مدارات

هل الرأسمالية نهاية التاريخ؟ / عبد الرزاق الصافي

صدر مؤخراً عن دار الفارابي كتاب بعنوان "الرأسماليةّ ..الوغد الوسيم .. في بعض مستجدات العصر" للباحث الكويتي الأستاذ وليد الرجيب.والرجيب هو كاتب وروائي نشر عدداًمن المجموعات القصصية والروايات ومنها رواية "بدرية"التي نالت شهرة كبيرة في الساحة الادبية العربية منذ عام 1989. كما ان للرجيب اهتمامات واسعة بالاضافة الى كونه روائي صدرت له خمس روايات وربما اكثر،فقد نشر كتابين عن فن وعلم التنويم والعلاج بالطاقة الكونية ، ويعمل إستشارياً نفسياً واجتماعياً واستاذاً ً دوليا ًبالتنويم وممثلاً للجمعية الامريكية للمنومين وعضو البورد فيها، إضافة الى تخصصات اخرى في العلاج والتنمية الذاتية.وهو حاصل على جائزتين في الأدب ، الاولى من مؤسسة التقدم العلمي في الكويت عام 1994 والثانية جائزة الدولة التشجيعية من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت عام 1997 وهو مستشار لسلسلة "ابداعات عالمية"التي يصدرها المجلس الوطني للفنون والآداب في الكويت.
وبرغم كونه اسماً مرموقاً في جميع هذه الاهتمامات الموسوعية يتمتع بتواضع جم ويقول في نهاية مقدمته لكتابه الجديد" ولا ندعي اننا قدمنا إجابات شافية كافية للمسائل المطروحة في هذا الكتاب، كما لاندعي اننا استطعناحصر جميع الاسئلة والموضوعات المستجدة والشائكة لما تمر به الماركسية والماركسيون في هذا العصر ، فالامر يحتاج الى مزيد من الدراسة والتعمق والمناقشة بعقول مفتوحة ".
الكتاب يحوي مقدمة واربعة فصول، استغرقت 256 صفحة .تحدث الفصل الاول عن " علاقة الرأسمالية بالتطور التكنولوجي" وبيّن إن الرأسمالية لم تستهدف من التطور التكنولوجي تحقيق سعادة الإنسان، بل تحقيق الربح وزيادته.ولا تتورع عن كبحه اذا ما تعارض مع هذا الهدف، الذي هو تحقيق ربح اكبرمن المتحقق حتى ظهور التطور التكنولوجي. فهي ، اي الرأسمالية،تستخدم التكنولوجيا بادىء الأمرفي مجال الاستخبارات دون اي اعتبار خلقي في التجارب العلمية ، وفي الإستفادة من الإختراعات الجديدة. وضرب مثلاً بما قامت به الشركات الكبرى التي تنتج البترول ومشتقاته ، إذ رفضت تعميم نموذج السيارة التي تعمل بالكهرباءوالطاقة الشمسية ، ورفعت قضايا أمام المحاكم ضد تصنيع السيارة الكهربائية وربحتها بالإستعانة بالحكومة الامريكية وتم وأد الوليد الجديد في 24ابريل/نيسان 2003.وتحدث الكتاب عن استقطاب شركات المال في وول ستريت لخريجي الرياضيات المتفوقين او خريجي العلوم للعمل لديها بإجور عالية بدلاًمن خدمة المجتمع بإختراعات علمية او العمل في المختبرات العلمية بإجور اقل .
وكرّس المؤلف الفصل الثاني لـ"تأثير التطور التكنولوجي في بنية الطبقة العاملة" واستعان بورقة اعدها التيار التقدمي في الكويت تحت عنوان "التطورالرأسمالي التابع والمشوّه والطفيلي في الكويت ـ الطبقات الاجتماعية والصراع الطبقي"عام 2012 ، وهي ورقة غنية جداً بمضمونها العلمي ومعالجتها لموضوع الصراع الطبقي في الكويت وسائر بلدان الخليج، وتغير بنية الطبقةالعاملة عبر التاريخ وعدم سقوط النظرية الماركسية وإستمرار مبرر وجود الاحزاب التقدمية التي تعبر عن مصالح الطبقة العاملة وكل شغيلة اليد والفكر، ودورها الطليعي من اجل التغيير.على الضد من إدعاءات منظري الرأسمالية الذين زعموا ان الرأسمالية هي نهاية التاريخ وان لا مكان للنظرية الماركسية بعد الآن، ولا واقعية الزعم بعدم وجود طبقة عاملة في الخليج،ودورها الطليعي من اجل التغيير.ولا يمكن ان يفي هذا العرض الورقة حقها ، بل ينبغي الرجوع الى عرض الكتاب للورقة إن لم يكن العودة اللى الورقة نفسها.
