مدارات

ما حقيقة حرب اردوغان المشتعلة؟

رشيد غويلب
النجاح الإنتخابي الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطي اليساري في السابع من حزيران الفائت، ودخوله البرلمان التركي لأول مرة، بعد ان تجاوز العتبة الإنتخابية (10 في المائة)، وحصل على 13.2 في المائة مكنته من احتلال 80 مقعدا في البرلمان التركي الجديد، و دوره الأساسي في فقدان حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الحاكم اكثريتة المطلقة، في لحظة بدا فيها وكأن زمن الحزب القائد في تركيا قد انتهى.
لقد شكلت نتائج الإنتخابات كارثة سياسية للحزب الحاكم، واكثر من ذلك بالنسبة لرئيسه اردوغان، لإنها بددت احلامه في اقامة نظام رئاسي دكتاتوري يلعب فيه دور السلطان. ومنذ ذلك اليوم تصاعدت سياسة الرئيس العندوانية ضد الحركة الكردية وقوى اليسار في البلاد، توجها سياسيا، بإعلانه انهاء عملية السلام مع العمال الكردستاني.
لقد كان هدف اوردوغان منذ البداية واضحا، وصم حزب الشعوب الديمقراطية بالإرهاب، واخراجه من البرلمان، وفي هذا السياق تأتي مطالبات اردوغان برفع الحصانة البرلمانية عن النواب اليساريين ومحاكمتهم. وبالمقابل يقول قادة حزب الشعوب الديمقراطي ان جريمتهم الوحيدة هي نجاحهم الإنتخابي، واحداث تغيير جوهري في الإصطفافات داخل البرلمان. ولمعاقبتهم على "جريمتهم"، بدأت النيابة العامة تحقيقا مع رئيسا الحزب.
ووظفت حكومة تصريف الأعمال التركية الجريمة الإرهابية ضد مركز ثقافي يساري في مدينة سورك الحدودية، والتي راح ضحيتها 31 من الشبيبة اليسارية، كانوا ينوون الإنتقال الى كوباني للمساعدة في اعادة بنائها، كغطاء آخر في حربها ضد الحركة الكردية وعموم قوى اليسار، ومنذ ذلك الحدث بدأت الطائرات التركية بقصف مواقع داعش داخل الأرضي السورية، وفي الوقت نفسه قصف مواقع حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل داخل الراضي العراقية. وقد بررت الحكومة التركية سلوكها المتناقض هذا بالقول:"لقد غيرنا قواعد اللعبة في المنطقة"، وهنا تركز الحكومة التركية على توجيه ضربات تدميرية لقوات المقاومة الكردية التي تقاتل ببسالة ونجاح عصابات داعش في سوريا، وعلى قوى اليسار في داخل تركيا، وليس على مقاومة داعشن واخواتها، التي يشكل بعضها مثل جماعة احرار الإسلام حليف جديد لحكومة اردوغان .
وشدد ممثلوا الحزب الحاكم مرارا وتكرارا، وحتى خلال فترة مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، ان الحركة الكردية وحلفائها من قوى اليسار اخطر على نظامهم من منظمة داعش الإرهابية، وعلى هذا ألأساس قدمت الحكومة التركية دعمها المتنوع للإرهابيين، الذين يسعون الى اسقاط النظام السوري، ويخضون في نفس الوقت معارك طاحنة ضد الحركة التحررية الكردية في سوريا ، ولعل معارك كوباني خير مثال على ذلك.
وبالتوازي مع شن الهجوم على مواقع الحركة الكردية، واصلت الحكومة التركية حملتها في الداخل ضد القوى الديمقراطية واليسارية في العديد من مدن البلاد وخلال واحدة من حملات "مكافحة الإرهاب"، التي جرت منتصف تموز الفائت تحت اسم "غارات الفجر" تم اعتقال 1300 مشتبه به، منهم 150 متهمين بالإنتماء الى داعش، اما البقية فهم 1150 ناشطا ينتمون لمنظمات كردية ويسارية تركية، وتعكس هذه الحملة الكيفية التي يوظف فيها اردوغان وجود داعش ليوسع من قمعه لقوى يسارية وديمقراطية.
وكما هو واضح فان اودوغان وحزبه على كامل الإستعداد لإستخدام العنف والفوضى لغرض استعادة دكتاتورية الرئيس، وازالة كل القوى التي تعيق تحقيق حلمه في نظام جمهوري يشكل في الواقع قميصا لحكم السلطان الجديد، من خلال توظيف تهمة العداء للدولة في الظروف الجديدة.
وحاليا تدار تركيا من قبل حكومة تصريف اعمال، ومحادثات تشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب المعارضة مثل "حزب الشعب الجمهوري"، لم تفضي الى نتائج ملموسة، وامام رئيس الوزراء داود أوغلو مهلة حتى الثالث والعشرين من الشهر الحالي للتوصل الى تحالف حاكم، وبعكسه سيعمد ارودوغان بصفته رئيس للجمهورية الى حل البرلمان، وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة..
وبالضبط هذه هي خطة الرئيس الذي دعا لتشكيل حكومة اقلية من حزبه فقط، او الذهاب الى انتخابات مبكرة. وبالنظر للظروف الداخلية والخارجية التي عمل اودوغان على تهيئتها سيجري التاكيد على الظروف الإستثنائية التي تغازل المشاعر القومية للأتراك، لهدف واضح هنا ايضا منع الحركة الكرندية وقوى اليسار المتحالفة معها من العودة للبرلمان، واضعاف عموم احزاب المعارضة، وبهذه الطريقة فقط تتوفر فرصة لحزب اوندوغان الإسلامي المحافظ لإستعاندة الأكثرية المطلقة التي فقندها قبل اشهر بانتخابات ديمقراطية.
واذا كانت انتخابات حزيران الفائت قد عكست تصويتا ضد سلطة الحزب الواحد، فان انتخابات تشرين الثاني المبكرة يمكن ان تكون محطة لإمكانية استمرار الصحوة التقدمية في تركيا التي تمثل فرصة من جديد للعودة الى محادثات السلام، او ستكون بداية لعودة حزب اورودوغان للتفرد بالحكم، واستمرار اثارة العنف ضد كل ماهو ديمقراطي ويساري من قبل قوى الإسلام السياسي، والقوى المتطرفة التركية.