مدارات

اليونان.. استفتاء الاحد القادم والخيارات الصعبة

رشيد غويلب
بعد اعلان رئيس الوزراء اليوناني اكسيس تيسبراس قرار حكومته التوجه للشعب اليوناني ليقرر عبر استفتاء عام موقف اليونان شعبا وحكومة من سياسة الإبتزاز وألإملاء، التي لا يمكن حصرها بمشكلة الديون فقط، لأنها ادت الى افراغ الديمقراطية من سلطتها واخضعتها لقيود منبوذة بزعم ان تلك القيود لا مفر منها.
وفي هذا السياق تبادلت اللجنة الثلاثية (صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوربي، والمفوضية الأوربية)، وحكومات تحالفات اليمين والوسط المتنفذة، الأدوار في السعي الى إسقاط حكومة اليسار في اليونان وتدمير مشروعه الواعد والقاضي بطرح بديل التضامن والعدالة الإجتماعية. وانطلقت حملة اعلامية وسياسية لتجيب على السؤال الذي طرحه وزير المالية اليوناني فاروفاكس في اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو السبت الفائت: "هل يمكن للديمقراطية والوحدة النقدية ان تتعايش، ام ان على احدهما الخضوع للآخر؟، والذي كان سببا في ابعاده من اجتماع وزراء المجموعة الذي تلاه، في اجراء لم يشهده تاريخ الإتحاد الأوربي، ليناقش وزراء المجموعة بغياب اليونان مستقبله، بحجة ان اجتماع وزراء مالية المجموعة هيئة شبه رسمية، كما جاء في البيان الصادر عنها.
ان الرفض الدائم لمقترحات الحكومة اليونانية بما فيها مقترحها التفصيلي ألأخير، الذي ابتعدت فيه عن برنامجها الإنتخابي وتقدمت خطوات باتجاه المؤسسات المالية العالمية، وحكومات منطقة اليورو، يؤكد ان صندوق النقد الدولي مستمر في لعبه دور مثيري الشغب، كما فعل ذلك بمشاركة البنك الدولي في ثمانينات القرن الفائت، حيث ارسل "فرق الموت المالية" الى امريكا اللاتينية وافريقيا، لتملي على شعوب هذه القارات برامج الإفقار والتجويع، لهذا يضغط الان وبمشاركة المراكز المالية العالمية الاخرى، للإستمرار في إملاء برامج التقشف القاسي على اليونان بتفاصيلها المعروفة. ولا يكترث الصندوق وحكومات اليمين تجاه فشل كل توقعاتهم بنجاح "خطط الإنقاذ" السابقة، من حيث تمكنها في انهاء مبكر للركود الإقتصادي، وان الأقتصاد اليوناني سينمو في عام 2012 بالضبط بنسبة 1,1 في المائة، وان البطالة ستنكمش، ومعروف ان الأقتصاد اليوناني انكمش في عام 2013 بنسبة لا تصدق مقدارها 25 في المائة وان البطالة تضاعفت عدة مرات، وان برامج التقشف قادت البلاد الى الهاوية.
وعلى الرغم من هذا كله ترفض اللجنة الثلاثية قطعيا جميع المقترحات ذات التأثير الإيجابي في عملية التوزيع، ويصرون على سياساتهم القديمة والتي يمكن اختصارها بالشكل التالي: على اليونان الحصول على قروض جديدة لخدمة القروض القديمة، ومتابعة برنامج التقشف لتمويل الفائدة. وهذا ما لا تريد حكومة اليسار التوقيع عليه.
وبمناشدة الحكومة اليونانية لشبعها لكي يقول (لا) ، تجسد رفضها إبتزازها واجبارها على خفض المعاشات التقاعدية، والغاء قوانين حماية العاملين، والخضوع مجددا لقرارات مجموعة اليورو. وسيكون التصويت في ألإستفتاء على عدم قدرة سياسة التقشف طرح البديل، وعلى مستقبل اوربا وقرارها الديمقراطي، فسياسة الليبرالية الجديدة قادت الإتحاد الأوربي الى ازمة تهدد وجوده. وتتصاعد في جميع انحاء اوربا القومية والعنصرية.
وبالمقابل بدات حملة اعلامية ضد حكومة اليسار في اليونان تسعى الى تحقيق الهدف الحقيقي لرفض المؤسسات المالية الوصول الى حل مقبول للأزمة، وهو تغيير الحكومة بالبنوك بدل الدبابات، لإنها كما يقول خبراء راس المال تريد تغيير النظام الإقتصادي ، اي تجاوز الراسمالية، ولكون انتصار اليسار اليوناني نقل مقاومة الليبرالية الجديدة من احتجاج الشارع الى مستوى الصراع بين الحكومات. ونجاح حزب اليسار الإنتخابي في اليونان ، يمثل اول نجاح للقوى الساعية الى تغيير النهج السائد في منطقة اليورو. والقوى المحافظة. والإجتماعيون الديمقراطيون مرعوبون من فكرة افلات البلد من الكماشة، وهو ما يعني استمرار السلسلة بالتفكك فالبرتغال واسبانيا يقفان على ابواب دائرة صراع مماثل، وبروكسل لها تجربة سابقة سلبية مع الإستفتاءات الشعبية التي حصلت في فرنسا، وهولندا على معاهدة الدستور الأوربي، ولذالك فان اليمين يرى ان كل الوسائل مشروعة ما دامت تحافظ على نظامه الإقتصادي.
ان امام حزب اليسار اليوناني وقوى اليسار الأوربي الجذرية فرصة وعليها تعبئة كل القوى الجماهيرية، التي تسعى الى القطيعة مع التقشف. وألإستفتاء هو مطالبة للحركات الإجتماعية والنقابات واحزاب اليسار للوقوف بوجه سياسة اللجنة الثلاثية الإجرامية. ولحظة الصراع هذه، اختبار هام آخر للإجتماعيين الديمقراطيين بشأن استمرارتحالفهم مع اليمين والإسهام في الحملة الظالمة ضد اليونان، او التحول الى سياسة جديدة قائمة على اعادة بناء اوربا على اسس الديمقراطية والسلام.