مدارات

المقدادي يدق جرس الإنذار بشأن مخاطر التلوث الاشعاعي

عبد جعفر
الحقيقة الثابتة التي يغالط الإمريكان فيها ويتجاهلها المسؤولون العراقيون هي "أن تلوث البيئة العراقية بالإشعاع واقع قائم منذ أكثر منذ ثلاثة عقود، لكنه تفاقم عقب حرب 1991وغزو 2003، بسبب استخدام الأسلحة المنضبة من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
هذه الحقيقة تناولها الطبيب الدكتور كاظم المقدادي مساء السبت الماضي في محاضرته المعنونة "تلوث البيئة العراقية بالإشعاع: مصادره وأبرز تداعياته الصحية والمعالجات المطلوبة" التي قدمها في المركز الثقافي العراقي في لندن بالتعاون مع رابطة الأكاديميين العراقيين في بريطانيا، وأدار الندوة الدكتور أحمد جيهانلي.
وكشف المقدادي في حديثه المعزز بالصور وبحضور حشد غفير من إبناء الجالية العراقية، زيف الإدعاء أن الأسلحة المستخدمة المحتوية على اليورانيوم المنضب هي إسلحة آمنة، بدليل كثرة الإصابات بالسرطان والولادات المشوهة في المناطق التي ضربت بهذه الأسلحة.
وتثبت المستجدات العلمية أن أشعة ألفا المنبعثة من اليورانيوم غير آمنة، مهما كانت جرعتها ضئيلة، كما أنها أخطر ألف مرة على الجسم من أشعة (غاما) و(بيتا). فهي بطاقتها الإشعاعية والتأينية العالية، تخلق تدميرا خلويا جسيما للبناء الحيوي لجسم الإنسان.
وهذه الأشعة لها خاصية التأثير بـ (الجيرة)، فهي تقتل الخلية الأولى ثم تقتل الخلايا المجاورة، وهكذا تستمر في تدمير بنية الجسم المصاب.
وكشف العالم روجر كوجهيل عن ان دخول جزيء واحد من أشعة ألفا واستقراره في الغدد الليمفاوية عبر التنفس كفيل بتدمير جهاز المناعة بالكامل، الأمر الذي تنجم عنه انواع خطيرة من السرطان وتشوهات الأجنة.
وقال أن العلاقة تأكدت بين اليورانيوم المنضب وأنواع السرطان في العراق، فهنالك مليون مصاب بالسرطان، وفي كل يوم يولد مئات الأطفال المصابين بالتشوهات.
وكشف المقدادي أن إستخدام اليورانيوم المنضب في العراق سبب أيضا انتشار أمراض سرطانية وسط أعمار غير معروفة طبيا، مثل سرطان الثدي لدى فتيات بعمر 10 و12 عاما، وسرطانات نادراً ما تصيب شريحة الأطفال.
ودق المقدادي جرس الإنذار بتأكيده أن الإصابات السرطانية والوفيات بسببها إرتفعت بنسب عالية قياسا بما كانت عليه قبل عام 1989.
وكشف أيضا أن ضحايا الاسلحة المصنعة من اليورانيوم المنضب، طالت حتى الذين إستخدموها من جنود، فتعرضوا لها بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة.
كما أن بقايا الاسلحة المدمرة التي نقلت كـ (سكراب) الى بعض المناطق ومنها النجف سببت. إنتشار السرطانات فيها خصوصا بين العمال الذين يعملون في الحدادة وغيرها.
وأكد المقدادي أن خطورة الأمر تكمن في تأثير الإشعاع بالغ الضرر على البيئة والهواء والمياه الجوفية والأنهر، في الوقت الذي نرى لا أبالية المسؤولين العراقيين إتجاه هذا الأمر المرعب.
كما أن هناك - كما اضاف - تواطؤاً دولياً واضحاً في عدم الكشف عن جرائم إستخدام سلاح اليورانيوم المنضب في العراق، رغم كل الأدلة التي يؤكدها الكثير من العلماء.
وقال أن مناقشة إستخدام هذا السلاح في الإمم المتحدة دائما ما يلقى الإعتراض من قبل إمريكا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل.
وأشار الى أن منظمة الصحة العالمية رغم قيامها بدراسة التشوهات الولادية، ألا أنها وبعد طول مماطلة في إعلان النتائج أعلنت حذف اليورانيوم المستنفد بذريعة أن إقامة صلة بين إنتشار العيوب الخلقية والتعرض له، تحتاج الى مزيد من البحث من قبل الوكالات والمؤسسات المتخصصة.
وأشار الى أن كثير من العلماء في الغرب أمثال كيث بافرستوك، كبير خبراء الإشعاع في منظمة الصحة العالمية سابقا أكدوا أن «إغفال دور اليورانيوم المستنفد هو تجاهل صارخ»، وإعتبرت الباحثة كريستين ديلان، مؤلفة كتاب «حرب الخليج: الحرب القذرة النظيفة»، أن عدم نشر تقرير منظمة الصحة العالمية، الذي إشتغلت عليه فترة طويلة، يُعد فضيحة، خصوصاً أن نتائج الدراسة كشفت عن وجود تشوهات خلقية وحالات سرطانية لدى الأطفال بشكل متزايد.
وقد أثارت هذه الندوة المهمة العديد من النقاشات والأسئلة وتوصلا الى استناجات أهمها:
* وجود أكثر من 140 موقعا ملوثا في العراق.
* عدم قيام الوزارات العراقية الثلاث: البيئة، والعلوم والتكنولوجيا، والصحة بمهامها بالمستوى المطلوب. وان على الجهات الحكومية تنشيط دورها بالتعاون مع الأمم المتحدة. وبقية الحكومات الأخرى.
* تكوين "لوبي" علمي ضاغط للتوعية بالمشكلة ومخاطرها. وتنسيق الجهود بين منظمات مجتمع المدني في هذا الأمر وكشف جرائم تجار الحروب وعديمي الضمير.
* إن خطورة الإشعاع تفوق خطورة الإرهاب، وذلك ان التلوث الإشعاعي يستمر أجيالا.
* ضرورة وقف مخاطر التلوث الذي تسببه مجموعة المركبات العضوية من النفايات في مجاري الإنهر والمياه الجوفية والتربة، خصوصا وأن الأمر بدأ منذ أيام النظام الدكتاتوري السابق وبدأ يتصاعد لاحقا.