اما الفصل الثالث فقد سمّاه المؤلف (العولمة ّ"الاممية الرأسمالية")، وناقش فيه إدعاءات البعض بأن الماركسية في تحليلها للرأسمالية وطبيعتها قد توقفت عند مرحلة الامبريالية في إشارة الى كتاب لينين " الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية "، في حين ان النظام الرأسمالي جدد نفسه وتطور الى مرحلة "العولمة " التي لم يرد ذكرها في الادبيات ا لماركسية ، على حد زعمهم. علماًان هناك سيلاً هائلاًمن الادبيات التي تتحدث عن موضوع العولمة .واستشهد المؤلف بمساهمات الاجتماعيين والفلاسفة والفنانين وعلماء البيئة وغيرهم الكثيرالذين تناولوا العولمة من جميع جوانبها واورد المؤلف اسماء العديد من من الاقتصاديين واليساريين العرب من امثال د.سمير امين واللبناني كمال حمدان والدكتور فؤاد مرسي الذي الّف كتاب الرسأسمالية تجدد نفسها، الى جانب الكتاب الغربيين الذين بلغت مؤلفاتهم وابحلثهم ودراساتهم الالوف. والرأسمالية ، رغم انها جددت نفسها، كما تنبأ ماركس،ولكنها لم تغير قانونهااو جوهرها. وتطرق المؤلف الى ما قام به ميخائيل غورباتشوف عندما دعا خمسمئة من قادة العالم الى فندق فير مونت في كاليفورنيا في ايلول /سبتمبر 1995ليشكلوا هيئة جديدة يطلب منها تبيان الطريق الى القرن الحادي والعشرين. هذه الطريق التي " ستفضي الى حضارة جديدة ". وكان من بين المدعوين جورج بوش الاب ومارغرت تاتشر وجورج شولتس ورئيس مؤسسة سي ان ان وغيرهم.
وفي الاجتماع المذكور جرى رسم السياسة الاقتصادية الجديدة التي اقرّت ،بلا حياء ولا انسانية، ان 20%من السكان العاملين ستكفي في القرن 21 للحفاظ على النشاط الاقتصادي الدولي. وان لا حاجة لآيدي عاملة اكثر من هذا، فخمس قوة العمل سيكفي لإنتاج جميع السلع ، وليظل ثمانون بالمئة عاطلين!
وبيّن المؤلف كيف ان العولمة الرأسمالية ومنظماتها معادية للديمقراطية .وتطرق الى الحديث عن تطور الرأسماليةالاحتكارية الى الرأسمالية المعولمة. وتحدث عن تمركز رأس المال وعن ازمة 2008التي هي اشد خطورة واستدامة من كل الازمات تاسابق بما فيها ازمة 1929.وكيف انه في "ظل التطور الهائل للقوى المنتجة العالمية الذي بات يكفي لتأمين حاجات البشرية كلها،ما زال اكثر من ثلث البشرية يعيش عند حافة الفقر ، وما زال ملايين البشر يبحثون عن فرص عمل في ظل تعطيل طاقات هائلة "
واشار المؤلف الى ان الولايات المتحدة استطاعت ان تخلق داخل الدول العربية "طبقة " كومبرادورية تقوم بالتخديم على مصالح الولايات المتحدة وتعمق فجوة توزيع الدخل في الدول العربية. وكيف تعاني شعوب الخليج من تزاوج السلطة والمال وعدم العدالة في عملية توزيع الثروة والدخل حيث تركزت الثروة عند الاقلية القليلة وتزايد نسب البطالة وارتفاع الاسعاروتدني مستويات المعيشة سنة بعد اخرى،وما رافق ذلك من سياسات قمعية بوليسية وتجيير قوانين الانتخابات لإقامة ديمقراطية شكلية في كل من الكويت والبحرين.
واشار المؤلف الى ان العولمة الرأسمالية تحمل في جوفها كل سمات الرأسمالية وتناقضاتها وازماتها، وبشكل اوسع واعمق مما كانت عليه في السابق.وبيّن ان الرأسمال الامريكي والتابع لبقية الثماني الكبار يسيطر على 70%من اسواق العالم . وكيف ا ن البلدان الفقيرة تخسر يومياًمليار و300 مليون جنيه استرليني في التجارة بسبب القوانين التي تطالب برفع حواجر التعريفات وإنهاء الدعم في البلدان الفقيرة. وكيف تحولت منظمة التجارة العالمية لبتي تضم142 بلداًالى حكومة عالمية يديرها الاغنياء(واشنطن بالدرجة الاولى)وان سياستها ترسم من قبل 21 بلداً فقط.وذكر ان الرأسمالية دخلت مرحلة جديدة هي امبريالية العولمة التي تستهدف ليس فقط الاستيلاء على الاراضي واقامة المستعمرات بل السيطرة على كل اقتصاد العالم.
