مدارات

السياسة المالية والاقتصاد الاحادي في ضوء بلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي

عادل عبدالزهرة شبيب
شخص البلاغ الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في 17 نيسان 2015 المشاكل والازمات التي يعاني منها الاقتصاد العراقي ,محذرا من ان استمرار الاوضاع الاقتصادية على ماهي عليه سيؤدي الى تداعيات سلبية جدية وتعميق الطابع الريعي لاقتصادنا وضعف وانحسار مستمرين في دور ومساهمة القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية والخدمية, ورواج النشاطات الطفيلية, وتفاقم التبعية للخارج والاعتماد عليه, واستمرار تأثير تقلبات أسعار النفط في الاسواق العالمية على اقتصادنا الوطني.
تناول البلاغ مسألة مواجهة الاقتصاد العراقي لمستويين من المشاكل والازمات: الاول مرتبط بالسياسة المالية والموازنة العامة, والثاني متعلق ببنية الاقتصاد الاحادية والريعية.
ولنتوقف عند هذين المستويين, فالسياسة المالية باختصار بسيط تعني: تحديد الدولة لمصادر دخلها وأوجه الصرف لهذا الدخل, أي من أين يأتي الدخل وأي المصادر أهم وأين يصرف وأي قنوات الصرف أهم؟
عند النظر الى مصادر الدخل فإنها تتنوع من دولة لأخرى فبعضها يعتمد دخلها على الضرائب بشكل كبير والتي تشكل اهمية كبيرة بالنسبة لها , بينما دول اخرى تعتمد كليا على تصدير النفط كالعراق والذي يشكل اهمية كبيرة بالنسبة له وهو مصدر دخله الاكبر حيث يكون 95 في المئة من اجمالي دخل العراق من العملة الصعبة. وفي هذا الاعتماد خلل كبير يعرضه الى خطر تقلبات اسعار النفط العالمية ,وتهميش القطاعات الاقتصادية الاخرى كالصناعة والزراعة والسياحة والتعدين والتشييد والبناء ....الخ, واعتماد العراق على الاستيراد لسد حاجات المجتمع من المنتجات. وتعتبر الايرادات العامة من المصادر التي تستمد منها الدولة الاموال اللازمة لتغطية نفقاتها المتعددة من اجل اشباع الحاجات العامة الضرورية للمجتمع واصبحت اداة من ادوات السياسة المالية.
يفتقر العراق الى سياسة مالية واضحة وحقيقية ,فهناك العديد من مصادر الدخل التي يمكن تفعيلها الى جانب النفط لكنها لم تفعل بسبب غياب الاستراتيجية والرؤى الواضحة للتنمية الاقتصادية -الاجتماعية, ويبقى العراق بحاجة ملحة الى سياسة مالية مبنية على رؤية اقتصادية تتبنى منهج الاصلاح الاقتصادي ومعالجة المشاكل والازمات الاقتصادية التي تواجهه والتي لم يتمكن من حلها منذ سقوط النظام المقبور عام 2003 والى اليوم كالبطالة والتضخم وانخفاض معدلات النمو والفقر والسكن والاختلال الهيكلي في الاقتصاد والتفاوت الكبير في توزيع الدخول والثروات وضعف البنى التحتية واحادية الاقتصاد وغيرها...فمازال الاقتصاد العراقي يعتمد اعتمادا مطلقا على العوائد النفطية في معالجة المشاكل التي تواجهه سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية, وادت هذه السياسة الى تعثر النشاطات الاقتصادية الاخرى القائمة, لذلك فان تنويع مصادر الدخل الوطني يعتبر ضروريا في الوقت الراهن مع استمرار البحث عن بدائل قابلة للتجدد وتحقيق تنمية اقتصادية-اجتماعية حقيقية والتمكن من الوقوف بقوة امام الازمات التي يتعرض لها الاقتصاد كما هو الحال بالنسبة للازمة التي نتعرض لها اليوم بفعل هبوط اسعار النفط في الاسواق العالمية ,فلو كانت مصادر دخلنا متنوعة لما تأثر اقتصادنا كثيرا بهذه الازمة. وهذا يدعونا الى اعتماد استراتيجية وطنية واضحة تتضمن اصلاح الاوضاع الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وزيادتها.
أما بالنسبة للشق الثاني من السياسة المالية (الصرف) او (الانفاق العام ) فينبغي ان تكون هناك اولويات للصرف ولكن في العراق تم التجاوز على المال العام من خلال عمليات الفساد الكبيرة المتفشية في معظم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية, ومن خلال الفضائيين الذين يكلفون الدولة مبالغ طائلة ,ومن خلال الصرف الباذخ في الرئاسات الثلاث ,ومن خلال المشاريع الوهمية واستغلال المال العام في الانتخابات ,اضافة الى الديون الكبيرة التي يدين بها العراق نتيجة حرب الخليج الاولى والثانية والتي تم التخلص من 75 مليار دولار منها من خلال نادي باريس عام 2006 ومازال يدفع المليارات الى الكويت تعويضا عما قام به النظام المقبور.
ان قنوات الصرف في العراق لم توجه الى اقامة المشاريع الاستراتيجية واقامة او تطوير المعامل وتطوير الزراعة والسياحة والاستثمار المعدني وتطوير البنى التحتية وتصنيع النفط واقامة الصناعات البتروكيمياوية... وبذلك اصبحت مصروفات الدولة اكثر من دخلها وهذا ما ادى الى العجز في الموازنة في ظل انخفاض مدخولات العراق المالية بسبب انخفاض اسعار النفط العالمية.
وقد أكد البلاغ على ضرورة:
1) وضع المعالجات والحلول الانية التي يتوجب تحقيقها في الامد القصير أو المتوسط القريب.
2) اعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بتنويع قاعدة الانتاج عبر تعزيز وتطوير مساهمة القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة وقطاع التشييد والبناء.
3) تحديث وتطوير البنى التحتية.
4) ترجمة الخيارات الاقتصادية الاستراتيجية للدولة في خطط التنمية الوطنية والخطط القطاعية والبرامج والمشاريع الموضوعة.
5) مكافحة الفساد المالي والاداري وحشد طاقات وقدرات مجتمعية واسعة بعملية وطنية شاملة .ومكافحة الفضائيين وتقليل الهدر في الانفاق.
6) تصحيح السياسات الخاطئة وسوء الادارة واعتماد رؤية تنموية واستراتيجية علمية واضحة.
7) عدم تحميل الفئات والشرائح الاجتماعية الضعيفة والكادحة واصحاب الدخل المحدود والفئات الوسطى اعباء الازمة سواء من خلال خفض مداخيلها أم بزيادة الضرائب المفروضة عليها.
8) الاسراع بإجراء المراجعات والاصطلاحات الادارية والمالية.
9) عدم تصفية شركات ومؤسسات الدولة الانتاجية عبر الشروع بخصخصتها, بل المطلوب تقديم الدعم لها والعمل الجاد على تطبيق قانون التعرفة الجمركية وتفعيل قرارات شراء منتجات الشركات العامة من قبل مؤسسات الدولة والقطاع العام.
10) تشجيع الاستثمار الخاص الوطني والخارجي.
11) اصدار خطة التنمية الوطنية بقانون وضمان انسجامها وتوافقها مع الخطط الاستراتيجية القطاعية.
12) تطوير التنسيق والتكامل بين السياستين المالية والنقدية.
13) تفعيل دور البنك المركزي في دعم النمو والاستفادة من الاحتياطي لهذا الغرض بطرق واساليب لاتتعارض مع قانونه.