة المسيحية الأرمنية في العراق لإقامة الذكرى المئوية لمذبحة الأرمن الكبرى. وكانت أبرز الفعاليات المسيرة السلمية التي سارت نحو السفارة التركية في بغداد يوم الثالث والعشرين من هذا الشهر، وتقدمها وزراء ووجهاء وآباء أفاضل، ويوم ٢٤ من نيسان أقيم هذا المهرجان.
سأعطيكم ضعف المال الذي تجمعونه
التقينا، أولا الأب الخوري ناريك شكانيان راعي كنيسة الارمن الارثوذكس في ساحة الطيران، ليطلعنا على الكاتدرائية التي تقف في ساحة الطيران منذ عام 1953 لتستقبل المسيحيين الأرمن.
كنائس الأرمن في بغداد
قال: "توجد عدة كنائس للأرمن في بغداد منها كنيسة مريم العذراء في محلة الميدان وسط بغداد وهي الأقدم وقد بنيت عام 1639. أما كنيسة السيدة العذراء للأقباط في الشورجة فقد كانت تشهد اقبالا شديدا للأرمن، ولكن بعد تعرضها للإهمال ونظرا لقدم تاريخ بنائها منذ عام 1820 تقريبا تقرر بناء كنيسة اخرى للأرمن في الباب الشرقي، وقد شيدت هذه الكنيسة على الارض التي تعود لنا منذ عام 1903، وبدأنا بجمع التبرعات من المسيحيين المحسنين. واذكر رجلاً محسناً قال "سأعطيكم ضعف المال الذي تجمعونه"، وتم لنا ذلك بالفعل، لندق حجر الأساس عام 1?53 حتى اقمنا القداس الاول في شهر أيار من عام 1957، ومنذ ذلك اليوم والكنيسة لم ينقطع عنها زوارها بل انها تشهد زيارة الاخوة المسلمين ايضا، لطلب النذور من السيدة مريم العذراء، وتم إنشاؤها بمبلغ يكاد لا يذكر في الوقت الحاضر ".
وكلما احتاجت الكنيسة الى الصيانة والترميم تجرى عملية جمع التبرعات من المحسنين، كما كانت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في النظام السابق ومديرية الطوائف الدينية تدفع بعض الاموال لمختلف الاغراض.
وقد تعرضت الكنيسة لأضرار الانفجارات عام 2006 وكلفت اعمال اصلاحها حينها ما يقارب 150 مليون دينار، وهي اموال كانت ستفيد في مساعدة الفقراء والمحتاجين، لولا تلك التفجيرات الارهابية.
وعموما يأتي تمويل الكنيسة من تبرعات المحسنين ومن حفلات الأعراس والمآتم المقامة فيها، وكذلك من واردات العقارات التي يمتلكها الأرمن من محلات وعمارات وعيادات طبية. وتوزع هذه الأموال عادة على أغراض الصيانة وللموظفين العاملين في الكنائس وكذلك للفقراء ولدفع مستحقات اعضاء اللجنة الثقافية ممن يعملون في المدرسة التابعة للكنيسة.
ترتفع قرب الكنيسة مدرسة تبدأ من الروضة الى الاعدادي ويقول الاب ناريك عنها انها تأسست عام 1852، لكن بناية المدرسة الاولى تداعت بمرور الزمن. وفي عام 1929 تم بناء المدرسة الموجودة حاليا قرب الكنيسة، على الارض العائدة لنا. وفي عام 1970 تم تأميم المدارس الأهلية وبضمنها هذه المدرسة، فتحولت الى مدرسة حكومية اي ان يكون التجهيز والقرطاسية ورواتب المعلمين من الحكومة وبالمقابل سمحوا لنا بتقديم حصتين فقط للغة الارمنية وحصتين فقط لمادة الدين المسيحي. اما اليوم وبعد 2003 فقد اجرينا عدة مفاوضات مع وزير التربية لتكون هذه ?لمدرسة اهلية وتحت مراقبتنا وهي مدرسة نموذجية تبدأ من رياض الاطفال حتى الثالث الاعدادي. ومن الجدير بالذكر ان 90 بالمئة من الارمن وبضمنهم جميع العاملين في هذه الكنيسة انهوا دراستهم في هذه المدرسة".