واشار المؤلف ان هذه اللوحة السوداءليست قدراً لا يمكن رده. إذ يمكن التصدي له . وذكر ما اورده تقريرالتنمية البشرية للعام 2013 الصادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي تحت عنوان" نهضة الجنوب تقدّم بشري في عالم متنوّع ان عدداً كبيراًمن البلدان النامية مثل البرازيل والصين والهند قد حققت تحولاً في التنمية البشرية واصبح لها اقتصادات قوية ونفوذ سياسي متزايد. وفي هذا السياق اورد المؤلف قدرة بعض دول الجنوب او الاطراف على السير في طريق التنمية الذاتية واستغلال مواردها لمصلحة شعوبها دون ان تضطر الى الارتهان للإمبريالية المعولمة او الاستمرارفي اقتصاد طفيلي متخلف وتابع للرأسمال العالمي.واسهب في الحديث عمّا حققته فنزويلا بقيادة هوغو شافيزمن منجزات كبيرة في انخفاض نسبة معدل الفقر وارتفاع مؤشر التنمية البشرية ارتفاعاً كبيراًوانخفاض معدل البطالة . وكيف ان فنزويلا لم تتأثر بالازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية.
ولم يقتصر المؤلف على ذكر فنزويلا ونجاحاتها بل ذكر ايضاً الاكوادور بقيادة كورييا ونهجها المخالف للنهج النيو لبرالي وكذلك ما حققته شيلي من منجزات واستشهد بما كتبه سمير مرقص في مقال له بعنوان"شيلي واخواتها:عدالة اجتماعية+ تداول السلطة = (تقدم)".واخوات شيلي هي البرازيل والارجنتين وكوستاريكا التي حققت منجزات يجدر الإقتداء بهاالى جانب ماحققته الاكوادور. وكيف ان السياسات المناقضة للنيولبرالية تنجح بتحقيق الاستقرار الإقتصاديوالرفاه الاجتماعي ويمكن ان تنقذ الدولة بأقل الخسائرمن ازمة الرأسمالية العالمية المستمرة منذ 2008 .
والحديث يطول بما لايتحمله هذا المقال لو اردنا ايراد كل الامثلة التي حققتها البلدان التي انتهجت نهجاً مناقضاً للنهج النيولبرالي الذي تسعى الولايات المتحدة لفرضه على كل الدول.وختم المؤلف هذا الفصل بالقول"ان شعوب العالم في هذه الفترة التاريخية تبدأ بكتابة تاريخ جديد لها يسعى الى إستبدال النموذج الرأسمالي المعولم اللاانساني والغارق بأزماته. وان هذه الشعوب تدرك ان الطريق الى الاشتراكية طويل.واشار الى اهمية الاستفادة من تجربة الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية والتوقف عندها ودراستها وتحليلها ونقدها بجرأة وبعقلية متجردة من الجمود والنصية وعدم التفكير المبدع والخلاق لبناء اقتصادها وتقدم شعوبها.
اما الفصل الرابع ،الذي جعل المؤلف عنوانه"الثورات العربية بداية تاريخ عربي جديد والذي يبدو للوهلة الاولى ان لا علاقة له بالفصول الثلاثة الاولى التي تطرقنا اليها، فقد ذكر المؤلف انه لم يستطع استبعاد "الثورات العربية "، التي بدأت في العام 2011 كمستجد على عصرنا. ولذا كرّس لهذا الفصل مايزيدعن ثلث صفحات الكتاب، تطرق فيه الى كون التفكير التغييري ليس غريباً على العرب ،إذ بدأه المثقفون العرب التنويريون بدءاً من رفاعه الطهطاوي وانتهاء بعلي عبد الرازق وسلامة موسى وطه حسين ومروراً بخير الدين التونسي وبطرس البستاني وجمال الدين الافغاني ومحمد عبده وقاسم امين واحمد لطفي السيد وعبد الرحمان الكواكبي وشبلي شميل وفرح انطون وآخرين. وما اعقب ذلك في منتصف القرن العشرين من "ثورات"وانقلابات عسكرية في العديد من الدول العربية التي حققت طرد المستعمرين واقامت حكومات افتقرت الى الديمقراطية وصولاًالى "الثورات"في العام 2011التي اطلق عليها تسمية الربيع العربي والتي كانت حصيلة نضالات مديدة خاضتها الشعوب العربية على مدى عشرات السنين.ورد المؤلف في هذا الفصل على تسمية هذه الثورات بأنها ثورات شبابية او تكنولوجية وتحدث عن الوضع العربي قبل الثورات والاحزاب السياسية قبل الثورات وعن احزاب الاسلام السياسي قبل الثورات. وتطرق الى الكيفية التي استغل بها الاخوان المسلمون تطور الاوضاع وانضمامهم الى الثورات بعد اندلاعها وتمكنهم من السيطرة على نتائجها بدعم من الولايات المتحدة الامريكية ، التي سارع الاخوان المسلمون الى تطمينها على حماية مصالحهم وأمن إسرائيل .وافرد المؤلف جزءاً من هذا الفصل وجعل عنوانه :لأول مرة الاخوان المسلمون على رأس السلطة ( الثورة المضادة). وبيّن كيف انهم استعجلوا في السيطرة على مفاصل السلطة وسعوا الى "اخونة"الدولة خلافاً للوعود التي قطعوها بعدم الاقدام على ذلك . الامر الذي إستفزالملايين التي حققت الثورة ،ومكنت الاخوان المسلمين من الصعود الى السلطة ، فكانت موجة 30 حزيران/يونيو الثورية التي شهدت خروج30 مليون مصري الى الشوارع والساحات لإزاحة ممثل الاخوان المسلمين الدكتور مرسي الذي مارس السلطة لمدة سنة وكشف النهج الخطير للإخوان المسلمين وخطره على مستقبل مصر كدولة. الامر الذي حمل الجيش على التدخل وإزاحة مرسي وتقديمه للمحاكمة على ما ارتكبه من آثام.وناقش المؤلف الادعاء بأن ما حدث انقلاب وليس ثورة والادعاء بأن الثورات التي حصلت في البلدان العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن انما هي حصيلة مؤامرة امبريالية صهيونية . وفند هذه الادعاءات واكد ان ما حدث فاجأالدوائر الامبريالية واجهزة مخابراتها التي سعت للاستفادة مما جرى لتنفيذ مخططاتها ، وخصوصاًالمخططات الامريكية لتمكين الاخوان المسلمين للإحتفاظ بالسلة بعدالتطمينات والتعهدات التي قدمها لهم الاخوان المسلمون. وتساءل المؤلف هل حصدت الثورات العربية الثمار النهائية؟ واجاب ان خطر الردة والثورات المضادة ما زال ماثلاً. إذ ما تزال الآلة الاعلامية الضخمة للاخوان المسلمين تبث الاكاذيب،كما لا يزال الاعلام الامريكي والاوربي والاسرائيلي يحاول ارباك موقف الشعب المصري. كما ان" فلول" نظام مبارك من البورجوازيين انتعشت وفرحت بسقوط الاخوان الذين نافسوهم على " كعكة مصر"واستحوذوا عليها فأصبحوا بديلاً لتلك الفلول
في تنفيذ سياسة النيوليبرالية وخداماً اكثر طاعة من بورجوازيي نظام مبارك. واستطردالمؤلف في الحديث عن عمالة الاخوان المسلمين وعلاقتهم التاريخية بالغرب الاستعماري. وغيابهم عن كفاح شعب مصر طيلة تاريخهم.
وحملت الفقرة الاخيرة في هذا الفصل عنوان "بماذا نصف ثورة 30 حزيران/يونيو 2013؟ واستعان المؤلف للاجابةعلى هذا السؤال بمقتبس من التقرير السياسي للحزب الشيوعي المصري يقول" اننا نعتبران ثورة الشعب المصري في 30 حزيران/يونيو لتصحيح مسار ثورة 25 كانون الثاني / يناير إنما هي امتداد لكل مراحل الثورة الوطنية الديمقراطية التي بدأت مع الثورة العرابية (المقصود فيها ثورة احمد عرابي ضدالخديوي توفيق والانجليزوالاوربيين في الفترة ما بين 1879 الى 1882 ) وتواصلت عبر ثورة 1919 (التي قادها سعد زغلول) الى ثورة 30 حزيران/يونيو التي جاءت لإنجاز المهام التاريخية لهذه الثورة ، التي لمّا تكتمل وتأخرت كثيراً، خصوصاً بعد الردة الرجعية الشاملة التي إجتاحت مصر والمنطقة منذ منتصف السبعينات واستمرت لأكثر من ثلاثين عاماً، وما حدث اثناءها من انهيار لحركة التحرر العربية وكذلك انهيار الاتحاد السوفييتي وصعود التيار الديني الفاشي في المنطقة في ظل نظم حكم استبدادية جثمت على انفاس شعوبنا لعشرات السنين".
واخيراًمهما كان استعراضنا للكتاب وافياً، وهو ليس كذلك، فإنه لا يغني عن قراءة الكتاب والاستفادة من التحليلات القيمة لكل ما تناوله من مستجدات العصر الرأسمالي.