الارهاب.. الارهاب
أثناء تجوالنا في حدائق الكنيسة لاحظنا منحوتة لصليب تعلوه خطوط محفورة تمثل أولى الكنائس في العالم، وبقربه صندوق زجاجي يضم مجموعة عظام تحتفظ بها الكنيسة وهي عائدة للشهداء من الارمن من ضحايا مجرزة عام 1915، والذين تم دفنهم في مقبرة دير الزور.
يقول الاب ناريك:" اليوم لم تنج كنائسنا في الموصل من عمليات الحرق والسلب والتدمير وكذلك تم احراق وثائق تاريخية مهمة من قبل الدواعش، ولكننا نحتفظ بنسخ منها وبعدة لغات موزعة في كنائسنا بالعالم. ومازالت بعض الدراسات البحثية تكتب عن الارمن لغاية اليوم".
في مدخل كنيسة الارمن وعلى ميمنة الممر يرقد الشهداء والاموات الارمن بسلام في مقبرة عمرها يبدأ عام 1903 ، وقد توقف الدفن فيها عام 1987، وتعاني المقبرة اهمالاً واضحاً اذ على ما يبدو ان اهالي الموتى كانوا يتكفلون بكل عمليات التعمير والصيانة وبسبب هجرة الاغلبية الكبيرة منهم تعرضت هذه المقبرة للأهمال، ويحدثنا الاب ناريك عن نقاشات تدور حول رفع رفات الموتى المدفونين في هذه المقبرة الى مقبرة الارمن في خان بني سعد شرقي بغداد. علما ان تناقص اعداد الارمن الى مستوى ضئيل جدا صار ظاهرة مخيفة، وهذه ليست المرة الاولى التي ?تعرض فيها الارمن للتهجير ففي زمن حكم الرئيس العراقي السابق عبدالسلام عارف تعرض المسيحيون عام 1964 الى التهجير او الهجرة لأسباب مختلفة اهمها عدم العثور على فرص عمل.
الكنيسة مبنية بطريقة مشابهة لأول كنيسة في ارمينيا وهي التي شيدت عام 301، اذ يقول الاب ناريك "حسب اعتقادنا ان السيد المسيح وضع اول مرة سبعة اعمدة وربطها بالأقواس لتتكون سبعة أقواس وفي الاعلى كان التاج.. وان كنيستنا تشبه ذلك التصميم". وتزين التاج في الأعلى رسوم بريشة الفنان بهجت عبوش. وعلى يمين المذبح المقدس يكون مجلس رئيس الطائفة اثناء اداء المراسيم.
الرمان يشهد
زرنا مكان التعميد الذي كانت أعمدته منحوتة بطريقة فنية رائعة تبهر الناظر وتتميز بوجود الرمان الذي يرمز الى العالم كله، وحبات الرمان ترمز الى البشر وضرورة تواجدهم في هذا العالم بشكل متراص وموحد. أما عنقود العنب فيرمز الى حليب الام وقرب عناصره من عناصر عصير العنب.
من أهم الشخصيات الارمنية العراقية عازفة البيانو المعروفة الراحلة بياتريس اوهانيسيان، والرسام ارداش كاكا فيان والمغنية العراقية سيتا هاكوبيان، والكاتب يعقوب سركيس مؤلف كتاب المباحث العراقية، والممثلة الشهيرة ازادوهي صاموئيل. وهناك العديد من الاطباء والرياضيين والموسيقيين، كذلك رجال الاعمال واشهرهم كالوست كولبنكيان.